فبراير 5, 2025
result.png12

صباح البغدادي

قد لا تشكل للرأي العام حاليآ أو حتى في المستقبل أية مفاجئة له , بعد ان سمع وقرأ وشاهد في وسائل الإعلام , رسالة التحذير شديدة اللهجة والفعل , الذي تلقاها أمين عام حزب الله الشيخ “نعيم قاسم” قبل أيام , لأن ما يمر به الحزب اليوم على الجبهة الداخلية والخارجية من ظروف صعبة وقاهرة خارجة كليا عن إرادته , وخصوصا بعد الضربات الموجعة التي تلقاها خلال الأشهر الماضية , من حيث أن فحوى الرسالة كانت تهديداً مباشراً صريحا وعلنيا من قبل وزير الدفاع الإسرائيلي” يسرائيل كاتس” الذي قال إن: ” خليفة الأمين العام لحزب الله السابق حسن نصر الله سيدفع ثمناً باهظاً إذا خرق وقف النار ” ومهدداً في الوقت نفسه أيضاً بأنه : ” إمّا أن يتوقف عن إطلاق المسيرات أو لا يبقى حزب الله قائما واقترح على خليفة نصر الله ألّا يخطئ في تقدير عزمنا ” وحمل كذلك الحكومة اللبنانية المسؤولية الكاملة عن أي خرق لوقف إطلاق النار.

لكن رأينا أنه حتى بعد انقضاء مهلة الستون يوما التي كان منصوص عليها ضمن فقرات اتفاق وقف إطلاق النار التي تم تمديدها حتى 18 شباط الحالي , فان الجيش الإسرائيلي ما يزال يمارس هواياته المفضلة التي يتميز بها , في تدمير معظم البنية التحتية التي يستطيع التخلص منها في مختلف مناطق الجنوب , وَسْط تفرج من قبل الحكومة اللبنانية وقيادات حزب الله وعدم استطاعت الأخير من ردة الفعل على هذه الانتهاكات ؟ لان يده أصبحت عاجزة ومشلولة عن القيام بأي عمل عسكري قد يعيد هذا المرة الدمار والخراب الشامل ليس لمناطق محددة , وإنما سوف يشمل جميع البنية التحتية اللبنانية , بالأخص مع قدوم الرئيس”دونالد ترامب” للبيت الابيض والمعروف عنه كرهه الشديد وبغضه لإيران وأحزابها , لغاية ألان نشاهد أن الجيش الإسرائيلي يتمركز في القرى الحدودية، مثل مارون الرأس , يارون , كفركلا، بليدا , العديسة، مركبا، اللبونة، ومروحين، حيث ينفذ عمليات تجريف للطرقات وتدمير المنازل وإحراقها , فضلا عن تفخيخها , حيث قامت القوات الإسرائيلية بعد ظهر اليوم الاثنين 3 شباط 2025 بإحراق عدة منازل بين بلدتي العديسة ورب ثلاثين , بالإضافة لتفجير عدة مبان مؤكداً بدورها أنها : “بنى تحتية ومستودعات أسلحة لحزب الله”. منذ البدايات والنشأة لـ “حزب الله” كانت مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان أحد أبرز الأهداف والشعارات التي انتهجها الحزب لغرض تبرير وجوده على الساحة اللبنانية , وقد لعب الحزب دورًا كبيرًا في إجبار إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 مما عزز معها صورته أكثر لدى الحاضنة الشعبية وكذلك الراي العام العربي كمنظمة مقاومة مسلحة ومعها أعلن حزب الله دعمه المستمر للقضية الفلسطينية وتحرير الأرض , وقدم مساعدات عسكرية ولوجستية لفصائل مثل “حركة حماس” و “منظمة الجهاد الإسلامي” وغيرها من الفصائل المقاومة في الداخل الفلسطيني , وكما شارك في صراعات قاصدًا مع إسرائيل مثل حرب 2006 وبفضل هذا الدعم توسعة حاضنته الشعبية العربية بسبب مواقفه المناهضة لإسرائيل , وحظي “حزب الله” بتأييد واسع في الشارع العربي خاصة في حقبة التسعينيات والعقد الأول من الألفية الجديدة. ومما عزز مفهوم المقاومة لدى العقل الجمعي العربي هو مقدار التمويل المادي المستمر والدعم العسكري والمعنوي الهائل الإيراني وبالاخص من الناحية الاعلامية , هذا الدعم جعل الحزب بدوره يعتبر أحد أقوى الفصائل المسلحة في المنطقة ولكن بالمقابل فإن الأجندة الإيرانية حتى وإن كانت مخفية لبعض الفترات فإنها كانت وما تزال حاضرة , لأنه يلعب دورًا رئيسيًا في تنفيذ السياسات الإيرانية في المنطقة , هذا الدور جعله جزءًا رئيسا وركيزة أساسية لا غنى عنها مما يسمى بـ “محور المقاومة” الذي تقوده إيران بالمنطقة , مما يعزز نظرية الولاء المطلق لإيران , ويتجاوز معها مفهوم العِلاقة التكتيكية الانية، بل هو في حقيقة الامر يتمثل بولاء أيديولوجي و عقائدي وسياسي في نفس الوقت . على الرغم من ما حل بالحزب حاليا من كوارث , لكنه ما يزال يؤكد مؤيدو “حزب الله” أنه لا يزال يلعب دورًا مهمًا في المواجهة مع إسرائيل , وكذلك سوف يبقى لاعبًا رئيسيًا في المشهد السياسي والعسكري في لبنان والمنطقة , لكن انخراطه في صراعات إقليمية وعلاقته الوثيقة بإيران أصبحت مع الوقت تثير الكثير من التساؤلات حول أولوياته الحقيقية ؟ هل كان شعار تحرير فلسطين مجرد غطاء لخدمة أجندات أخرى؟ وهل يمكن لحزب الله أن يوازن بين دعم القضية الفلسطينية وخدمة المصالح الإيرانية ؟ أم أن الأولوية سوف تبقى دائمآ للنظام الإيراني وخط دفاعه الأول لبرنامجها النووي ؟ كل هذه ستبقى تساؤلات مشروعة سوف يطرحها الرأي العام العربي كلما سنحت له الفرصة في التعبير عن رأيه .

صحيح أن هناك تخوف حقيقي لدى الأحزاب السياسية اللبنانية المعارضة والمناوئة لـ “حزب الله” بأن يتم استخدام ما تبقى للحزب من سلاح ومقاتلين وبان يتوجه هذا السلاح بدوره للداخل اللبناني لغرض فرض واقع حال على الأحزاب الرافضة لوجوده المسلح , وذلك من خلال وسائل عديدة تارة بالترهيب وأخرى بالترغيب لبقاء الحزب تحت ستار المقاومة المسلحة والاحتفاظ بما تبقى من سلاح وعتاد ومعدات عسكرية , وليس إن يكون حزب سياسي فقط مشارك بالحياة السياسية والنيابية كما يريدون منه المعارضين لوجوده المسلح.

هذا الخوف المشروع لدى هؤلاء الأحزاب المعارضة ترجمه الحزب صراحة قبل أيام انطلاقًا من استفزاز نعتبرها صبيانية ولا تليق بتاريخه الجهادي حسب ما يروج له , وبالتالي فأنها غير مبرر من خلال مسيرة أنصاره بالقمصان السوداء بالدراجات النارية التي اجتاحت أحياء سكنية ذات الأغلبية المسيحية من مناطق :” الحدث حتى الجديدة، مروراً بالجميزة وغيرها من المناطق والاحياء السكنية ” يؤكد اللبنانيين الرافضين لهذه الاستعراضات الاستفزازية على مضي الزمن وقد ولا إلى غير رجعة والذي كان “حزب الله” يستخدم هذه الأداة من دون الخشية من أي عواقب , حيث رأينا كيف تصدى الجيش اللبناني لهؤلاء , مما أرسل بدوره رسالة واضحة وصريحة , بأن اي خرق للسلم الأهلي المجتمعي ستكون هناك عواقب وخيمة , لان البعض تخوف صراحة بان هذه الاستفزازات قد تنجر إلى صدامات مسلحة تشترك بها جميع الأطراف والأحزاب والتنظيمات , مما سيشكل في حينها مأساة وذكريات الحرب الأهلية اللبنانية “1975 – 1990” حيث ما يزال لغاية الآن قيادات “حزب الله” متمسكة بسلاحها ويرفض انها وجوده المسلح مع أنّ أن معظم الأحزاب توافقت على هذا الأمر , بالأخص بعد أن جر الحزب لبنان مرتين إلى الحرب مع إسرائيل كانت مدمرة للبشر والحجر , هذه الأحزاب اللبنانية الرافضة كليا لاستمرار وجدوه المسلح تريد حل قضية نزع سلاحه كليا بطريقة لا تتسبب باندلاع حرب أهلية جديدة في البلاد تأكل معها الأخضر واليابس وتسبب بسقوط لبنان في وحل الخراب والتدمير النهائي.

وأخيرًا، وليس آخرًا، وبعيدًا عن سردية “النصر الإلهي” و”نحن على العهد” التي ما يزال قادة “حزب الله” ومناصروه يروجونها، فإن تصفية الأمين العام للحزب وقادة مجلس الشورى الجهادي الرئيسيين قد ألقت بظلالها على مستقبله, فما تبقى للحزب من أدوات لترويج هذه السردية لم يعد كافيًا لتمكينه من خوض عمل عسكري جديد ضد إسرائيل، إذ إن أي مواجهة من هذا النوع قد تكون بداية النهاية له، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل أيضًا على الصعيد السياسي. فالحزب، الذي كان يتمتع بحضور قوي على الساحة اللبنانية، يواجه اليوم تحديات جسيمة قد تؤثر على مكانته داخليًا وخارجيًا. وحاضنته الشعبية، التي كانت تشكل عماد قوته، بدأت تتآكل تدريجيًا، خاصة بعد تدخله المباشر والصريح في الحرب الأهلية السورية لدعم نظام “بشار الأسد” هذا التدخل أفقده الكثير من المقاتلين ناهيك عن الأنصار والمؤيدين له في الشارع العربي، الذين رأوا في موقفه انحيازًا واضحًا لأجندة إقليمية على حساب القضايا الوطنية التي كان يروج لها سابقآ واعتبروا في الوقت نفسه أنهم تعرضوا لخديعة بأن الحزب ليس في أجندته الحقيقية الخافية تحرير فلسطين والصلاة بالقدس ومقاومة إسرائيل وإنما هناك مشروع إيراني توسعي بالمنطقة. في هذا السياق ومن هذا المنطلق , قد تكون أي محاولة عسكرية جديدة ضد إسرائيل هي محاولة أخيرة من قبل الحزب لإعادة تشكيل رسم صورته التي تشوهت كثيرآ أمام الرأي العام العربي ، ليس فقط كلاعب مقاومة ضد إسرائيل ، ولكن أيضًا كقوة قادرة على الحفاظ على تماسكها ورمزيتها. حاليآ الحزب يسعى جاهدًا لمحاولة ترسيخ مشهد تشييع قادته، الذي سيصبح حدثًا تاريخيًا ذا صدى واسع، يظهر – من وجهة نظره – قوة حضوره وتأثيره بين حاضنته الشعبية. غير أن هذه المحاولة قد لا تكون كافية لاستعادة ما فقده الحزب من تأييد شعبي ودعم عربي، خاصة في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها. فالحزب يحاول إرسال رسالة إلى العالم الخارجي، ولا سيما الغربي، مفادها أن تماسك قيادته وقوته العسكرية ما زالت قائمة، وأن توازن القِوَى مع إسرائيل لن يتأثر برحيل قادته وما تعرض له من تدمير وفقدان نخبة مقاتليه . إلا أن هذه الرسالة قد لا تجد صدى واسعًا في ظل الوضع الحالي المتأزم الذي يمر به الحزب وتراجع شعبيته وتنامي الشكوك حول قدرته على الحفاظ على دوره كفاعل رئيس في المعادلة الإقليمية ومقاومة الاحتلال الاسرائيلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *