اسم الكاتب : رياض سعد
للسياسة مقتضياتها وللظروف الداخلية والخارجية سطوتها , وعليه اصبح العمل بمبدأ : ( السياسة فن الممكن ) متبعا لدى اغلب الحكومات ومنهجا لكل الساسة في العالم , الا ان الكلام في التفاصيل , وكما تقول الحكمة : ( الشيطان يكمن في التفاصيل ) ؛ وقد اتهمني البعض بتبييض صفحة البعض من الفاسدين والمخربين والفاشلين , او القاء طوق النجاة اليهم ؛ من خلال الاستشهاد بما جاء في هذه المقالة و غيرها لاسيما المقالة الثالثة من هذه السلسة , وعندها تنتفخ أوداجه , ويعتريه الغرور والخيلاء , ويتشدق بالقوالب الجاهزة والتي لا يفقه مضمون بعضها احيانا , من قبيل : (( السياسة فن الممكن ؛ او ليس بالإمكان افضل مما كان , او هذا الموجود … الخ )) ولأمثال هؤلاء ولإزالة الالتباس اقول : خلف هذه المقولات والكثير من الشعارات الانسانية والوطنية و السياسية والدينية قد يختبئ أكابر الخونة والعملاء والفاسدين والمخربين و أكثر الفاشلين والتافهين والمتملقين والمنافقين ؛ وعليه لا يصح الاحتجاج بمبدأ ( السياسة فن الممكن ) لكل من هب ودب من سقط المتاع وحثالة الاغلبية والامة العراقية ؛ وكذلك لا يجوز التفريط بالحقوق العراقية والثروات والمقدرات الوطنية بسبب ومن دون سبب وجيه ( كما يقول المصريون : عمال على بطال ) بذريعة ( السياسة فن الممكن ) .
فالتوازن بين القيم والمثل الوطنية السامية والرؤى والافكار والنظريات السياسية والدينية وغيرها واغراءات السلطة والنفوذ والعلاقات من سمات الشخصيات السوية والساسة الناجحين , وتقدير الامكانيات والمقدرات والطاقات الداخلية بصورة موضوعية وصادقة وحقيقية , ومقارنتها بالضغوط والتحديات الخارجية وامكانيات الاعداء الواقعية , ومعرفة الفوارق والتباين بينهما والخروج بحلول ناجعة وتسويات مرضية ؛ من صفات الساسة الاكفاء والزعماء الحكماء … ؛ نعم لمثل هكذا ساسة ماهرين وهكذا زعماء وطنيين ؛ الحق في تقييم الاوضاع الداخلية والخارجية , وتشخيص الامكانيات والطاقات الوطنية والتحديات والضغوط الدولية , ثم العمل بمبدأ ( السياسة فن الممكن ) وتقديم التنازلات او عقد الصفقات او ابرام الاتفاقيات .
وعليه هذا الكلام لا يشمل الفاسدين والمخربين والعملاء والخونة والساسة الفاشلين , فالسياسي الذي لا يؤتمن على دولار , كيف لنا ان نسلطه على ثروات الوطن , والمسؤول الدوني الذي يكره اقرب الناس اليه , كيف لنا ان نسلمه شؤون المواطن , فأمثال هؤلاء لا يؤتمنون بإجراء المفاوضات الخارجية او عقد الاتفاقيات الدولية , ولعل تجارب العراق والعراقيين مع الامعات والخونة والفاشلين في تفاوضهم مع الكويت وغيرها , وكيف انهم فرطوا بحقوق الوطن ومستقبل المواطن ؛ من اكبر الشواهد على ذلك .
فاذا كانت التنازلات او المعاهدات او الاتفاقيات تفضي الى منفعة الامة العراقية والبلاد او تمكين الاغلبية الوطنية الغيورة من الحكم ؛ فبها ونعمت ؛ اما اذا لم تستثمر تلك الاتفاقيات لصالح الاغلبية والامة العراقية ولم تخرجنا من عنق الزجاجة ولم تغير واقعنا المعقد ولم تقلب المعادلة بحيث تقلل نسبة الاعداء وترفع معدلات الاصدقاء والحلفاء … ؛ وبقى الوضع كما هو عليه او انساق نحو واقع أكثر تعقيدًا وتهديدا وبؤسا وتخلفا ؛ فلا خير بمثل هكذا ساسة وهكذا سياسة ؛ وصدق الشاعر عندما قال :
فإمّا حياة تسرّ الصديق * * * وإمّا مماتٌ يغيظ العدى
ونفسُ الشريف لها غايتان * * * ورود المنايا ونيلُ المنى
وما العيشُ؟ لاعشتُ إن لم أكن * مخوف الجناب حرام الحمى
وعليه يصح الاحتجاج بمبدأ ( السياسة فن الممكن ) اذا كان السياسي محنكا حكيما ذكيا وطنيا محاورا ومفاوضا من الطراز الاول , اما اذا كان من شراذم الاغبياء والحمقى والعملاء او من انصاف الساسة والمتعلمين او شلة المرتزقة والنفعيين , فأمثال هؤلاء لا ينبغي لنا تصحيح قراراتهم الكارثية وخطواتهم التخريبية بحجة ان السياسة فن الممكن .