يناير 19, 2025
راجي-2

راجي سلطان الزهيري

لا يزال لبنان الجريح، يرزح بثباته ويصدّ الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي تركت البلاد تحت وطأة الدمار وشلت بناه التحتية. وكجزء من التضامن العربي مع هذا البلد المنكوب، هبّت عدة دول عربية لتقديم يد العون، طبعاً العراق كان في مقدمة هذه الدول، حيث أرسل مساعدات مالية وغذائية، دعمًا للبنانيين الذين يعانون من أزمة خانقة.
لا يمكن إنكار أن هذه الخطوة تحمل بُعداً دينياً وأخلاقياً يُشكر عليه العراق، لكن عندما يتعلق الأمر بكيفية توفير هذه المساعدات، بدأت التساؤلات والاعتراضات تظهر. فقد قررت الحكومة العراقية استقطاع 1% من رواتب الموظفين والمتقاعدين للمساهمة في هذا الجهد. وعلى الرغم من إعلانها مسبقاً أن من لا يرغب في التبرع يمكنه إرسال بريد إلكتروني لإعفائه، إلا أن شكاوى عديدة ظهرت من موظفين ومتقاعدين بان الاختيار ظاهري ولم يتم إعفاؤهم حتى بعد إرسال الرسائل.

إشكالية الإلزام وعدم الاختيار

الاستقطاع الإجباري أثار موجة استياء واسعة بين المواطنين تابع بالدرجة الاولى من ازمة الثقة، لا سيما المتقاعدين الذين يتقاضون رواتب متواضعة بالكاد تكفي احتياجاتهم اليومية. كيف يُعقل أن يُجبر من يعاني من أزمات مالية حادة على التبرع؟ ألا يجب أن يكون التبرع فعلًا اختيارياً نابعاً من قناعة شخصية لا جبريّة؟ والطريقة الاصح هي ان يُطرح اقتراح إنشاء صندوق خاص لجمع التبرعات للبنان، يكون مفتوحاً أمام المواطنين والشركات للمساهمة حسب استطاعتهم. هذا الخيار أكثر عدلاً وشفافية، حيث يتيح للجميع المساهمة بحرية دون المساس بمدخولهم الشهري الذي يُعتبر شريان حياتهم.

غياب الشفافية وإشكالية الثقة

الجدل لا يتوقف عند مسألة الإلزام فقط، بل يمتد إلى تساؤلات أكبر حول مصير هذه الأموال. هل تُرسل هذه المبالغ حقًا إلى لبنان لدعم إعادة الإعمار وتقديم المساعدات الإنسانية؟ أم أنها تتحول إلى مكاسب شخصية لبعض الجهات أو الأحزاب؟
الجواب هنا للأسف، فقدان شريحة واسعة من الشعب العراقي الثقة في المؤسسات الحكومية بسبب تجارب سابقة أظهرت سوء الإدارة وغياب الشفافية وكوارث السطو والاختلاس، فحين تُفرض استقطاعات إجبارية دون رقابة حقيقية ودون تقارير دورية تُبين كيفية صرف هذه الأموال، يصبح الأمر مدعاة للشكوك والتساؤلات المشروعة.

نتاج الدروس المستفادة

مساعدة لبنان واجب إنساني وأخلاقي لا جدال فيه، لكن الطريقة التي اختارتها الحكومة العراقية لجمع التبرعات تحتاج إلى مراجعة. يجب أن تكون أي عملية تبرع شفافة، اختيارية، وتحت رقابة مستقلة لضمان وصول الأموال إلى مستحقيها الفعليين.
علاوة على ذلك، ينبغي أن تكون هناك حملة توعية تُظهر أهمية التضامن مع لبنان، بدلًا من فرض استقطاعات إجبارية تزيد من معاناة المواطنين. ففي النهاية، الإحساس بالتضامن يجب أن يكون نابعاً من القلب، لا من قرارات إدارية جائرة تُفاقم أزمات الشعب بدلًا من حلها.
ما يحدث الآن يتطلب وقفة جادة من الحكومة لإعادة النظر في سياستها. فالمساعدات الإنسانية مسؤولية جماعية، لكنها لا يمكن أن تكون على حساب لقمة عيش المواطن البسيط. الشفافية والعدالة هما المفتاح لاستعادة الثقة بين الشعب والحكومة وضمان أن تصل المساعدات إلى من يحتاجها فعلًا، سواء في لبنان أو أي مكان آخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *