فبراير 5, 2025
b7d7999a-85c5-4203-9415-3767cc5cb91d

انوار داود الخفاجي

يشكل الكرد الفيليون شريحة أصيلة من الشعب العراقي، يتمركزون في المناطق الحدودية بين العراق وإيران، ولهم تاريخ عريق يمتد إلى آلاف السنين. ومع ذلك، عانوا طوال العقود الماضية من سياسات قمع واضطهاد ممنهج، خاصة في عهد  النظام السابق. كانت تلك السياسات جزءًا من مشروع قومي عنصري استهدف هويتهم الثقافية والدينية، إذ يتبع الكرد الفيليون المذهب الشيعي، ما جعلهم عرضة للاضطهاد المزدوج: كأكراد وكمذهب.

في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، بدأ النظام السابق حملة قمع واسعة ضد الكرد الفيلين. تم تصنيفهم كأجانب، بحجة أن جذورهم تعود إلى إيران، وتم تجريدهم من الجنسية العراقية. أعقب ذلك تهجير قسري لعشرات الآلاف منهم ، حيث تركوا بلا مأوى أو موارد. كما صودرت ممتلكاتهم وأموالهم، وأُغلقت أعمالهم التجارية، مما ألحق بهم أضرارًا اقتصادية هائلة.

لم تقتصر مأساة الكرد الفيلين على التهجير؛ بل شملت اعتقالات جماعية واختفاءات قسرية لآلاف الشباب الذين اقتيدوا إلى السجون دون محاكمات و تشير تقارير حقوقية إلى أن العديد من هؤلاء تعرضوا للتعذيب وأُعدموا، بينما ظل مصير آخرين مجهولًا حتى اليوم. كان الهدف الأساسي من هذه الحملة  هو محاولة القضاء على هويتهم الثقافية والدينية، ضمن سياسات قمعية استهدفت الأقليات العراقية.

بعد سقوط النظام السابق عام 2003، بدأت الحكومة العراقية الجديدة خطوات لإعادة الحقوق المسلوبة إلى الكرد الفيلين. أُقرّت قوانين تهدف إلى تصحيح الظلم التاريخي الذي لحق بهم، أهمها إعادة الجنسية العراقية إلى من فقدوها. تم تشكيل لجان مختصة لمتابعة قضايا الكرد الفيلين، تضمنت معالجة مشاكل المصادرة والاستيلاء على ممتلكاتهم.

كما أُدرجت قضية الكرد الفيلين ضمن أجندة المحاكم العراقية المختصة بجرائم النظام السابق، حيث تم تصنيف عمليات التهجير والقتل في المقابر الجماعية التي تعرضوا لها كجرائم إبادة. هذه الخطوة كانت اعترافًا رسميًا بالمأساة، وساهمت في تعزيز الوعي بمعاناتهم على المستوى الوطني والدولي.

بالإضافة إلى ذلك، دعمت الحكومة إنشاء مشاريع سكنية وبرامج اقتصادية لتحسين أوضاع الكرد الفيلين. بعض المحافظات، خاصة تلك التي يتواجدون فيها بكثافة مثل واسط وديالى و قدمت تسهيلات لإعادة توطين العائلات المتضررة. كما تم فتح المجال أمامهم للمشاركة السياسية، حيث أُتيح لهم تمثيل في البرلمان العراقي وفي المجالس المحلية.

رغم هذه الجهود، لا تزال هناك تحديات تواجه الكرد الفيلين كاأستعادة الممتلكات المصادرة حيث تحتاج الوثائق الرسمية إلى وقت طويل وإجراءات معقدة، مما يجعل العديد من العائلات تعاني من تأخير في تحقيق العدالة. كما أن هناك حاجة إلى تعزيز الوعي المجتمعي بقضيتهم لضمان إدماجهم الكامل في المجتمع العراقي.

 وفي الختام تبقى مأساة الكرد الفيلين إحدى الصفحات المؤلمة في تاريخ العراق الحديث. ورغم الجهود الحكومية لتعويضهم عن الظلم الذي عانوه، إلا أن الطريق نحو تحقيق العدالة الكاملة ما زال طويلًا. تحتاج الحكومة والمجتمع المدني إلى العمل معًا لتجاوز عقود من القمع والاضطهاد، وضمان مستقبل أفضل لهذه الشريحة المهمة من المجتمع العراقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *