فبراير 5, 2025
download (1)

قاسم محمد داود

الوعي هو إدراكنا للذات والعالم من حولنا. هو تلك الحالة التي نكون فيها مدركين لأفكارنا ومشاعرنا وأحاسيسنا، وكذلك مدركين للأحداث والأشياء التي تحدث من حولنا.
ببساطة، الوعي هو الشعور بأنك موجود وأنك كائن فاعل في هذا العالم. ولديك القدرة على استقبال المعلومات من الحواس الخمس (السمع، البصر، الشم، التذوق، اللمس) ومعالجتها. والقدرة على التفكير في المعلومات التي تصلك وتكوين أفكار جديدة وتحليل المواقف. ويمكنك فهم الذات ورغباتها واحتياجاتها. لذلك فأن الوعي هو أساس حياتنا. فهو يسمح لنا بالتفاعل مع العالم من حولنا واتخاذ القرارات وحل المشكلات وبناء علاقات مع الآخرين. والتمعن بمعنى الحياة وهدفها وإيجاد السبل التي تحدد تفكيرنا وإدراكنا للعالم.
اذن من خلال وعينا وأدراك ما نحن عليه وما يجب أن نكون من أفراد يتكون الوعي الأشمل، وهو الوعي الجمعي. وهو يشير إلى مجموعة المعتقدات والقيم والمواقف المشتركة التي يتميز بها مجتمع معين. هذا الوعي يعمل كقوة تماسك تجمع أفراد المجتمع ويشكل هوية مشتركة لهم. من خلال المشتركات مثل العادات والتقاليد والقيم المشتركة التي تشكل وعياً جمعياً مميزاً. كذلك الديانة الواحدة ومجموعة من المعتقدات والطقوس التي تشكل وعياً جمعياً دينياً. والشعور بالانتماء إلى أمة واحدة والاعتزاز بتاريخها وإنجازاتها هو مثال على الوعي الجمعي القومي. حيث يساعد الوعي الجمعي على تقوية الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع ويعزز الشعور بالانتماء. وتشكيل هوية ثقافية مميزة للمجتمع.
يؤثر الوعي الجمعي على سلوك الأفراد وقراراتهم. ويساهم الوعي الجمعي في الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي للمجتمع. أما العوامل المؤثرة في الوعي الجمعي فهي:
الأحداث التاريخية المشتركة تلعب دوراً كبيراً في تشكيل الوعي الجمعي. السياسات الحكومية والقوانين يمكن أن تؤثر على الوعي الجمعي. وسائل الإعلام تلعب دوراً هاماً في تشكيل ونشر الوعي الجمعي. النظام التعليمي ينقل القيم والمفاهيم التي تشكل جزءاً من الوعي الجمعي. الدين يؤثر بشكل كبير على الوعي الجمعي في العديد من المجتمعات. الوعي الجمعي ليس ثابتاً بل يتطور ويتغير مع مرور الزمن. كما أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية يمكن أن تؤدي إلى تغييرات في الوعي الجمعي للمجتمع. ومع تزايد العولمة والاتصالات، أصبح الوعي الجمعي أكثر تعقيداً وتنوعاً وصار هناك تفاعل أكبر بين الثقافات المختلفة، مما أدى إلى ظهور أشكال جديدة من الوعي الجمعي.
بعد هذه المقدمة نأتي إلى أهمية أن يكون الفرد والمجتمع على درجة جيدة من الوعي تجعله على دراية بما له من حقوق ضمن الجماعة الإنسانية فيحرص على الحصول عليها وان لا تسلب منه من قبل السلطة التي تدير المجتمع أو الجماعة ومهما كان نوع هذه السلطة، والتي يفترض أن تكون حارس الحقوق العامة والخاصة والحفاظ عليها وتنميتها. وبالمقابل فأن الفرد الواعي في مجتمع واعي عليه ان يعرف ما عليه من واجبات أتجاه المجتمع أو الجماعة ويؤديها ضمن القوانين والسياقات الموضوعة لتنظيم المجتمع. لكن هذا ليس هو ما يحدث فعلاً فهناك اختلافات شاسعة بين الوعي الجمعي لمجتمع متقدم وآخر يعاني من التخلف. هذه الاختلافات تتجذر في عوامل عديدة ومتشابكة منها:
المجتمعات المتقدمة تتميز بمستوى تعليمي أعلى، مما يترجم إلى وعي أعمق بالقضايا العالمية والمحلية، وقدرة أكبر على التحليل والنقد. في المقابل المجتمعات المتخلفة تعاني من نقص في التعليم، مما يؤثر سلبًا على قدرتها على فهم التطورات العالمية والتحديات المحلية.
المجتمعات المتقدمة تتمتع بوصول أسهل وأوسع إلى المعلومات عبر الإنترنت ووسائل الإعلام المختلفة وغير ذلك من الوسائل الأخرى، مما يوسع آفاقهم ويزيد من وعيهم بالقضايا المختلفة. بينما المجتمعات المتخلفة تعاني من نقص في الوصول إلى المعلومات، مما يحد من وعي أفرادها.
تختلف القيم والمعتقدات السائدة في المجتمعين. المجتمعات المتقدمة تميل إلى تبني قيم التسامح والانفتاح على الآخر، بينما المجتمعات المتخلفة قد تكون أكثر تحفظًا وتشددًا في بعض القيم والمعتقدات.
المجتمعات المتقدمة تركز بشكل أكبر على المستقبل والتخطيط له، وتشجع الابتكار والتطوير. بينما المجتمعات المتخلفة تميل إلى التركيز على الحاضر والم الماضي، لا تجيد العيش. متعلّقة بذاكرة مثقلة بالاضطهاد والألم، لا يمكنها أن تخرج من ماضيها، ليس لأنّ ماضيها يضغط عليها، إنّما لأنها لا تعرف معنى الحياة. في النهاية لا تعرف أن تعيش بالخروج من الماضي والتفكير بالمستقبل وقد تكون أقل اهتمامًا بالتغيير والتطوير.
تواجه المجتمعات المتقدمة تحديات مختلفة عن تلك التي تواجهها المجتمعات المتخلفة. على سبيل المثال، المجتمعات المتقدمة تواجه تحديات بيئية واقتصادية عالمية، بينما المجتمعات المتخلفة تواجه تحديات أساسية مثل الفقر والجوع والمرض.
أما كيف يؤثر ذلك على كلا المجتمعين؟ فأن المجتمعات المتقدمة لديها أهداف مشتركة واضحة، مثل التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. بينما المجتمعات المتخلفة قد تكون أهدافها أقل وضوحًا وأكثر تركزًا على الاحتياجات الأساسية، وأحياناً تعمل مما هو غير أساسي متناسية واقعها البائس.
المجتمعات المتقدمة تكون أكثر انفتاحًا على التغيير الاجتماعي، وتقبل الأفكار الجديدة بسهولة أكبر. بينما المجتمعات المتخلفة قد تكون أكثر مقاومة للتغيير، وتفضل الحفاظ على التقاليد والقيم القديمة، وتحاول شرعتنها في قوانين حاكمة واجبة التنفيذ.
المواطنون في المجتمعات المتقدمة يكونون أكثر مشاركة في الحياة السياسية، ويتمتعون بحقوق سياسية أكبر. بينما المواطنون في المجتمعات المتخلفة قد يكونون أقل مشاركة، وقد تكون حقوقهم السياسية محدودة.
ما أهمية أدراك الفرد أو المجتمع للأحداث السياسية التي تجري من حوله، وفهم آليات عمل النظام السياسي، وتأثير القرارات السياسية على حياتهم اليومية. وهل يشمل الوعي السياسي القدرة على تحليل المعلومات، وتقييم الأحداث، والمشاركة الفاعلة في صنع القرار؟ من المهم أن يكون المواطن والمجتمع بصورة عامة على درجة من “الوعي السياسي” والذي يمکن تعريفه أنه مدى إدراك الأفراد للقضايا والأحداث السياسية المهمة التي ترتبط بمجتمعاتهم المحلية والقومية ثم مدى معرفتهم، وفهمهم للأمور التي تتصل بالمجال السياسي، ودورهم في المشاركة في الحياة السياسية والممارسات الحزبية والنيابية القائمة. وفي تعريف آخر، هو إدراك الفرد أو المجتمع للأحداث السياسية التي تجري من حوله، وفهم آليات عمل النظام السياسي، وتأثير القرارات السياسية على حياتهم اليومية. ويشمل الوعي السياسي القدرة على تحليل المعلومات، وتقييم الأحداث، والمشاركة الفاعلة في صنع القرار. الوعي السياسي للفرد أو المجتمع هو عنصر أساسي في تحقيق المشاركة الفعالة في الحياة العامة، وتعزيز الديمقراطية، وضمان تحقيق المصالح الوطنية والشخصية. إدراك الأحداث السياسية الجارية وفهم آليات عمل النظام السياسي يساعد الأفراد على اتخاذ قرارات مبنية على المعرفة والوعي بدلاً من التأثر بالعواطف أو المعلومات المضللة.
يشمل الوعي السياسي عدة جوانب، من بينها القدرة على فهم وتحليل الأخبار والسياسات والقوانين وتأثيرها على مختلف الفئات المجتمعية. تقييم الأحداث السياسية والنظر اليها من زوايا متعددة واستيعاب سياقاتها التاريخية والاجتماعية والاقتصادية. والمشاركة الفاعلة أي الانخراط في الأنشطة السياسية والاجتماعية، مثل التصويت، والحوار المجتمعي، والانضمام إلى الأحزاب أو منظمات المجتمع المدني. وتكمن أهمية الوعي السياسي في أنه:
يمكّن الأفراد من المشاركة بوعي في الانتخابات، ومتابعة أداء المسؤولين، والمطالبة بحقوقهم. المواطن الواعي قادر على ممارسة حقوقه السياسية مثل التصويت، والمشاركة في النقاشات العامة، والتأثير على السياسات الحكومية. مما يعني المشاركة الفعالة في العملية الديمقراطية.
فهم القرارات السياسية يساعد الأفراد على إدراك تأثيرها على حياتهم اليومية، مثل السياسات الاقتصادية، والتعليمية، والصحية، مما يتيح لهم اتخاذ مواقف مدروسة. تحسين جودة القرارات الشخصية والمجتمعية.
الوعي السياسي يزود الأفراد بمهارات تحليل المعلومات والتفرقة بين الحقائق والدعاية، مما يحميهم من الانجراف خلف الأخبار المزيفة والتوجهات المتطرفة ومكافحة التضليل والتلاعب.
تعزيز المساءلة والشفافية، المواطنون الواعون يراقبون أداء المسؤولين الحكوميين ويطالبونهم بالشفافية والمحاسبة، مما يؤدي إلى تحسين الأداء الحكومي وتقليل الفساد.
الوعي السياسي يمكن أن يسهم في تقليل النزاعات الداخلية من خلال فهم القضايا الخلافية وإيجاد حلول قائمة على الحوار والتفاهم. مما يعزز الوحدة الوطنية.
يساعد الوعي السياسي على كشف الفساد ومحاسبة المسؤولين، وبناء مجتمع أكثر عدالة وشفافية.
يساهم الوعي السياسي في تطوير المجتمع من خلال تشجيع الحوار والنقاش حول القضايا العامة.
يحمي الأفراد من الاستغلال السياسي والإيديولوجي.
كيف يمكن تعزيز الوعي السياسي؟
التعليم والتثقيف وتقديم برامج تعليمية تسلط الضوء على أساسيات السياسة والمواطنة.
وسائل الإعلام المسؤولة توفير محتوى موضوعي ومتوازن يعزز الفهم الصحيح للأحداث.
النقاش العام، وتشجيع النقاشات المفتوحة حول القضايا السياسية والاجتماعية والاطلاع المستمر ومتابعة المصادر الموثوقة والتحليل النقدي.
وفي الختام الوعي السياسي لا يقتصر فقط على معرفة الأخبار اليومية، بل يشمل فهماً عميقاً للأنظمة السياسية، والقدرة على التفاعل معها بوعي وإيجابية، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر نضجاً واستقراراً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *