رياض سعد
قصة الصراع بين الوهابية والإخوان حول تمثيل الإسلام السني قصة قديمة ومعروفة , فكلاهما يدعوان حق تمثيل الاسلام السني , ويعد الخطابيّن السلفي والإخواني -على ما بينهما من تباين- هما المُمثلين الأبرز والأكثر ثقلا للإسلام السياسي السُني في العصر الحديث.
الاختلافات والفروقات بين الوهابية وبين الاخوان المسلمين كثيرة ومتعددة , ولا تشمل الاختلافات العقائدية فحسب , بل تتعداها الى القضايا السياسية والجوانب السلوكية والرؤى العامة والمواقف المعلنة تجاه الاحداث العربية والاسلامية , مما أدى الى تنامي سياسات العداء التي شملت أغلب تاريخ العلاقة بين الطرفين , ولعل الجانب السعودي كان الاكثر تشددا وميلا للعنف والاقصاء تجاه الاخوان المسلمين , فطالما ذهبت السعودية الى ضرورة استئصال الخطر الإخواني او التضييق عليه ؛ نعم في بعض الحالات الاستثنائية التي تدعو الى تعاون الطرفين او التنسيق بين الطرفين في ملفات قد تمثل مصالحا مشتركة ؛ كان الطرفان يعملان معا ؛ فقد تحالفا في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم ، ضد عدوهما المشترك مُمثلا في النُظم العسكرية “الناصرية والبعثية” وقتذاك ؛ الا ان السعودية رفضت رفضا قاطعا من السماح للإخوان المسلمين بتأسيس فرع لهم في السعودية , مما يدل على ارتياب السعودية الوهابية من نمط الخطاب والأيديولوجية الإسلامية التي يتبناها الإخوان المسلمين … .
وقد شكلت تلك الفروق بين الخطابين، موضوع الصراع بعد اندلاع الربيع العربي، حيث كان للدور المحوري الذى لعبة الإخوان المسلمين خصمًا ليس في الدور السعودي في المنطقة فقط، ولكن خصمًا من الأيديولوجية الوهابية وخطابها المؤسس لشرعية النظام السعودي، وهو ما يفسر السياسات العدائية التي انتهجها النظام السعودي تجاه صعود الإخوان المسلمين واعتبارهم خطرا وجوديا على المملكة والدعم السخي للانقلاب العسكري في مصر، ودعم ميليشيات الحوثي والنظام القديم في اليمن، وصولا إلى حضور الإخوان وحماس في التصعيد الأخير ضد قطر الذي تتزعمه المملكة في سابقة تاريخية لم تعرفها دول مجلس التعاون الخليجي من قبل. (1)
وعلى الرغم من رغبة المحور الاخواني التركي القطري وكذلك المحور السعودي الوهابي ؛ بإسقاط بشار الاسد ؛ الا ان هذه الرغبة لا تعني ان الطرفين متفقان بالأهداف والاسس والمنطلقات والوسائل والاليات , فلكل واحد منهما ايديولوجية واستراتيجية خاصة , فالتدخلات الإقليمية في سوريا منذ بداية الأزمة في 2011 كانت متشابكة ومعقدة، وشهدت تقاطعات وتنافسات بين عدة أطراف إقليمية ودولية. فيما يخص الأدوار التركية والقطرية من جهة، والسعودية من جهة أخرى، يمكن تحليلها كالتالي :
- لعبت تركيا دورًا رئيسيًا في دعم المعارضة السورية، خاصة الجماعات الإسلامية التي تصنف على انها معتدلة والمتمثلة في “الجيش السوري الحر” وفصائل أخرى ؛ وكانت تركيا تهدف من وراء اسقاط الاسد الى ابتلاع الخيرات السورية ورهن السوق السورية بالاقتصاد التركي , ومحاصرة الاكراد والقضاء عليهم , وتمدد النفوذ التركي , واما دعم قطر للجماعات ذات التوجه الاسلامي الاخواني فكانت قطر تهدف من وراءه الى تعزيز نفوذها الإقليمي وتنفيذ اجندات دولية معروفة .
- السعودية، من جانبها، دعمت أيضًا المعارضة السورية، لكنها ركزت على جماعات معينة وقدمت لها تمويلًا وعتادًا ؛ واغلب تلك الجماعات سلفية وتكفيرية , مما أدى إلى وجود تنافس بين الجماعات الوهابية مع الفصائل المدعومة من تركيا وقطر ؛ والغاية من وراء ذلك الدعم السعودي مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، ومحاربة الشيعة والتضييق عليهم ؛ لأنها تعتبر ايران بل والشيعة قاطبة تهديدًا لأمنها الداخلي و الإقليمي ؛ وبما ان الاتراك والقطريين اكثر تفاهما وتنسيقا مع الجانب الايراني , والسعودية أكثر تصلبا وحقدا وانغلاقا ؛ اتسعت دائرة التقاطعات والاختلافات بين الطرفين ؛ فضلا عن ان التوتر الذي حصل بين قطر والسعودية عام 2017 قد أثر على التعاون بينهما في سوريا وغيرها .
وبعد سقوط نظام بشار الاسد وجدت حكومة الجولاني نفسها في وضع لا يحسد عليه ؛ فالمدعو احمد الشرع وجماعته يعلمون علم اليقين ان الاتراك يأخذون وينهبون ويخربون فقط , ولا يعطون دولارا واحدا ولا يتبرعون ( بسنت ) من أجل بناء واعمار وتطوير سوريا , وبعد انقطاع الدعم الروسي والايراني والعراقي لسوريا والسوريين , ضاقت الدنيا بما رحبت بعين هؤلاء الجهلة المرتزقة الذين لا يفقهون شيئا من أمور الحكم وشؤون ادارة الدولة , فهم يعتقدون الامور ستجري ببركة التكبير وقطع الرؤوس وضرب المواطنين على رؤوسهم بالعصي والفؤوس , وان المشاكل العويصة ستعالج من خلال الاعدامات والتعذيب والاعتقالات والهدم الشعارات , وان عجلة الاقتصاد ستنطلق من خلال تهجير الشيعة والعلويين ومصادرة املاكهم , وفرض الجزية والضرائب على المسيح والاقليات , وسرقة دوائر الدولة وبيوت السوريين … الخ ؛ وكالعادة اشار على حكومة الجولاني الوالي اردوغان العثماني بالذهاب الى ارباب الاموال واصحاب الفلوس ؛ فالسعودية عندها اموال كالرز كما يقول الرئيس المصري السيسي , ولهذه الاسباب زار الجولاني وعناصر او وزراء حكومته السعودية والتي تعتبر أول دولة يزورها بعد استلامه للحكم , فقد وجدت حكومة المدعو أحمد الشرع نفسها في موقف صعب، فالدعم السياسي والعسكري واللوجستي التركي وحده لا يكفي ولا يسمن ولا يغني من جوع , فالموازنة السورية تحتاج الى مليارات الدولارات السعودية ؛ فضلا عن أهمية الدور السعودي في الاوساط العربية والاسلامية والدولية , بالإضافة الى ملف الطاقة والامدادات النفطية الضرورية لسوريا في الوقت الراهن .
ولكن السؤال المهم والذي يطرح نفسه الان ؛ ما الذي تجنيه السعودية من حكومة الجولاني الاخوانية لاسيما بعد انحصار النفوذ الايراني وسقوط الاسد في سوريا ؟ ؛ و من الواضح ان للسعودية اوليات سياسية ولم تكن سوريا من تلك الاوليات , فالسعودية قد تقدم الملف اللبناني على السوري , وقد تقم الملف اليمني الحساس والذي لم يحسم بعد على الملفين اللبناني والسوري معا , نعم قد ترمي ببعض الفتات للسوريين اذا جاءت الاوامر الامريكية للسعودية بفعل ذلك , او تفعل ذلك بشرط التمدد السعودي في سوريا ولعله على حساب النفوذ القطري , او لعل السعودية قد تشتري الصمت التركي والسوري في حالة اقدمت على ابتلاع قطر في الايام المقبلة , او قد تفعل ذلك من اجل التبشير بالدعوة السلفية والوهابية … الخ ؛ وهل بإمكان الجولاني لعب دور الوسيط بين السعوديين والاتراك والقطريين لقاء الدعم السعودي المرتقب ؟ ؛ لا اظنه مؤهلا للعب هذا الدور , لاسيما وان حكومته غير قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة، مما يؤدي الى اضعاف شرعيتها فضلا عن دورها الاقليمي .
………………………………………………
- الوهابية والإخوان.. قصة الصراع على تمثيل الإسلام السني / شريف مراد / بتصرف .