نوفمبر 21, 2024
456202535_799712838715466_5348638890553319858_n

اسم الكاتب : رياض سعد

عودا على ذي بدء , نسترجع المعلومات الكاملة وبصورة سلسلة عن مراحل دراسة توفيق السويدي والوظائف التي عمل بها قبل تشكيل حكومة الملك فيصل الهاشمي في العراق : فقد نشأ السيد توفيق السويدي في عائلة عثمانية ملتزمة بخدمة الباب العالي , ومعروفة بدراسة المعارف الدينية والوظائف المتعلقة بهذا الجانب , ويذكر توفيق السويدي في مذكراته انه نشأ في بيئة دينية محافظة ويفتخر بذلك ؛ ثم يعود ويقول انه يكره القيود والعادات والتقاليد الاجتماعية وهو متمرد عليها  ؛ اذ ذكر في مذكراته – ( ص 26) –  انه يهتم بثلاثة أمور اساسية في حياته الا وهي : العروبة ويبرر اهتمامه بالعروبة لأنه ينتمي لأسرة عربية , والتقدم في الشرق عامة والبلدان العربية خاصة , وان يتحرر فكره من القيود والتقاليد الموروثة …!!

 وقد التحق بالدراسة الابتدائية في بغداد وكان عمره ست سنوات , واكمل التحصيل فيها بسنتين مع ان سنواتها ثلاث … وادعى انه ذكي ويختلف عن بقية الطلبة , ثم دخل (( المدرسة الاعدادية الملكية )) وتخرج منها عام 1908 وهو في السادسة عشرة من عمره , وفي السنة نفسها دخل ((  مدرسة الحقوق الجديدة ))  التي تأسست في بغداد , واكمل فيها سنة واحدة , وفي ايلول سنة 1909 , سافر الى استانبول لإكمال التحصيل هناك , ودخل كلية الحقوق العثمانية , حيث اكمل التحصيل فيها سنة 1912 , ثم سافر الى باريس فقضى فيها ثلاث سنوات , درس خلالها الحقوق الغربية في كلية الحقوق من جامعة باريس … الخ . 

وبحسب ما نقله لؤي السويدي ان اباه  وبقية اخوته  ما انهوا دراستهم الابتدائية في بغداد حتى ارسلهم والدهم الشيخ يوسف السويدي الى الخارج ؛  لإكمال دراساتهم الثانوية والجامعية في الاستانة وباريس ؛ ورأيه يناقض ما ذكره اباه في مذكراته , اذ ذكر كما مر عليكم انفا ؛ انه دخل الاعدادية الملكية وتخرج منها وهو في السادسة عشرة من عمره , اي انه امضى ثمان او سبع سنوات في الاعدادية الملكية , ثم دخل ((  مدرسة الحقوق الجديدة ))  التي تأسست في بغداد – في السنة نفسها 1908- . 

وادعى المحامي طارق حرب ان توفيق السويدي قد درس في مدرسة الاليانس  – وقد سبقه الى ذلك الباحث اليهودي أميل كوهين   فقد أكد ذلك  في بحثه (  مدارس الأليانس اليهودية في العراق ) الذي سأذكره الان  –  والمدرسة السلطانية ,  ومدرسة الحقوق في بغداد عام 1908 ؛ وظننت للوهلة الاولى ان المدرسة السلطانية هي نفسها الاعدادية الملكية التي ذكرها السويدي في مذكراته الا الامر اختلف لدي بعد اطلاعي على عدة مصادر في هذا الشأن  ؛ و الدراسة في مدارس الاليانس الابتدائية اربع سنوات وليست ثلاث كما ذكر ذلك السويدي في مذكراته ؛ واستدراكا لما فاتنا في الحلقتين السابقتين ؛ نعم قد جاء ذكر الاعدادية الملكية في احدى المصادر , وقد ذكر هذا المصدر تفاصيل عن المدرسة او المدارس السلطانية لا تتوافق مع ما ذكره طارق حرب انفا ؛ اذ جاء فيها : (( المدارس السلطانية هي نوع من المدارس أرقى من حيث التنظيم والعمل من المدارس الاعدادية الملكية , وتلي المرحلة الاعدادية من حيث المستوى الدراسي . أنها نسخة موسعة ومتطورة منها ... ؛ وتم تأسيس اول مدرسة سلطانية عام 1285هـ / 1868م في استانبول في حي غلطة سراي , وبموجب نظام المعارف العمومية عمم في سنة 1869م بفتح المدارس السلطانية في جميع , لولايات العثمانية , ولكن لم يعمل به الا بعد اعلان المشروطية الثانية ” التنظيمات ” سنة 1908م حيث وصل عدد المدارس السلطانية 1915م الى 50 مدرسة )) بينما انهى السويدي دراسته الابتدائية والثانوية عام 1908 كما مر انفا ؛ فضلا عن ان المدارس السلطانية تستقبل خريجي المدارس الاعدادية ” المدنية والعسكرية “ ؛ نعم تنقسم المدرسة الى قسمين :-

أ – القسم العادي ” الدراسة الاعدادية ” ومدة الدراسة ست سنوات وبضمنها المدرسة الرشدية .

ب – القسم العالي : فينقسم الى فرعين .

1- الفرع الادبي : اللغة التركية , فن الكتابة والانشاء , نماذج مختاره من الادبين العربي والفارسي , البلاغة ” المعاني ” , اللغة الفارسية , علم الاقتصاد الدولي , القانون الدولي , التاريخ .

2- الفرع العلمي : ” العلوم والفنون ” : هندسة الرسم , المناظر , الجبر , تطبيق الجبر في الهندسة , المثلثات المستوية والكروية , علم الهيأة , الحكمة الطبيعية ” الفيزياء ” ومختصر الكيمياء , الصناعة بالصور وتطبيقها في الزراعة , التاريخ الطبيعي , فن تخطيط الاراضي . (1) 

 ومع ذلك لم اعثر على مصدر يؤكد وجود الاعدادية الملكية او المدرسة السلطانية في بغداد , ولكن عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود , اذ لعلي اعثر على مصدر في قابل الايام يؤكد ذلك . 

واليكم ما ذكره الباحث اليهودي اميل كوهين بخصوص الاليانس : مدرسة او مدارس الأليانس هي مدارس خاصة باليهود وتشرف عليها الطائفة اليهودية وقد تأسست  مدارس الاليانس في بغداد عام 1864 , ففي10 كانون الأول سنة 1864 أفتتحت مدرسة الأليانس الأولى في بغداد وقررت أن يكون منهجها علمانيا فقط بعيدا عن التعليم الديني وشغلت مبنى صغيرا في محلة تحت التكية وكانت أول مدرسة أليانس في المشرق العربي ( سبقتها مدرسة في المغرب بسنتين) وكلف مسيو نريسون من فرنسا بإدارة المدرسة وكانت اللغة الفرنسية اللغة الأساس في التدريس واتبعت المدرسة النظم الفرنسية الحديثة ؛ وجابهت فورا تحديات من الهيئة الدينية ومدارس المدراش احتجاجا على البرامج العلمية التي أعتبرت بدعة تضعف تمسك الطلاب بتعاليم دينهم وتضعف سطوة رجال الدين وأخذت الجهات الدينية تعارض المدرسة بكل قوة ؛ وقد أثار ذلك صراعا حادا بين التيار التقليدي والتيار المستنير وأصدر الحاخام يوسف حييم فتوة دينية دعمها أكثر الحاخامين اليهود تمنع الأسر الدينية من أرسال أولادهم  للدراسة في المدرسة مما ادى الى اغلاق المدرسة وعودة مديرها الى فرنسا.

وبعد محاولات فاشلة لأفتتاح المدرسة ثانية حصلت القوى المستنيرة بدعم غير متوقع من رئيس اليشيبا الحاخام عبد الله سوميخ الذي اعلن تأييده لموقف جمعية الأليانس وعزز قراره بالحاق ابنه بالمدرسة التي افتتحت ثانية في تشرين الأول 1865 وعين مسيو ماركس مديرا للمدرسة وافتتحها بحضور عبد الله سوميخ الذي كان موقفه هو الحافز الأول في التحاق اليهود بالمدرسة.

وفي سنة 1874 تضاعف عدد الطلاب عدة مرات (من 45 الى225) بحيث أصبحت غير ملائمة بمبناها هذا وانتقلت الى مبنى جديد تبرع به المحسن ألبيرداود ساسون (ولد سنة 1818 ت 1896), وكان المبنى يضم أثنى عشر صفا الى جانب الغرف الإدارية الأخرى وباحة واسعة وحديقة يمكن للطلاب استنشاق الهواء النقي فيها ؛  وفي سنة 1902 تبرع مناحيم صالح دانيال ببناء ملحق لمبنى المدرسة لتستوعب عددا أكبر من الطلاب وفي عام 1906 بني جناحا آخر لها.

ومدرسة الأليانس كانت للبنين فقط ولم تحظ المرأة بالتعليم وعاشت كشأن باقي العراقيين تحت وطأة العادات والتقاليد التي تمنعها من التعليم ؛  والمثل العراقي يقول ألف طفل مجنون ولا بنت خاتون ؛ و كانت أول مدرسة للبنات افتتحها الأرمن الأورثودكس سنة 1853… ؛ وقد شهدت الفترة الأخيرة من القرن التاسع عشر صحوة ثقافية بسبب مدارس الأليانس وتمكن المتخرجون من الحصول على وظائف حكومية وممارسة مهنة التعليم والتحقوا أيضا بالمهن الحرة واندمجوا في حياة الدولة … ؛ وأصبحت الأليانس قبيل الحرب العالمية الأولى من أهم المدارس شأنا في العراق وأرقاها وأبعدها شهرة وصيتا ؛ و بدأت كمدرسة أولية يدرس الطالب  فيها أربع سنوات يعقبها ما يسمى بالمرحلة الرشدية لمدة سنتين على المنوال العثماني تؤهل الطالب للمرحلة المتوسطة ولكن أدمجت المرحلتين بعدئذ بأسم مرحلة ابتدائية يدرس الطالب فيها ستة سنوات وسرعان ما فتحت روضة للأطفال سنة 1899 وثمئذ المتوسطة حيث  تبرع الثري مناحيم دانيال بمبنى وسميت بإسمه في مطلع 1906,وكانت تطبق المدرسة بالإضافة الى المنهج الدراسي الرسمي المقرر منهجا خاصا في تعليم اللغة الفرنسية يحصل بموجبه الطالب في نهاية السنة المتوسطة على شهادة خاصة بالدراسة في الإعداديات الفرنسية , و اعترفت الحكومة العثمانية سنة 1908 بشهادتها التي تؤهل المتخرج للالتحاق بالكليات في تركيا ؛ وتبرع مناحيم دانيال أيضا ببيته الكبير القريب من مدرسة الأليانس ليكون روضة  خصوصية... ؛ ومرت المناهج المطبقة في الأليانس على مراحل عدة تعكس مستوى التطور الفكري والاجتماعي , و نهجت الأليانس خلال  سنوات عملها الأولى تدريس الحساب والمحاسبة والعلوم المهنية والتاريخ والجغرافيا أضافة الى تعليم اللغة العبرية والفرنسية والعربية ؛  وفي المتوسطة تضاف اللغة الإنكليزية واللغة التركية وبعد الحرب العالمية  الأولى تقلصت هذه الى اللغات الرئيسة وهي الفرنسية والعربية والإنكليزية.

ولكن بمرور الوقت بدأ يتصاعد مستوى البرنامج التعليمي بما يناسب التطور الاجتماعي والاقتصادي وأخذت تدرس علم الجبر والهندسة والفيزياء والكيمياء والرياضيات والأحياء ومع التطور الثقافي لاحقا قامت بتغطية الأنشطة الفنية كالمسرح والموسيقى والغناء والرياضة … ؛ وكانت اللغة الفرنسية هي لغة التدريس ولو أن اللغة العربية كانت تدرس ايضا , وقد أصرت الادارة على أن اللغة العربية تكون لغة التدريس ولهذا صار تراجعا باللغة الفرنسية ورجع عدد من المدرسين الفرنسيين الى بلادهم ؛ ونظرا لازدياد النفوذ البريطاني وتحت الحاح السفير البريطاني حظت اللغة الإنكليزية اهتماما أكبر بالدراسة بعد الفرنسية والعربية ولكن أصرت الأليانس أن تدفع بريطانيا حصة تدريس اللغة الإنكليزية وقامت جمعية ال Anglo Jewish Association  بفتح مدرسة شماش سنة 1928.

لم يتوقف تميز الأليانس عند هذه الحدود بل ابتدعت الامتحانات الفصلية فضلا عن الامتحان النهائي ليتمكن الطالب الترقي الى صف أعلى  ومن الشهادات التي كانت تمنح هي شهادة الCertificat  وثم شهادة البريفيه تابعة لامتحانات برامج المؤسسات الفرنسية عند المتوسطة ونلاحظ أن مدرسة شماش تمنح شهادة الMatriculation عند الثانوية تابعة لبرامج المؤسسات البريطانية. بالطبع بعد تأسيس الدولة العراقية وتنظيم بعدئذ منهاج التعليم لوزارة المعارف العراقية الذي يتطلب شهادات البكالوريا في الابتدائية والمتوسطة والثانوية أضطر طلاب الأليانس الى التحول الى مدرسة شماش الثانوية أو الإعدادية الأهلية  أو الدراسة المسائية للحصول على شهادة البكالوريا لعدم وجود مرحلة دراسية للثانوية فيها.  وكانت هذه الشهادة مهمة جدا للحصول على وظائف محترمة في الدولة كما أن المتخرج كان يعفى عن الخدمة العسكرية أو كما يصطلح “يحال الى الخدمة المقصورة”.

 وفي نهاية السنة الدراسية تعقد المدرسة حفلا تدعو إليه كبار الشخصيات الحكومية واليهودية. واشتهرت الأليانس بمستواها الراقي الذي طغى على باقي المدارس الحكومية والأجنبية مما حفز بعض الأسر البغدادية غير اليهودية للالتحاق بها وتخرج منها شخصيات عراقية التي صار لها لاحقا دورا فعالا في الحقل السياسي والأجتماعي مثل رئيس الوزراء توفيق السويدي ووزير المالية يوسف رزق الله غنيمة والوزير العلامة محمد بهجت الأثري إضافة الى الشخصيات اليهودية مثل ساسون حسقيل وأنور شاؤول ومير بصري.

في ثلاثينات القرن العشرين قطع المقر الرئيسي في باريس المعونة المالية من الأليانس وبدأت المدرسة تفرض رسوما دراسية وقلصت القبول المجاني لأبناء العوائل الفقيرة مما دفع البعض الالتحاق بالمدارس الحكومية ؛  وقامت الطائفة اليهودية بتمويل المدرسة وكذلك استلمت منحة سنوية من وزارة المعارف حتى إغلاقها سنة 1951 واستولت الحكومة العراقية على البناية وأسكن فيها اللاجئين الفلسطينيين ؛ حتى الهجرة الجماعية ؛  كان هناك حوالي 26 مدرسة يهودية افتتحت 10 مدارس جديدة منها في العقد الأربعين ولم يبق بعد الهجرة الا مدرسة مناحيم دانيال ومدرسة فرنك عيني التي افتتحت سنة 1949 وإعدادية شماش التي اندمجت مع فرنك عيني وأغلقت في عقد السبعين عند تأميمها الى المدرسة النظامية.(2) 

…………………………………………..

  • 1-المصادر: نجات كوثر اوغلو، موقع نحن التركمان + سعيد عبد الرازق، صحيفة الشرق الأوسط + صفحة الدولة العثمانية . 
  • 2-مدارس الأليانس اليهودية في العراق / أميل كوهين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *