نوفمبر 21, 2024
33657360_1643723009074985_6930543139325214720_n

الكاتب : سلمان رشيد الهلالي

قبل سنوات اقتنيت من شارع المتنبي كتاب (شيعة العراق بعد 2003 الرؤى والمسارات) من اعداد الدكتور مؤيد ال صوينت والدكتور علاء حميد , وهو عبارة عن كتاب ضخم تجاوز عدد صفحاته (600) صدر عام 2019 , ضم عددا من الدراسات لمجموعة من الاساتذة وهم (احمد قاسم مفتن واياد العبنر وعبد الحسين الهنين ومؤيد ال صوينت وعلي طاهر الحمود وعلاء حميد وذو الفقار علي وعامرة البلداوي وعدنان صبيح وخالد حنتوش وجعفر نجم نصر) . وهذا الكتاب هو ربما تسلسله المليون في قائمة الكتب التي درست الشيعة في العراق او انتقدتهم او هاجمتهم او عرتهم , حتى اصبح التشيع في العراق من توالي الدراسات والنقد والسخرية والهجوم عليه مهلهلا مثل (قميص المسيح) – حسب تعبير الزعيم الدرزي كمال جنبلاط – واضحى اغلب ابنائه يشعرون بالهزيمة الذاتية والاستلاب والدونية بسبب الهجمات الاعلامية المتتالية ليل ونهار , فيما حتى الان لم يظهر عندنا كتابا واحدا (اكرركتابا واحدا) يدرس السنة في العراق . نعم !!! هل تتصورون ذلك ؟؟!! فقد ظهرت مئات الكتب عن الاكراد والمسيحيين والتركمان والكورد الفيلية والشبك – وبالطبع الالاف عن الاغلبية الشيعية – فيما لم يظهر عندنا حتى الان في العراق كتابا واحدا عن السنة كجماعة انثروبولوجية او سيوسولوجية او مذهبية – وان الامر دخل – كما يبدو – ضمن خانة (التابو) (المحرم) او (المقدس) الذي لايجوز نقده او المساس به , واخشى ان المثقفين العراقيين يعتبرون السنة هم الشعب العراقي , والباقي هم الصعاليك والحثالات والفرق والجماعات والطوائف الوافدة !!!
واذا افترضنا ان المثقفين الشيعة يخشون الكتابة عن السنة خشية الاتهام بالطائفية , فلماذا لايبادر المثقفين السنة بذلك , حسب قاعدة (ان النقد يجب ان يكون من اهل الطائفة , او اتباع المذهب نفسه , حتى لايكون هناك تحسس من الاخر) , الا اننا لم نجد كتابا واحدا منهم , ومن المؤكد ان الاعتزاز بمذهبهم وهويتهم وتضامنهم الاجتماعي فيما بينهم يمنعهم من ذلك . فيما تجد المثقفين والمتعلمين الشيعة , ما ان يعرف منقصة تاريخية او سياسية او اجتماعية او اخلاقية عند جماعته , او اهل منطقته , او عند اتباع مذهبه , حتى يسارع لنشرها اليوم قبل غد بالفيس بوك او الفضائيات , وكأنه حصل على اكتشاف عظيم , او انجاز تاريخي , فلاتلمهم على ذلك (فالذباب لايجتمع الا على المزابل) . وسبق ان وصف الامام علي اجدادهم بالقول بعد ان وجدهم يجتمعون عند كل فضيحة (لامرحبا بوجوه لاترى الا عند كل سوأة) , فيما الاخرين وباقي الجماعات في العراق (مثل النحل لايجتمع الا على الورود) .
ولانريد استعراض جميع الدراسات في هذا الكتاب (شيعة العراق بعد 2003 الرؤى والمسارات) التي يغلب عليها الجانب النقدي والاستعراضي والتحليلي للتوجهات السياسية والمقولات الفكرية والتركيبة الاجتماعية والانثروبولوجية لشيعة العراق , لان ذلك يحتاج وقتا طويلا , ولانريد ايضا الاعتراض على دراسة الجماعة الشيعية في العراق , فالتشيع بالاخير بنية عاطفية غير معقلنة حتى الان , حالها حال الجماعات في الدول العربية والاسلامية , وبالتالي تحتاج الى التنوير والعقلانية والتحديث . الا ان التساؤل الذي يطرح نفسه : لماذا اكتفى الاخوة الاساتذة بالجماعة الشيعية فقط ؟؟ اليس الواجب اكمال مشروعهم (اذا وجد طبعا) بنقد وعرض الجماعة السنية في العراق ؟ واعتقد انهم لم يفعلوا لاربع اسباب لاغيرها :
1 – اما ان الجهة التي تبنت المشروع والكتابة والنشر , لاتريد ذلك , وهاجسها الاساس هو الجماعة الشيعية في العراق فقط , وتريد العمل عليهم ونقدهم وتشريحهم لاغراض سياسية وايديولوجية . بمعنى انهم يتبعون جهة معينة , ولا يستطيعون بالتالي الكتابة لوحدهم دون دعمهم او طلبهم .
2 – او ان هؤلاء الاساتذة يعتقدون ان اساس مشاكل العراق السياسية والامنية والاجتماعية والاقتصادية هم الشيعة فقط , وبالتالي يجب دراستهم ونقدهم واستقراء واقعهم , واما الاخرين مثل اهل السنة والاحداث التي رافقتهم كالارهاب والاستبداد فهم مثال التحضر والسمو والعلمانية والتنوير والعقلانية , وبالتالي فلايجب دراستهم ونقدهم .
3 – الخشية من الاتهام بالطائقية اذا تطرقوا للجماعة السنية في العراق , فهم بالاخير من الكتاب الشيعة , وعندهم الخشية من (الاب الميت) , وكما قال فرويد (ليس كل الابناء عندهم القدرة على قتل الاب) .
4 – اصابتهم بعقدة (كيس الحاجة) التي ذكرتها الكاتبة السورية وفاء سلطاني او عقدة (الخصاء) التي ذكرها جورج طرابيشي التي تصيب المثقفين ابناء الاقليات في العالم العربي والاسلامي عامة امام الاغلبية السنية فيها مثل الشيعة والمسيحيين العلويين والدروز والاكراد والتركمان , وبالتالي الخشية من نقدهم او دراستهم .
في الواقع نحن في مجال طرح القضية العراقية والتعاطي معها امام منهجين فقط , لا ثالث لهما :
الاول: التعاطي الذي يسمى بالخطاب الوطني الذي يعتبر العراق شعبا واحدا , بالتالي فلايوجد في خطابك لمصطلحات مثل الشيعة والسنة والاكراد . ورغم ان هذا المنهج هو غير علمي او واقعي , الا انه يبقى خيار صاحب المنهج , ولانريد ان نفرض عليه رؤيتنا للامور . وهو الافضل من المنهج الدوني الثالث الذي اخذ بالتبلور عند الكتاب الشيعة مؤخرا .
الثاني : التعاطي مع الشعب العراق كجماعات متفرقة , والتعامل معها او دراستها او نقدها وفق منهج الجماعات الثلاث (الشيعة والسنة والاكراد) , واعتبار هذا الامر واقع موجود على الارض لايجب التسامي عنه او القفز عليه , وهو المنهج الواقعي والصريح والشجاع , فهو يذكر السلبيات والايجابيات عند الجماعات الثلاث , وبالاسماء الصريحة دون تردد او خوف .
الا انه في السنوات الاخيرة , ولاسيما بعد الانتصار على داعش وانتهاء ورقة الارهاب القديمة عام 2017 , وبروز رؤية جديدة من قبل الدول الخليجية المعادية في التعامل مع العراق , وهى الخلخلة من داخل الساحة الشيعية , او العمل على الانقسام الشيعي – الشيعي , ظهر عندنا منهج غريب لم نسمع به سابقا يجمع كلا المنهجين السابقين , وهو اعتماد مايسمى بالخطاب الوطني الاول في عدم ذكر السنة والاكراد في أي قضية , واعتبار ذلك طائفية واختلال كبير في الهوية الوطنية العراقية . والثاني اعتماد المنهج الواقعي واعتبار العراق جماعات متشظية من الشيعة والسنة والاكراد , الا انه لم ياخذوا منه سوى انتقاد الشيعة والهجوم عليهم , وعدم التطرق للاخرين , بل وربما مدحهم وتقديسهم . وهو منهج انتقائي غريب له اغراض سياسية ودونية . بمعنى انهم يذكرون الشيعة في مجال السلبيات وبالاسم الصريح , كالفساد مثلا , ويتركون الخطاب الوطني السابق وراء ظهورهم , ولكنهم عند ذكر الاختلالات عند السنة مثل الارهاب والديكتاتورية والاستبداد وغيرها , فهم يرفضون ذكرهم بالاسم الصريح , بل ويتهمونك بالطائفية اذا تطرقت اليهم . وسبق ان ذكرنا في دراسات سابقة : ان السبب الاساس لهذا العمل والتصرف عند المثقفين هو اصابتهم بالدونية والخصاء امام الاب السني الحاكم السابق , وبالتالي فهم عاجزين ومترددين – بل ويرتعشون رعبا – من مجرد ذكر السنة بالاسم الصريح , فاذا قلت له لماذا تذكر الشيعة بالاسم الصريح عند النقد ؟ فسيقول لك (يا اخي هذا نقد والنقد اساس التقدم) , واذا تقول له : اذن لماذا لاتنقد السنة بالاسم الصريح مثلما فعلت مع الشيعة ؟ يقول لك (يا اخي هذه طائفية والطائفية اساس الدمار) , بمعنى نحن امام معادلة غريبة غير سائدة بالتاريخ , ولكنها مفضوحة عندنا نحن اصحاب الوعي المتحررين من هيمنة الاب , لذا كان افضل وسيلة عندهم للهروب امام هذه الفضيحة والتناقض والمنهج الغريب هو التعكز على الوطنية , فاذا كان صموئيل جونسون يقول (ان الوطنية هى الملاذ الاخير للاوغاد) فاننا في العراق يجب ان نقول (ان الوطنية هى الملاذ الاخير للمخصيين) في عدم نقدهم او ذكرهم على الاب الميت الحاكم السني السابق . بل وصلت الدونية في مرحلة من المراحل الاخيرة في العراق انه لايذكر السنة في مجال النقد , لانه يعتبر ذلك (طائفية تخالف الوطنية) , ولكنه يذكرهم بالاسم الصريح في مجال المدح والتبجيل , وهو اقصى ماوصل اليه العقل الدوني والمخصي بالتاريخ اجمع . فهو يرفض المسميات الفرعية للجماعات المذهبية في العراق , ولكنه يستثني الشيعة ويذكرهم وينقدهم بالاسم الصريح . ومن جانب لايذكر السنة خشية الاتهام بطائفية , الا انه يذكرهم بالاسم الصريح في مجال المدح والتبجيل .
وقد يعمل البعض في سبيل التخلص من هذا الاحراج والاختلال الواضح والتناقض الصريح الى القول : بان الانسان يجب ان يبدأ بنقد طائفته وجماعته حتى لايكون هناك تحسس – بحسب قول علي الوردي – (بان على اتباع كل طائفة يجب عليهم ان يبادروا لنقد طائفتهم , لان النقد من الاخر يكون فيه تحسس) , ونحن في الوقت الذي نؤيد هذا القول , الا اننا هنا امام تحول مفصلي , فلاول مره يعترف المثقف الشيعي ضمنيا انه شيعي , ولكن – للاسف – في موضع النقد لطائفته والهجوم عليها فحسب . الا ان هذل القول عليه تبعات اخرى , عقلك القاصر والمحدود لايعرفها , لانك عندما تقول بان المثقف يجب ان ينقد طائفته , ثم تبادر لنقد الشيعة فقط , فانك هنا اعترفت ضمنيا – او صريحا – بانك شيعي , وهذه الطائفة التي تتبعها تلزمك باستحقاقات معينة :
الاول : الدفاع عنها . فغير المعقول انك تذكرت انك شيعي في مسار النقد والهجوم والتعرية فقط , فيما تصمت في مجال الدفاع عنها امام القوى الظلامية والاقصائية والاستبدادية والارهابية وغيرها , لان هذا يخالف العقل والمنطق السوي السليم . وهذا ماوجدناه صراحة عند مايطلق عليها الانتلجنسيا الشيعية , وهو الصمت المريب والجبان امام الارهاب , وعدم نقده او تعريته والهجوم عليه , بل وصل الامر عند بعض الدونية والناقصين من المثقفين والادباء والفنانين الشيعة الى تبريره والتدليس عليه , بدعوى التقصير الحكومي والاقصاء السني او الاستهداف الاعلامي والامني , وغيرها من المبررات التي لاتخرج الا من العقل المخصي .
الثاني : مدحها . اليس المفروض ان تذكر هذه الجماعة الشيعية التي تنتسب لها بكلمة مديح واحدة , فغير المعقول ان هذه الجماعة ليس لها منقبة ايجابية او موقف يفتخر به في تاريخها الحديث والمعاصر , الا اللهم انك تعتبرهم لاشعوريا من الغجر او من جماعة يأجوج ومأجوج !!؟؟ وهذا ماوجدناه عند تلك الانتلجنسيا الشيعية المخصية , فهى تخشى ذكر أي منقبة ايجابية في الواقع او التاريخ , خشية الاتهام بالانحياز الطائفي من جانب , والحقد والغل والكراهية في نفوسها المأزومة والموتورة ضد هويتها ومذهبها والتي تجعل رؤيتها للشيعة تكون بعين الاخر البعثي والطائفي الحاقد من جانب اخر .
ان القول بان الكتاب والمثقفين السنة في العراق هم من ينقدون مذهبهم وجماعتهم هو نوع من الاستحالة بمكان . فهم حتى الان لم يقتنعوا بالبديهيات العقلية والسياسية الجامعة للوحدة الوطنية مثل رفض الديكتاتورية والارهاب , فكيف تريد منهم ان ينقدوا تاريخهم ومذهبهم ورموزهم ومجتمعهم وهويتهم ؟ حتما ان ذلك من المستحيلات , فالاستعلاء وعدم الاعتراف بالاخر او حتى وجوده ومشاعره وميوله والخشية من اظهار السلبيات امامه , هى السمة السائدة عندهم . فهم هوية صلدة لاينفذ منها الماء والتسريبات التي تخلخل توحدهم وتضامنهم الاجتماعي .
وختاما .. فاني اطلب من الاخوة الزملاء الذين نشروا دراساتهم في هذا الكتاب , اكمال مشروعهم عن (سنة العراق بعد 2003 الرؤى والمسارات) ونعطيهم مهلة خمسة سنوات اخرى , فضلا عن الخمس سنوات التي مرت , ونود اعلامهم : اذا لم ينشروا كتابا بهذا الصدد , فاخشى ان ياتي يوم يضعهم فيه الناس ضمن قائمة المثقفين المرجفين والمخصيين في العراق . واذا لم يجدوا مؤسسة تجمع نتاجهم الفكري والسياسي المرتقب عن السنة في كتاب مستقل مثلما حصل مع الكتاب السابق عن الشيعة , فيمكنهم نشرها كمقدمة في الانترنت حتى يحذف اسمهم من تلك القائمة , واعتقد ان خمس سنوات كافية لكتابة دراسة تحليلية او تفكيكية او نقدية عن سنة العراق , وتجربتهم بالحكم خلال (80) عاما من العمر الاول للدولة العراقية السنية (1921 – 2003) ومارافقها من استبداد وديكتاتورية وحروب وحصار وجوع وابادة وانقلابات وفساد ومقابر جماعية وفشل وتفريط بارض العراق وغيرها , فغير المعقول انك تحاكم الجماعة الشيعية في العراق عن تجربة حكم لاتتجاوز الستة عشر عاما فقط (سنة تاليف الكتاب) , رغم انها تجربة ديمقراطية وتعددية وغير مقتصرة على الشيعة , وفيها السني والكردي والمسيحي وباقي الاقليات , بل ان الجميع كان يصفها بالمحاصصة . واذا قلت ان الكلام عن السنة والدولة العراقية السابقة ونظام البعث هو من الماضي ولانريد استعادته او التماهي معه , فيمكنك اذن الكتابة والنقد عن موقف السنة الرافض للعراق الجديد , والسلوكيات التي رافقته من قبيل الارهاب والاعمال والممارسات الاجرامية الاخرى كالخيانة والابادة والقتل والتهجير والتخوين والتكفير والاغتصاب والتحريض والطائفية وغيرها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *