الكاتب : حسين الزيادي
أصدرت مجلة (ألف باء) على غلافها في عددها (٩٠٣) الصادر بتاريخ (15/01/1986) صورة لصدام مع القاتل وتحت الصورة عبارة (الوطن أغلى من الأبناء)، وقد طبل الإعلام البعثي كثيراً في برامج تحليلية على هامش هذه التضحية المزعومة، ليجعل منها بطولة فذة قابلة للتصديق وأعاد تلفزيون بغداد مراسيم التكريم لأربعة أيام متواصلة.
لقد أبتعـد نظام البعث كثـيراً عـن مـا قررتـه ونصـت عليـه القوانين والتشــريعات الوضعيــة، ومنها مبدأ (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) الذي يعد أحد ركائز التشريع الجنائي، فكان إنزال العقوبة يتم بشكل كيفي بلا محاكمة ولا سماع لأقوال المتهم، وكانت بعض الأفعال البسيطة تؤدي بأصحابها لحبل المشنقة، كقول نكتة او طريفة لها علاقة بالجانب السياسي، بينما جرائم أخرى يكرم مرتكبيها ويحتفى بهم، ومن ذلك ما قام به رأس النظام البعثي بتكريم أب قام بقتل ولده بحجة تخلفه عن الذهاب لجبهات القتال، وهذه هي الحجة المعلنة، فقد عرض تلفزيون بغداد صدام وهو يقلد الأب القاتل وسام الرافدين ونوط الشجاعة في حالة تنم عن مرض نفسي وعقلي وانحراف سلوكي وأخلاقي، وإشاعة للمفاسد، فالفعل معاقب عليه وفق قانون العقوبات وفق المادة 405 والتي تصل عقوبتها الى المؤبد، والاعفاء عن الجريمة يعد مخالفة قانونية وتشريعية، علماً ان تحويل الفعل من التجريم الى التكريم تحت عنوان الباعث الشريف يهدف الى تجنيد الشباب طوعاً او كرهاً للالتحاق بمحرقة الحرب التي لم يجني منها البلد سوى الويلات والخراب.
لقد تكفلت معظم القوانين بصيانة روابط الأسرة وأعطتها كل الإحترام لتبني مجتمعاً متماسكاً تسوده المحبة والألفة، ولا تقل الشريعة الإسلامية عن تلك القوانين دوراً في رعاية الأسرة بل زادت عنها في كل الجوانب لأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وعلم ما توسوس له نفسه وبالتالي فهو الأقدر على وضع أحكام لتستقر الحياة ويسود النظام ومن بين الأحكام التي وضعتها تلك المتعلقة بقتل الإنسان بغير حق فوضع له جزاء دنيويا ً وجزاء أخروي، وقد أجتهد نظام البعث في تفكيك النسيج الإجتماعي والأخلاقي للمجتمع وعزز سلوكيات شاذة ومنحرفة لا تمت للأخلاق والفضيلة بصلة، محاولاً بكل قوة أن يبثها في المجتمع ويغذيها ويثبت أوتادها ويعززها بإغراءات ومنافع مادية ومعنوية، فالنفاق والتجسس والوشاية والخديعة والتحريض والدسيسة والمكيدة وغيرها من ظواهر التلوث الإجتماعي والإنحراف القيمي زرعها البعث ولاقت إستحسانه ونمت الى حد ما في ظل سياساته البوليسية، لأنه أراد من خلالها تثبيت سلطانه غير مكترث بما تخلفه تلك الظواهر الاجتماعية السلبية من آثار ونتائج كارثية على بنية المجتمع، اسهمت بدورها في خلخلة النظام القيمي، كما اختفى الإنسجام والتجانس والتسامح والتكامل الأجتماعي بين الإثنيات والطوائف والفئات الاجتماعية الأخرى، وتفكك النسيج الاجتماعي والأخلاقي وفقدت العائلة وحدتها وتماسكها وقيمها الاجتماعية، وأدى ذلك الى تدمير انسانية الانسان واهانته واذلاله وتشويه شخصيته، ولا عجب في ذلك فالبعث حزب طائفي شوفيني دموي مناطقي عائلي، لا يعرف للرحمة معنى، ولا للعاطفة موقعاً، ولا للإنسانية سبيلًا، ولا للمواطنة قيمة.