الكاتب : سلمان رشيد الهلالي
(ماهو هذا النسق المغفل الذي لافاعل له ؟؟) فوكو
المدخل
تؤكد هذه النظرية باختصار : ان مايحرك المجتمع العراقي بعامة والشخصية العراقية بخاصة هو النسق والانساق الثقافية التي تراكمت عبر التاريخ . وهذه الانساق وان كان قد صنعها المجتمع العراقي نتيجة ظروف ايكولوجية وتفاعلات اجتماعية وتطورات تاريخية وتداعيات سياسية , الا انه بقى اسيرا لها ومتلقيا لتداعياتها واخذت دورا جدليا وتفاعليا , فهى تؤثر به من جانب و يؤثر بها ويرسخها من جانب اخر . فاذا كان المفكر السوري جورج طرابيشي يقول (اننا صنعنا العصر الذي صنعنا) , فاننا في العراق نقول (اننا صنعنا النسق الذي صنعنا) .
المقدمة
ورغم مرور اكثر من (70) عاما على اطلاق الدكتور علي الوردي فرضيته الاولى في تفسير الشخصية العراقية في محاضرته التي القاها في قاعة الملكة عالية في نيسان عام 1951 ونشرها في كتاب (شخصية الفرد العراقي) وتبعها بفرضية (صراع البداوة والحضارة) و (التناشز الاجتماعي) , الا ان هذه الفرضيات مازالت الوحيدة والراسخة في تفسير سلوكيات ومحركات ومخرجات وتوجهات الشخصية العراقية بخاصة والمجتمع العراقي بعامة , فهى مثل (جدل هيغل لاينحني امام احد) , وستبقى فاعلة وشامخة حتى بعد الف عام . ولكن في السنوات الاخيرة وجدنا ان فرضية النسق العراقي في تفسير الشخصية والمجتمع العراقي (التي نحن بصددها) هى اعم واشمل من فرضيات الوردي بسبع من المفاهيم والاختلافات وهى :
1 – الشمولية : فقد اكد الوردي ان اراءه السيوسولوجية هى مجرد فرضيات وصفت حيزا كبيرا من المجتمع العراقي وليس جميع افراده او فئاته , فيما ان نظرية النسق العراقي تشمل جميع افراد المجتمع , حتى يمكن القول ان فرضيات الوردي تشكل جزءا من النسق العراقي .
2 – التاريخية : ان فرضيات الوردي – حسب ما اعلن هو صراحة – هى نتاج الحقبة العثمانية والعصور التي اعقبت سقوط بغداد على يد المغول عام 1256 ووصفت بالمظلمة , فيما ان فرضية النسق العراقي هى نتاج تراكمي طويل تبلور من العصور التاريخية والحضارية السومرية الاولى لبلاد وادي الرافدين والاجتياح العربي الصحراوي وحتى العصر الحديث والمعاصر .
3 – العمومية : ان فرضيات علي الوردي لاتدخل في دائرتها الافراد الذين تحرروا من تاثير ازدواجية الشخصية وصراع البداوة والحضارة والتناشز الاجتماعي ,فيما ان فرضية النسق العراقي هى بنية عميقة ونسق ظاهر من جانب ومضمر من جانب اخر في الشخصية العراقية , لم يتحرر منها احد مطلقا , لانها مثل الشفرة الوراثية الاجتماعية تنتقل عبر الاجيال . وهذا ما نجده عند الافراد الذين هاجروا الى خارج العراق وعاشوا في اوربا وامريكا وكندا واستراليا اكثر من اربعين عاما , اذ وجدنا بعد السقوط عام 2003 انهم عادوا الينا كعراقيين اصليين , وليس كأوربيين او امريكيين , رغم ان تاثير الفرضيات التي ذكرها الوردي قد تلاشى تاثيرها عليهم , والسبب هو هيمنة النسق العراقي العميق والكامن في شخصيتهم الذي بقى ملازما معهم رغم تركهم البلاد عقود طويلة , واندماجهم في مجتمعات متقدمة حضاريا واجتماعيا ومعرفيا وثقافيا واخلاقيا وعلميا , وهذا يدل على ان النسق العراقي هو امضى واقوى تاثيرا عليهم من فرضيات الوردي اولا ومن الانساق الاوربية الفاعلة ثانيا .
4 – ان فرضيات الوردي لاتصف جميع السمات والخصائص عند الفرد العراقي او حتى المجتمع العراقي , فيما ان فرضية النسق العراقي تستطيع ان تشمل بتاثيرها وتفسيرها جميع الخصال والسلوكيات والصفات والسمات والتصرفات والخصائص والميول والتوجهات عند الشخصية والمجتمع العراقي .
5 – ان نظرية النسق العراقي لها قابلية الاحتواء والتماهي لجميع الشخصيات والطبقات والفئات والجماعات التي تسكن في هذه البلاد , فالنسق العراقي مثل (الثقب الاسود) له قابلية الجذب والانصهار لكل ما هو عراقي . فيما ان فرضيات الوردي قد لاتشمل بعض الافراد والجماعات المتحررة من سطوة تاثير قيم البداوة والحضارة .
6 – ان الوردي قد استند في فرضياته على اراء ابن خلدون والعلماء الغرب من امثال وليم اوكبرن وروبرت ما كفير وثور شتاين فبلن وكارل ما نهايم ووليم كراها سمنر وهيغل وفرويد وماكس فيبر وغيرهم من تيار الحداثة والتنوير , فيما ان نظرية النسق العراقي قد استندت على تيار ما بعد الحداثة من امثال ميشيل فوكو وكلود ليفي شتراوس وغيرهم .
7 – ان الوردي طالما اكد ان الدولة وقوتها ومركزيتها لها تاثير كبير في اضعاف قيم البداوة في المجتمع العراقي ,وبالتالي تعمل على تقليل الازدواجية والتناشز الاجتماعي , الا ان النسق العراقي ليس له علاقة بالدولة او قوتها او ضعفها , فهو مستقل عن الدولة التي ربما قد تعمل على تقويته او اضعافه في حالات معينة ,ولكنه لايرتبط وجوده واستمراريته وقوته وفاعليته معها .
ان فرضية النسق العراقي لاتعتبر فرضيات الوردي غير صالحة لتفسير الشخصية والمجتمع العراقي , وانما تعدها فرضيات ما زالت تفسر قطاع كبير من السلوكيات والميول والتوجهات العراقية , الا انها تجد ان تلك الفرضيات لاتفسر جميع سلوكيات افراد المجتمع العراقي . وقد اراد الدكتور سيار الجميل طرح نظرية جديدة لاتجمع ثنائية الوردي (البداوة والحضارة) , وانما جعلها ثلاثية (البداوة والريف والحضارة) في محاضرته التي القاها في لندن في ايلول عام 2005 بعنوان (بنية المجتمع العراقي محاولة في تفكيك التناقضات) بقوله (ان بنية المجتمع العراقي لا تقتصر على ثنائية استاذنا علي الوردي في البداوة والحضارة ، فلقد نشرت منذ زمن ليس بالقصير افكاري حول المجتمع العراقي بتشجيع من الاستاذ المؤرخ البرت حوراني الذي اهتم بها اهتماما كبيرا ، ولما طرحتها مؤخرا على الاستاذ علي الوردي نفسه وافقني على الثلاثية التي اظهرتها والتي كانت سببا من اسباب تفجير تناقضات المجتمع العراقي بديلا عن ثنائيته التي كان قد اذاعها قبل خمسين سنة ، فلقد قال الرجل بأنها تمتد بين الحضارة والبداوة وان تصادمهما قد سبب وبالا على كل ما في المجتمع العراقي من ادران ,وكثيرا ما طغت البداوة حسب رأيه على الحضارة .. وهنا يمكنني القول بِأن المدنيين ليس شرطا ان يكونوا متحضرين ، فالناس المدينيون ( Urban people ) شيئ والناس ( Civilized People) شيئ آخر ! اما ثلاثيتي التي تنص على تصادم كل من المدينة والريف والبادية هي التي انتجت كل هذا التلاقح من المشكلات التي قد تصل في ظروف قاسية الى المعضلات الصعبة . فلا يمكن اعتبار البداوة في صدام دائم مع التمدن ، لأنني اعتبر مجتمعات البدو لا تحمل بقايا معقدة جدا بقدر ما تحمله بقايا الريف العراقي الذي تعّرض لاقسى الحملات التاريخية واشنع المعاملات الاجتماعية , ليس من ابناء المدن حسب ، بل من السلطات في الدولة .. وكان ” الفلح ” ( = الفلاحون ) ادنى بدرجات من غيرهم في العراق .. وابناء الريف يحملون دوما احقادهم على ابناء المدن لاسباب اجتماعية بدرجة اساسية ليست سياسية ولا اقتصادية ، بل ربما غدت تاريخية بفعل التناقض العسير بين الدواخل في المركز و( الاطراف ) في المحيط ……. ان المدينة والريف والبادية : ثلاثية اجتماعية متنافرة سبّبت كل الجحيم السياسي في العراق ، بحيث تركت بصماتها حتى على الاحزاب السياسية والقوى الثورية باعتبارها من منتجات ذلك الصراع الاجتماعي الذي يتصدّره ابناء المدن بكل طبقاتهم الاجتماعية العليا والوسطى والدنيا ….) . كما اكد هذا الموضوع الدكتور الجميل في مكان اخر بقوله (واذا كان الراحل الكبير علي الوردي قد اعتمد في نظريته العراقية على ثنائية البداوة والحضارة متاثرا بابن خلدون قبل اكثر من ستة قرون !! فاني اعتمدت في الابعاد الثلاثية في نظريتي العراقية : المدينة والريف والبادية .. وقد وافقني الراحل الوردي قبل رحيله على ما فكرت وكتبت) .
في الواقع ان ماطرحه الدكتور الجميل من فرضية تفتقر الى عدة مفاهيم :
1 – ان الجميل لم يتوسع في طرح فرضيته او اراءه عن المجتمع العراقي , فغير المعقول ان يطرح كاتبا ما فرضية بعشر اسطر فقط ويتركها .
2 – ان التماهي مع السياسة كانت احد السمات الاساسية في اراء الدكتور الجميل , فيما ان فرضيات الوردي بعيدة نسبيا عن الجانب السياسي .
3 – لم يشر الجميل الى اراء اخرى تعزز فرضيته وتوسعها مثل الوردي الذي اضاف لها ازدواجية الشخصية والتناشز الاجتماعي .
4 – انها فرضيات ارتكزت على هامش اراء الدكتور الوردي الاجتماعية فقط , وقامت بالتوسع في عوامل التاثير من خلال اضافة الريف الى البداوة والمدينة .
ترجع الارهاصات الاولى لمعرفتي بوجود النسق العراقي الذي يتحكم بالشخصية العراقية الى مابعد سقوط النظام البعثي عام 2003 عندما وجدت حالتين غريبتين اثارتا انتباهي وجعلتني اسعى لتفسيرهما وهما :
الاولى : ان العراقيين الذين رجعوا من المنافي وديار الغربة في اوربا وامريكا واستراليا وكندا – وحتى من ايران – انهم رجعوا الينا كعراقيين اصليين وليس كأوربيين او امريكيين – او حتى ايرانيين – متحضرين ومثقفين ومعتدلين , رغم مرور اكثر من عشرين عاما عن ابتعادهم عن وطنهم وثقافتهم وعاداتهم , وسالت في نفسي : ماهو الحبل السري الذي يربط هؤلاء بثقافتهم وانماطهم ؟ اذ لابد من وجود نمط سري يأبى ان يتلاشى رغم العقود الطويلة من الانقطاع الثقافي والاخلاقي .
الثاني : ان المفاهيم الليبرالية والتوجهات الديمقراطية والحرية والتعددية الثقافية والسياسية والحزبية التي وفدت للعراق بعد سقوط النظام البعثي الاستبدادي عام 2003 وجدت اعتراضا واستهزاء ورفضا عند اغلب قطاعات المجتمع العراقي ليس عند العامة فحسب بل وحتى عند اغلب المثقفين والاكاديميين والكتاب والفنانين والادباء وقد اثار ذلك استغرابي عن سبب هذا الرفض للقيم الكونية والحقوق الطبيعية التي تسعى لها جميع المجتمعات في العالم . فعرفت ان هناك سببا ونسقا يجعل هذه المفاهيم غريبة عن بنية المجتمع العراقي . وعرفت فيما بعد ان اي مفاهيم وانساق غريبة اذا وفدت الى مجتمع ما فانها تواجه بالرفض والاعتراض والسخرية او تجعله يعيش بالفوضى والانقسام والاحتراب .
وبعد الانفتاح الفكري والثقافي والاطلاع على المناهج الاجتماعية والنفسية والفلسفية الحديثة – وخاصة اراء ما بعد الحداثة – وغيرها توصلت الى نتيجة لتفسير هاتين الحالتين (الاولى والثانية) وهى حتمية وجود انساق ثقافية عراقية راسخة وفاعلة تجعل العراقي المغترب والمهاجر الى اوربا وامريكا يعود الينا كعراقي رغم مرور عقود طويلة خارج البلاد , وتجعل المجتمع يرفض الانساق العصرية والقيم الكونية والليبرالية , رغم الفوائد الايجابية والحرية والكرامة التي حققتها له . وان الحبل السري الذي ربط هؤلاء بثقافتهم وانماطهم واخلاقهم وبلادهم هو (النسق) .
نظرية النسق العراقي
النسق system هو التنظيم والترابط لافكار معينة . او مجموعة من العناصر التي يرتبط بعضها ببعض بحيث تكون كلا منظما . وهو مجموعة من العناصر المتفاعلة والمتجهة نحو هدف محدد . وعرفه (ليفي برول) بانه اي نسق للسلوك الاجتماعي يتضمن جمعا من الافراد المتفاعلين . فيما اكد (راد كليف براون) بان النسق مجموعة معينة من الافعال والتفاعلات بين الاشخاص الذين توجد بينهم صلات متبادلة . واما (بارسونز) فقد عرف النسق بأنه نظام ينطوي على أفراد فاعلين، تتحد علاقتهم بمواقفهم وأدوارهم التي تنبع من الرموز المشتركة، والمقررة ثقافياً في إطار هذا النسق، وعلى نحو يغدو معه مفهوم النسق أوسع من مفهوم البناء الاجتماعي، وان لكل نسق بيئة تتكون من الانساق الفرعية المحيطة به , والتي تقترن معه في شبكة من الاعتماد المتبادل , رغم احتفاظ كل نسق بدرجة من الاستقلال بحيث يمكن تمييزه عن الانساق الاخرى . ويقول (بارسونز) : (إن النسق يرتكز على معايير وقيم، تشكّل مع الفاعلين الآخرين جزء من بيئة الفاعلين، وهدف كل فاعل هو الحصول على أقصى درجة من الإشباع، وإذا ما دخل الفاعل في تفاعل مع آخرين وحصل في ذلك الإشباع , فان ذلك مدعاة لتكرار التفاعل) . وتدرس نظرية النسق الاجتماعي system social الانساق الثلاث وهى (الثقافة والشخصية والنظام الاجتماعي) . فنسق الثقافة يتكون من العلاقات المتداخلة للقيم والمعتقدات والرموز المشتركة التي توجد في اي مجتمع . ونسق الشخصية هو نسق الدوافع والمؤثرات والافكار التي تتصل بالفرد . والنسق الاجتماعي هو مجموعة الادوار ذات العلاقة المتداخلة التي تحدد او تشخص بواسطة المعايير المشتركة . وان التكامل بين الانساق الثلاثة يعني ان الثقافة لايمكن فهمها الا عن طريق الشخصية والنظام الاجتماعي , وان النظام الاجتماعي لايمكن فهمه دون فهم ودراسة واستيعاب الثقافة والشخصية .
ونظرية النسق هى التي تعنى بدراسة التنظيم كنسق ودراسة اجزاءه المتعددة كلا على الاخر . والنسق هو ما يتكون من مجموعة من الاجزاء او العناصر التي تعمل معا لانجاز وظيفة محددة , وقد يكون بسيطا او معقدا . وهو ينطوي على استقلال ذاتي يشكل كلا موحدا . وكان (دي سوسير) يعني بالنسق شيئا قريبا جدا من مفهوم (البنية) . ويمكن القول اجمالا ان الاهتمام بمفهوم النسق راجع الى تحول بؤرة الاهتمام من مفهوم الذات – او الوعي الفردي – الى التركيز على انظمة الشفرات النسقية التي تنزاح فيها الذات عن المركز , وعلى نحو لاتغدو معه للذات اي فاعلية في تشكيل النسق الذي تنتمي اليه , بل مجرد اداة او وسيط من وسائطه او ادواته . ولذاك يرتبط مفهوم النسق ارتباطا وثيقا في المدرسة البنيوية بمفهوم الذات المزاحة عن المركز .
وبهذا الصدد اكد الكاتب عبد الله عيسى سلامة (أن كلّ إنسان حيّ، هو نسق قائم ، بذاته .. وكلّ جماعة بشرية ، هي نسق قائم ، بذاته . وأن اقتحام أيّ نسق ، من خارجه ، سيؤدّي ، إلى أحد أمرين : إمّا تشكيل نسق جديد .. وإمّا فوضى ، تحلّ محلّ النسق المقتحَم . كما أن كلّ تحليل ، من أيّ نوع : سياسياً كان ، أم اجتماعياً ، أم اقتصادياً .. خارج إطار النسق ، هو نوع من العبث الفكري البائس ، الذي لايصل إلى أيّة نتيجة إيجابية ؛ بل سيشوّه حقيقة الموضوع ، الذي يحلّله) .(ونسق الإنسان الفرد : لكلّ إنسان ، مكوّنات كامنة فيه ، شكّلها بنفسه ، أو فرض عليه تشكيلها ، أو تشكيل بعضها ! ومكوّناته كثيرة ، منها : شكله ولونه ، وخصائصه البدنية والنفسية ، وتقاليده ، ومايحبّ وما يكره .. وعلاقاته مع الآخرين ونحو ذلك ، ممّا هو مستقر لديه ، تتفاعل مكوّناته ، فيما بينها ، تأثّراً وتأثيراً ، ويعامله الناس من خلاله) .
واما عبد الله الغذامي فقد اكد : أن النسق يقوم على وظيفة الدلالة النسقية التي ترتبط بعلاقات متشابكة نشأت مع الزمن لتتحول إلى عنصر ثقافي آخذ في التشكل، وهو أحياناً إما أن يكون ظاهراً، وإما أن يكون كامناً . فيما اكد في تفسير اخر للنسق بانه كلمة في وصف الفكرة عندما تترسخ وتكون اقوى من العقل , مثل تفضيل الولد على البنت والابيض على الاسود ووصفها وصفا سلبيا بانها مثل الفايروسات التي تنهك جسم الانسان وتدمره بالسر .
بدات فكرة النسق من حيث تنظيم وترابط الافكار في سلسلة او شمول كلي بالظهور في القرن الثامن عشر عندما طرحها الفيلسوف الالماني (كانت) , حيث اهتم بفكرة النسق الذي تصبح فيه الفلسفة علمية على نحو ما جاء في عنوان كتابه (مقدمة لكل ميتافيزيقا) ,والتي اصبحت فيما بعد هامة في فلسفة (هيغل) الذي بدوره اعلن صراحة : مالم تشكل الفلسفة نسقا فانها لن تكون نتاجا علميا , لان التفلسف غير النسقي لايمكن ان نتوقع منه سوى ان يكون تعبيرا عن خصائص شخصية خاصة للذهن دون ان يتضمن مبدا ينظم مضمونه .
واخذت فكرة النسق عند مدرسة ما بعد الحداثة – وخاصة عند ميشيل فوكو – بعدا مركزيا ورئيسيا , حتى انهم اعتبروها المعنى لكل شي . فقد اكد فوكو في مقابلة فلسفية نشرت في مختارات (هم الحقيقة) : لقد حصلت القطيعة مع الفلاسفة السابقين – او الفلسفة السابقة – يوم اظهر لنا (ليفي شتراوس) بالنسبة للمجتمعات و(لاكان) للنسبة للاوعي ان المعنى لم يكن على وجه الاحتمال سوى نتيجة سطحية ,وان مايخترقنا في العمق وما يوجد قبلنا وما يسندنا في الزمان والمكان كان هو (النسق) . واعني بكلمة النسق مجموعة العلاقات التي تثبت وتتغير في استقلال عن الاشياء التي ترتبط بينها . وان الطريقة التي يفكر بها الناس ,ويكتبون ,ويتكلمون (حتى النقاشات في الشارع) , بل حتى الطريقة التي يستشعر بها الناس الاشياء والكيفية التي تثار بها حساسيتهم ,وكل سلوكهم ,تحكمها – في جميع العصور – بنية نظرية , نسق , يتغير مع العصور والمجتمعات , الا انه يظل حاضرا في كل العصور وكل المجتمعات . انه (سجن وسوط جماعي) .
واما النسق الثقافي : فهو المظاهر السلوكية من عادات وتقاليد وقيم وافكار ومعتقدات وطقوس وشعائر واساطير . وهى المقومات الخاصة التي تميزها عن الثقافات الاخرى . وهى ايضا متوارثة اجتماعيا وتنتقل من جيل الى اخر عبر الزمن لتشكل موروث الامة , فكل ثقافة تحمل في طياتها انساقا مهيمنة , وفي ثقافة النسق لامكان للمعارضة او مخالفة الرأي – كما يقول الغذامي – لان مانقصدة بالثقافة ليس ما يحصل عليه الانسان من معارف , وانما رؤية الانسان للحياة والزمان والمكان . والنسق الثقافي هو رؤية او موقف او طبيعة تفكير .
لذا اعتمدت هذه نظرية النسق العراقي على مفهوم النسق الاجتماعي الذي اطلقه تالكوت بارسونز ومفهوم النسق الذي تبلور على ايدي البنيويين واهمهم ميشيل فوكو . وهى تؤكد باختصار ان هناك نسقا عراقيا فاعلا يجمع الشخصيات والجماعات والطوائف والطبقات والفئات والتوجهات والتيارات العراقية , وهذا النسق يضم في جوانبه العديد من الانساق الثقافية التي تتمحور حول ذلك النسق وتدور ضمن فلكه . فعلى الرغم من تعدد الانساق الثقافية في الشخصية والمجتمع العراقي , فان هناك توحد ضمني – او حتى صريح – في النسق العراقي الجامع لانه – وبحسب ميشيل فوكو – يمكن اعتبار فكرة رئيسية واحدة محورا او جوهرا لمذهب او عقيدة او فلسفة لجماعة ما , وهذه الفكرة المحورية تمتلك القدرة على ان تستقطب مجموعة من الانساق الثقافية الاخرى , وتحركها ككيان عضوي واحد له قوته الداخلية وطاقته في البقاء والاستمرار .
اقسام الانساق العراقية
الانساق العراقية : هى الانماط الثقافية والسلوكية والنفسية التي تميز الشخصية العراقية بخاصة والمجتمع العراقي بعامة عما سواه من الشخصيات والمجتمعات الاخرى في العالم , والتي تراكمت عبر التاريخ من خلال التفاعل بين الايكولوجيا(البيئة الجغرافية) من جانب وبين التحولات والتطورات التاريخية والتاثيرات والتداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من جانب اخر . وقد ذكر العديد من الكتاب والمفكرين العراقيين هذه الانساق وانماطها في مقالاتهم ودراساتهم ومؤلفاتهم كشذرات متفرقة وظواهر منفصلة , ولم يذكروها بالاسم الصريح , وانما وصفوا مفاهيم واراء وسلوكيات شخصية ومجتمعية عامة , ولم يدرجوها ايضا في كتب خاصة او مستقلة , واولهم في ذلك – كما يبدو لي – الشيخ علي الشرقي في مقالاته واشعاره المتعددة , ثم علي الوردي في مؤلفاته التسعة المثيرة للجدل وعبد الجليل الطاهر(وخاصة كتابه اصنام المجتمع) وسيار الجميل في مؤلفاته ومقالاته ومحاضراته (وخاصة محاضرته “الجغرافية الثقافية للعراق الحديث” وفالح عبد الجبار في مؤلفاته ومقالاته (وخاصة كتابيه : “في الاحوال والاهوال المنابع الاجتماعية والثقافية للعنف” و”العمامة والافندي”) وثامر عباس في مقالاته ومؤلفاته (وخاصة كتابيه “الجغرافية الشقاقية” و”الهوية الملتبسة”) وشاكر شاهين(وكتابه العقل في المجتمع العراقي) وابراهيم الحيدري في مقالاته ومؤلفاته (وخاصة كتابيه “تراجيديا كربلاء” و”الشخصية العراقية البحث عن الذات”) وعلي عنبر السعدي في مقالاته ودراساته ومؤلفاته (وخاصة كتابه العراق غمد السيف ام درب المعبد) وقاسم حسين صالح في دراساته ومؤلفاته (وخاصة كتابه المجتمع العراقي تحليل سايكو – سيوسولوجي لماحدث ويحدث) وباقر ياسين (وخاصة كتابيه “شخصية الفرد العراقي” و”تاريخ العنف الدموي في العراق”) وغيرهم . وقد استطعنا اضافة الاغلبية من الانساق التي جمعتها من خلال الكتابات الاكاديمية والقراءات والدراسات الخاصة بتاريخ العراق السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي , وقسمتها الى ثلاث اقسام :
1 – انساق عراقية رافدينية اصلية : وهى الانساق التي ورثها العراقيون من تداعيات وتبعات الايكولوجيا (البيئة) المحبطة وانزياحات تاريخهم الرافديني القديم وبقايا الانماط العليا من السومريين والاكديين والبابليين والاراميين . بمعنى انها تبلورت من خلال :
أ – الايكولوجيا (البيئة الجغرافية) وماصاحبها من تبعات وماسي واضطراب وصعوبة ومحن وابتلاء , عانى منها السهل الرسوبي وبلاد مابين النهرين من قبيل الاستبداد والاستئثار والاحتلالات والفيضانات والامراض والمجاعات والاوبئة والملوحة وغيرها .
ب – الانماط العليا – بلغة يونغ – التي انسابت من خلال الوعي الاسطوري للسومريين الى الاحقاب التاريخية والحضارية اللاحقة .
وتشمل الانساق الاتية : (نسق النزعة المثالية ونسق الفتنة ونسق التهويل ونسق الغواية ونسق تقديس الاصنام البشرية (رجل الدين) ونسق التقوقع ونسق القلق ونسق صراع الانتماءات ونسق الحكم الشعبوي ونسق المقدس والمدنس ونسق التقاعس ونسق العدوى الوجدانية ونسق الميل للفوضى ونسق التوق للقائد الرمز ونسق النستولوجيا (التوق للماضي) ونسق الانفعالية ونسق الطقوسيات ونسق الاجترار ونسق القابيلة للعبودية ونسق الاستعداد للاذلال ونسق تقلب الاهواء ونسق تغيير الامزجة ونسق الهياج الجمعي ونسق الحزن والشجن ونسق التشاؤم ونسق التدين الشكلي ونسق الشقاق ونسق الثورية ونسق العنف الجمعي ونسق الغدر ونسق البكائية ونسق الفوضوية ونسق الماضوية ونسق الجزع ونسق الرعب من الموت ونسق الاسطرة ونسق الاستبداد ونسق التشظي ونسق التراجيديا الغامضة ونسق الاتكالية واللامبالاة ونسق الاغتراب ونسق المعدنة ونسق الاستئثار ونسق انتظار المخلص)
2 – انساق عربية بدوية وافدة : وهى الانساق التي اكتسبها العراقيون من السيطرة العربية على العراق في اعقاب الفتوحات والغزوات الاسلامية . وهى انساق تعبر عن الثقافة الصحراوية والبدوية التي اكتسحت السهل الرسوبي وشكلت السلطة السياسية والدينية والثقافية فيه طوال اكثر من الف عام . بمعنى انها تبلورت من خلال :
أ – الاحداث والتطورات السياسية والاستبداد والقمع والتوحش والاقصاء التاريخي والطائفي من قبل الانظمة والدول العربية ابتدأ من الغزو العربي الاسلامي وحتى العصور التي اعقبت سقوط بغداد .
ب – القيم البدوية والصحراوية والقبلية التي وفدت للعراق بعد السيطرة العربية والاسلامية القائمة على التنازع والتغالب والعصبية والعنصرية والطائفية .
وتشمل الانساق الاتية (نسق التهنبل ونسق الخبن ونسق الكلاوات ونسق التفكير الشعري ونسق التماهي مع الادب ونسق المغالطات ونسق احتقار الضعيف ونسق احترام القوي ونسق عبادة الاصنام البشرية (شيخ العشيرة) ونسق العشائرية ونسق العصبية القبلية ونسق الادعاءات الفارغة ونسق سايكولوجية الحقد ونسق ايديولوجية الكراهية ونسق الناقض ونسق التسلط ونسق الدموية ونسق الطائفية ونسق العنصرية ونسق التنافر ونسق انتقال الولاءات ونسق الانعزال الاجتماعي ونسق تمجيد الذات ونسق البطل الشعبي ونسق الكسل ونسق المبالغة ونسق التعميم ونسق الدولة الغنيمة ونسق النرجسية وتضخم الذات والانا ونسق العداوة المطلقة ونسق الثقافة البطريريكية ونسق التنازع الدائم ونسق الغاء الاخر ونسق السلب والنهب ونسق الفحولية والذكورية ونسق التباهي ونسق التعصب ونسق الكشخة ونسق الفخفخة ونسق المباهاة ونسق النفاق ونسق الخطابية ونسق الشعاراتية ونسق التراخي ونسق الاستحواذ ونسق الرياء ونسق الجوعية ونسق العناد ونسق النكران ونسق الشغب ونسق الاستبداد والخمول ونسق السادية ونسق التوحش ونسق الثأر والانتقام ونسق الكذب والتلفيق ونسق الغزو ونسق التشظي ونسق النخوة ونسق الكرم والقرابية ونسق احتقار المرأة) .
3 – انساق حديثة ومعاصرة : وهى الانساق التي اكتسبها العراقيون خلال القرون الخمسة الاخيرة من السيطرة العثمانية وما اعقبها من تاسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921وما فرضته الانظمة الحاكمة من انساق وافكار وماصنعته الانظمة الاستبدادية والديكتاتورية من تصورات وانماط على المجتمع ومارافقها من قدوم التيارات الفكرية والايديولوجية على البلاد . بمعنى انها تبلورت من خلال :
أ – القيم والسلوكيات العثمانية والتركية المتخلفة والبدائية من حيث تلاشي الدولة والاستبداد والطائفية وما اعقبها من تلاشي المعطيات المدنية والحضارية .
ب – المفاهيم والثقافات والسلوكيات التي فرضتها الدولة العراقية والانظمة الحاكمة بين عامي (1921 – 2003) وماصاحبها من توافد الايديولوجيات الثورية والتيارات الفكرية والتوجهات العصرية التي فرضت انساقها على المجتمع العراقي من قبيل القمع والتدجين والخنوع والخصاء والعشائرية .
وتشمل الانساق الاتية (نسق ازدواجية الشخصية ونسق التناشز الاجتماعي ونسق صراع قيم البداوة والحضارة ونسق الاستلاب ونسق الدونية ونسق الخصاء ونسق التماهي مع الايديولوجيا ونسق الانغماس بالسياسة ونسق غياب التفكير المعرفي ونسق عصاب الغرب ونسق تقديس الاصنام البشرية (تقديس السلطة) ونسق الوعي الزائف ونسق التسامي عن الواقع ونسق الحنين للاب الميت ونسق التذمر الطفولي ونسق التلقين التربوي ونسق الوعي الدنيء ونسق الخضوع للخطاب الاعلامي ونسق التماهي مع الجلاد ونسق تلاشي التفكير الجدلي والنقدي ونسق التناقض بين الواقع والمثال ونسق سبات العقل ونسق التفكير الوظيفي ونسق التدليس ونسق خلط الاوراق ونسق تزييف الوعي ونسق غسل الادمغة ونسق التضليل ونسق مسايرة العامة والقطيع ونسق التغابي ونسق التذاكي ونسق الدوغمائية ونسق التربية الزقاقية ونسق الخبالية ونسق المخاتلة ونسق الكبت ونسق الحرمان ونسق الخنوع ونسق التحيز ونسق التنمر ونسق البارانويا (الارتياب) ونسق التقدير المغالي للذات ونسق التماهي مع السرد ونسق الديكتاتورية ونسق بؤس الوعي التاريخي ونسق الخيانة ونسق الماسوشية امام القوي ونسق السادية امام الضعيف ونسق الشللية ونسق الاستعلاء ونسق النرجسية ونسق الصفاقة) .
سمات الانساق العراقية :
1 – ان الانساق العراقية ليست بنى صلدة , وانما هى مرنة ومتحولة ولها قابلية الانسياب والاشتراك مع انساق اخرى , فهى فاعلة عند افرادا وضعيفة عند اخرين . فقد يحمل الفرد الكثير من الانساق العراقية الرافدينية القديمة , فيما يحمل اخر الاغلبية من الانساق العربية , وربما يحمل اخرين الكثير من الانساق الحديثة , وقد يجمع البعض الانساق الثلاث معا وهكذا .
2 – ان تلك الانساق العراقية خارجة عن وعي الانسان العراقي ولاشعورية بتاثيرها وتقمصها , وتلقفها الفرد من عائلته ومجتمعه ومحيطه , ويجدها جاهزة وراسخة ومستقلة عن الوعي والادارك والعقل , ويتماهى معها كليا كثوابت وجواهر نفسية واجتماعية .
3 – انها تشكل مايقارب العقل الجمعي للافراد , ويكون هناك تواطىء ضمني (او صريح) على الالتزام بها والركون لسطوتها . وذكر الدكتور الوردي بهذا الصدد (ان شخصية الانسان تسبك في قوالب يصنعها المجتمع . ولهذا نرى ابناء المجتمع الواحد متشابهين في كثير من صفاتهم الشخصية . انهم يتفاوتون عادة في كثير من دقائق الصفات العامة تفاوتا يجعل لكل فرد شخصيته الخاصة به , ولكنهم رغم ذلك يتشابهون في الخطوط الشخصية الرئيسية لتلك الصفات) .
4 – ان تلك الانساق لها جانب تاريخي , فهى نتاج التكرار الاجتماعي الطويل والالتزام الفردي عبر التاريخ , شكلت نوعا من الشفرات الثقافية والجينات الشخصية التي تنتقل عبر التاريخ وتنساب عبر الانماط العليا .
5 – ان تلك الانساق لها جانب نفسي من جهة وجانب اجتماعي من جهة اخرى في شخصية الفرد العراقي . وكما قال علي الوردي (ان هذان العاملان الاجتماعي والنفسي لاينفصلان في الواقع . اذ ان كل ظاهرة اجتماعية لها جانب نفسي , كما ان كل ظاهرة نفسية لها جانب اجتماعي) .
6 – ان تلك الانساق تشكل الاصل الاجتماعي والنفسي في الشخصية العراقية , فيما ان الجوانب الايجابية الاخرى لاتشكل انساقا فاعلة وراسخة , وانما حالة عرضية وطارئة او موسمية انفعالية , اذ لو كانت الجوانب الايجابية تشكل انساقا لما وجدنا هذا الخراب والانهيار القيمي والتخلف الحضاري والسقوط الاخلاقي في المجتمع العراقي .
7 – ان تلك الانساق هى الانعكاس الحقيقي للشخصية العراقية , والتحرر منها يكون من خلال التخلص من الشخصية العراقية الى الفضاء الانساني والمعرفي والثقافي .وان الوعي العلمي والمعرفي هو الوحيد القادر على كشف السمة اللاشعورية والمجهولة لهذه الانساق وتعريتها ونقدها والتحرر منها .
8 – ان الانساق العراقية لها سلطة القسر والارغام النسبي في هيمنتها وسطوتها على جميع الافراد , ولكنها ليست حتمية على جميع الاشخاص , اذ يمكن التحرر منها من خلال مسارين :
أ – الوعي بتلك الانساق : اي الاعتراف بوجودها ومعرفتها وتاثيرها وهيمنتها , ليس على المجتمع العراقي فحسب , بل وفي ذاته ونفسه وشخصيته , لان الكثير من الناس يعرف تلك الانساق وسلبياتها وسطوتها على المجتمع , ولكنه اما لايعرف بوجودها في شخصيته او لايعترف بهيمنتها على ذاته .
ب – الارادة : اذ لايكفي المعرفة بوجود تلك الانساق في الشخصية العراقية بخاصة والمجتمع العراقي بعامة للتحرر منها , بل يجب ان تتوفر الارادة الشخصية والمعرفية للتحرر منها والتخلص من سطوتها .
9 – انها نسبية في تاثيرها على الافراد والجماعات في العراق . فقد يكون تاثير بعض هذه الانساق فاعلا على افرادا او طوائف او محافظات او اثنيات او مجموعات او طبقات في مناطق معينة , وضعيفا وغير فاعلة في اخرى . وقد تكون راسخة وفاعلة في مرحلة تاريخية او زمن معين , وضعيفة في زمن اخر او مرحلة تاريخية معينة .
10– ان الانساق العراقية الرافدينية يكون تاثيرها ظاهرا في المدن . فيما تكون الانساق العربية والصحراوية مؤثرة وبارزة في الريف او المدن المتريفة . واما القسم الثالث من الانساق الحديثة فهى ظاهرة بافراط عند النخبة والانتلجنسيا والمتعلمين .
11– ان اقحام اي نسق عصري ومدني ياتي من خارج منظومة الانساق العراقية سيؤدي الى فوضى وارتباك وتسيب , ولايجد له الارضية المناسبة للنجاح . فقد وجدنا مثلا ان مفاهيم الحرية والديمقراطية الوافدة للعراق بعد سقوط النظام البعثي السابق عام 2003 انحدرت نحو الفوضى والتسيب , لانها لاتتلائم مع الانساق العراقية القائمة على العشائرية والطائفية والعنصرية والاستئثار والدولة الغنيمة .
12 – ان النسق العراقي لايتغير او يتحول الى نسق ايجابي اخر الا بقدوم نسق مغاير له يكون بديلا عنه او مختلفا عنه بالتوجهات والوظيفة , وحتى ذلك التاريخ فانه يبقى راسخا ومهيمنا ومنتشرا .
13 – ان من سمات الانساق العراقية التناقض في الميول والسلوكيات والتصرفات . فقد يجمع الانسان العراقي بين نسق البخل او الكرم في الشخصية الواحدة , لان النفس الانسانية من سماتها جمع المتناقضات والاختلافات .
14 – ان اي تحليل ثقافي وسياسي ونفسي واجتماعي للشخصية العراقية والمجتمع العراقي لاياخذ بنظر الاعتبار طبيعة الانساق الثقافية العراقية , سيكون قاصرا معرفيا او عبثا فكريا غير ناضجا او ناجحا . وكما قال شتراوس (ليس ثمة انسان طبيعي مادام طبيعة الانسان دائما ان يتمثل الطبيعة على شكل ثقافة) .
15 – ان تاثير تلك الانساق وسطوتها يكون واحدا عند جميع العراقيين , العامة منهم والمثقفين . فهى الشفرة الاجتماعية التي تربط الجميع . ودرجة الاختلاف بينهم تكون نسبية وليست مطلقة او جذرية . بل ربما تكون قسما من الانساق العراقية اكثر رسوخا عند المثقفين من العامة مثل نسق الخنوع او نسق الخصاء او نسق التضليل ..
16 – ان هذه الانساق هى السبب الاساس في التراجيديا الغامضة التي يعيشها العراقيون منذ قرون . فهى اجترار واعادة انتاج لانساق تروج الى التشظي والخنوع والانقسام والتخلف , وترسخ أنظمة ومفاهيم الكراهية والتضليل والاحتراب . وان التخلص من تلك التراجيديا المزمنة يكون بالتخلص من الانساق العراقية واحلال انساق عصرية واخلاقية وتنويرية وليبرالية بدلا عنها .
مقاربات عامة عن الانساق العراقية
اولا : هل ان هذه الانساق العراقية هى ايجابية في مطارحاتها العامة ام سلبية في تداعياتها ؟ ؟ لاحاجة الى التفكير العميق في القول : ان نتائج هذه الانساق على الواقع العراق في الماضي والحاضر (ومن المؤكد حتى على المستقبل) هى سلبية بالمطلق وسيئة بالمجمل , والدليل عندنا الواقع المعاش في البلاد والشاهد العيني الذي نراه يوميا (والشاهد يدل على الغائب) كما يقولون . فالتراجع الحضاري والنكوص المدني والانحلال القميي والاحتراب الاثني والانقسام الاجتماعي والحال المزري والتناشز السياسي والغياب المعرفي والتاخر الاقتصادي والتخلف التربوي والتشظي الثقافي وووو وغيرها من السلبيات والاختلالات والماخذ التي يرزح تحت ظلها المجتمع العراقي تؤكد هذه الفرضية . كما ان نظرة سريعة على التاريخ العراقي العام – سواء اكان القديم منه او الاسلامي او الحديث – تجد التراجيديا الغامضة بأجلى مظاهرها والنكوصيات الظاهرة بأعلى مسارها بسبب افرازات تلك الانساق وتداعياتها , لان الانساق كما انها احدى اهم افرازات الواقع من جانب , الا ان لها نتائج موضوعية على الارض من جانب اخر , حتى انها قد تعيد تشكيل الواقع – او ربما تخلق الواقع الذي تريده – اي ان العراقي – في الاخير – هو ضحية انساقه التي صنعها بنفسه , واذا كان جورج طرابيشي يقول(نحن صنعنا العصر الذي صنعنا) فاننا في العراق نقول (نحن صنعنا الانساق التي صنعتنا) .
ثانيا : قد يعترض احدهم على هذه الاطروحة بدعوى ان التراجيديا العراقية الغامضة ليست سبهها تلك الانساق العراقية الفاعلة التي ذكرتها , وانما سببها هو الظلم والاستبداد والديكتاتوريات والاحتلالات التي حكمت البلاد طيلة القرون الثلاثين الاخيرة , واذلت البلاد والعباد واسهمت بصورة رئيسية وفاعلة بعملية التراجع الحضاري والتاخر الاقتصادي والاحتراب الاهلي . في الواقع لااحد ينكر دور الاستبداد السياسي في بلورة تلك الماساة وترسيخها في العراق , ولكن قبل ذلك يمكن طرح الاسئلة الاتية : الا نجد ان للانساق العراقية الفاعلة دورا في تاصيل ذلك الاستبداد وديمومته من خلال نسق (القابلية للعبودية وايديولوجية الحقد وسايكولوجية الكراهية) دورا رئيسيا في صناعته وصياغته ؟ الا نجد في نسق (الوعي الدنيىء) – بلغة هيغل – الذي يعد احد اهم تمايزات وتمظهرات الانساق العراقية دورا في قيام تلك الديكتاتوريات واعادة انتاج نفسها في كل مرة ؟ ولكن مع ذلك يجب الاعتراف بحقيقة محددة : ان الانساق – وكما لها دورا اساسيا في صناعة الاستبداد وقيامه – الا انها من جانب اخر كان لها دورا رئيسيا في بلورة انساقا خاصا بها تشكلت على اسس محددة , كااحدى اهم افرازات الطغيان والعبودية والظلم كالنفاق والشقاق والتملق والقلق وغيرها .(ادرجها عبد الرحمن الكواكبي في كتابه “طبائع الاستبداد”) .
ثالثا : هل توجد هناك مشاريع معرفية او حلولا واقعية عند الانتلجنسيا العراقية لتجاوز تلك الانساق او تعديلها واصلاحها نحو افق افضل من العقلانية والموضوعية والعلمية ؟ ؟ بل وقبل ذلك هل يوجد خطاب معرفي عراقي خاص يتناول بالدراسة والتحليل الاشكالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية للمجتمع العراقي ؟؟ ان اي متتبع للشان الثقافي والسياسي يخرج بحصيلة محددة ومؤسفة وهى : انه لاتوجد حتى الان اي حلول واقعية او مشاريع معرفية عند هذه الانتلجنسيا الرثة لتجاوز هذه الانساق المريعة , بل ان الاغلبية الساحقة من المثقفين والمتعلمين العراقيين عندهم اصرار عجيب على ترسيخ تلك الانساق والترويج لها في خطاباتهم وارائهم وسلوكياتهم والتماهي معها لاسباب عديدة , اهمها : الرغبة بتمرير اجندات ذاتية وسياسية وايديولوجية محددة تسهم بتحقيق مالات شخصية واهداف سلطوية اولا , والخضوع للمنطلقات الشعبوية والرغبات العصابية ذوات النزعات الريفية والبدائية ثانيا, (والنسق في الاخير له وظيفة محددة كما يقول الغذامي) , لان الرؤية المعرفية والموضوعية لاتسمح بمرور تلك المشاريع الشخصية والسياسية والايديولوجية , ومن ثم ترسيخ تلك الانساق الفاعلة . بل والاسوء من ذلك ان الاغلبية من المثقفين العراقيين لايعترفون حتى بوجود تلك الانساق السلبية ويعدونها من التلفيقات المكررة التي ادرجها علي الوردي وغيره في الوسط الثقافي العراقي سابقا – ذهبت صرعتها حاليا – او ربما هى نوعا من جلد الذات العربية والعراقية يقوم بها بعض الكتاب انبهارا بالغرب واطروحاته الليبرالية ومطارحاته الاستعمارية , وتقليدا له في نقد المقدس والمجتمع , لذا تجدهم يلقون تبعات تلك السلبيات التي تكتنف الواقع العراقي المتخلف الى(اكباش محترقة) اخرى , او قوى خارجية (حقودة) ساهمت في خلق تلك السلبيات وادرجتها ضمن سلوكيات هذا المجتمع الوديع (فالنقمة لاتساعد على ادراك الواقع الحقيقي انما تقود الى استخدام اكباش محترقة) – كما يقول كروزية – كل ذلك وغيره تملقا للوسط الشعبوي العصابي ورغبة بحيازة المقبولية والاعتراف من هذا الوسط الموتور الذي لايجيز الاعجاب بالمثقف ونتاجه الثقافي والادبي الا من كان متماهيا مع انساقه او متلاصقا مع مداره .
رابعا : هناك من يرد على هذه الاطروحة بالقول ان هذه الانساق – وان كانت هى فعلا موجودة – ولااحد ينكرها – لكنها في الاخير انساقا لاشعورية انسابت الى الشخصية العراقية من خلال التاريخ والبيئة ولادخل له بها , وهى نوعا من الانماط العليا او الاصلية – بحسب منهجية يونغ – تواردت اليه من الماضي الكئيب الى العصر الحديث عبر الية الانسياب المعروفة , وانها ملاصقة له كالقدر المحتوم الذي لاخلاص منه . في الواقع لااحد ينكر ان التماهي المطلق مع تلك الانساق والرضوخ التام لها اصبح نوعا من اللاشعور الجمعي والسلوك اللاواعي عند الفرد والمجتمع العراقي , حتى اننا قد لانعرف العراقي بدون انساقه , فهى هويته الذاتية الملاصقة له , وصورته الانطباعية المتماثله معه , لاتتغير مع الزمان ولا تتحول مع المكان , رفيق دائم في الهجرة والسفر والاغتراب . وان التحرر منها يحتاج الى فعل ثقافي رصين وجهد معرفي مكثفف وارادة شخصية مميزة قد لاتتوفر عند كل مثقف او متعلم – ناهيك عن الانسان العامي البسيط – ومن المؤسف ان نرى ان الانتلجنسيا العراقية هى اكثر الناس خضوعا الى تلك الانساق اللاشعورية – سيما العصرية منها – تتحكم بسلوكياته الشخصية ومطارحاته الثقافية وتوجهاته الايديولوجية (ومن تلك الانتلجنسيا الغبية التي يتحكم بها اللاشعور؟) وهذا الفعل البدائي والتماهي النفسي قد يعاد النظر بها كنخبة مثقفة وعصرية , فسبق ان بين (هيغل) في تعريفه للمثقف بانه ذلك الانسان الذي يستطيع ان يخرج من ذاته وينظر لها من بعيد , لان الخروج من الذات والتسامي عنها – وعن الانساق التي تحركها وتسيرها – هو (الف باء) الثقافة و(اس الاساس) في تعريف المثقف ومهمته ووظيفته , لان ذات الانسان هى سجنه , والانساق قيده , ليس لانها تشكل حاجزا صلدا امام الرؤية الموضوعية والعقلانية التي تقارب الواقع , بل لان التوجهات والانطباعات النفسية والسلوكية تلقي بظلالها القاتمة على تلك المطاراحات الثقافية , لذا فان الخروج عنها يجب ان يكون هدفه الاسمى في حياته الفكرية والسياسية , والتحرر منها يجب ان يكون مشروعه الاوحد في مسيرته العلمية , وكما قال ادونيس (انك لن تعرف نفسك الا اذا خرجت منها) . ولكن – مع ذلك – يجب الاقرار اولا براي فرويد (ان اغلب الافعال اللاشعورية قد تتحول الى شعورية بالتدريج , لان اللاشعور غالبا لايصعد الى سطح الشعور الا بوجود لاشعور وسيط قابل للتحول الى شعور) , اي ان الكثير من تلك الانساق العراقية اللاشعورية الفاعلة قد تحولت الى منطقة الشعور بحكم الوعي بممارستها والرغبة بتحقيق المنافع الوظيفية والسياسية والذاتية ومن ثم الاصرار عليها من خلال الجدل والنقاش والدفاع عن مرتكزاتها ومتبنياتها وانماطها , بل وربما امتدحها البعض واصر على ترسيخها وتاصيلها باعتبارها تشكل هوية العراقي الذاتية وصورة المجتمع الثقافية, وهذا يعني ان التماهي معها والدفاع عنها والتصرف وفق مقتضايتها اصبح نوعا من الوعي الموضوعي والسلوك الجمعي العقلاني .
خامسا : لماذا استعراض الانساق العراقية الفاعلة قد اقتصر على الانساق السلبية وانماطها السيئة ولم تذكر – او تشير حتى – الى الانساق الايجابية في المجتمع العراقي ؟؟ في الواقع ان الاجابة عن هذا السؤال ينقسم الى شقين يصبان في الاخير في مجرى واحد : الاول , ان الانساق السلبية التي ادرجناها هى سبب ماساة المجتمع العراقي وتخلفه وتراجعه المزمن ونكوصه الدائم , وبالتالي فان تشخيص الامراض ومكامن العلل هو الهدف الاول للمثقف والكاتب والمفكر , من اجل تحديد العلاج اللازم وتبيان الدواء النافع للاشكالات المستعصية والبنى المتاخرة , باعتبار ان ذلك يشكل هدفا ملحا غير قابل للتاجيل او المجاملة او التجاوز (فالرائد لايكذب اهله) والدكتور لايجامل مريضه والمثقف لايراوغ مجتمعه . كما ان الانساق الايجابية في المجتمع العراقي لاتشكل ضغطا ملحا للاستعراض والدراسة والتحليل , لانها في الاصل ايجابية في نتائجها ونافعة في مساراتها , ولاتشكل اي اختلال او اشكالية في المنظومة الثقافية والسلوكية للشخصية العراقية حتى يمكن الاطناب في وصفها والاستغراق بتعريتها وتفكيكها . والثاني : ان المجتمع العراقي يعني اصلا من تخمة مفرطة في امتداح الانساق الايجابية وابرازها واستعراضها , وخاصة المنشورات الحكومية التمجيدية والدراسات الايديولوجية الخطابية والمؤلفات الحماسية التبجيلية ذوات النزعات الثورية كالشيوعية والقومية والاسلامية , فضلا عن الوطنيين والاستقلاليين والمتزلفين والانتهازيين الذين نشروا الاف الكتب في تقديس المجتمع العراقي ومدحه وتبرئته من جميع السلوكيات السلبية والنواقص الثقافية والاختلالات النفسية , تملقا لاصواته وتزييفا لوعيه وتجهيلا لفكره , والقوا مسؤولية تلك النواقص والاختلالات على عاتق القوى المتضادة معها , التي اسموها الرجعية والليبرالية والعلمانية والانظمة المعادية الاخرى , حتى اصبح المجتمع العراقي يعاني من تضخما مفرطا للذات , وتورما هائلا بالهويه , واضحت النرجسية صفة ملاصقة للشخصية العراقية . فيما وجدنا – على النقيض من ذلك – ندره ظاهرة في الدراسات النقدية والخطابات التحليلية والمؤلفات الموضوعية والعقلانية التي لم يتصدى لكتابتها وتدبيجها سوى الكتاب الليبراليون التنويريون الذين لايبحثون عن التبجيل والسمعة والاصوات, بقدر مايبحثون عن الاصلاح والتحديث والتطوير, وطرح الاشكالات المستعصية في البنى العراقية – كما هى – دون مجاملة او مواربة او رتوش .
الخاتمة
ختاما نقول : ان مايحرك العراقي ليس هو الذات او الوعي او العقل او العاطفة , بل هو النسق , حتى يمكن القول انه غارق في برودة النسق وتاه في غيبوبته . والعراقيين وان اختلفوا في افكارهم وانماطهم وتوجهاتهم وتياراتهم ومذاهبهم وشخصياتهم وعواطفهم وميولهم , الا ان هناك نسقا واحدا يوحدهم ويجمعهم وهو النسق العراقي الذي تحول الى ابستمية Epasteme اي بنية ثقافية لاشعورية ينظم حركة تفكير العراقي منذ عصور خلت , انه المحرك الخفي الذي يؤثر في الافراد ويؤثرون بدورهم فيه . فالابستمية عند ميشيل فوكو تشكل البنية المعرفية اللاشعورية التي توجه وتتحكم في تفكير حقبة تاريخية معينة . والانساق الثقافية العراقية هى بنيات ازلية يجب الكشف عنها , لانها هى من تحدد سلوكه واخلاقه وترسخ اختلالاته وسلبياته , فهى تعيد انتاج نفسها في كل دورة او عصر او حقبة , لان الخيط الخفي الذي يجمعها هو اعادة الانتاج Reproduction حسب تعبير بورديو , فهى تحمل بين طياتها مبدا ديمومتها واستمراريتها الخاصة , لانها تعيد انتاج نفسها من خلال الافراد انفسهم الخاضعين لهذا النسق .
ان الماساة الغامضة ستبقى تلاحق المجتمع العراقي على مدار العصور اذا بقيت انساقه نفسها , وسيبقى يعيد انتاج انماطه العليا نفسها من الحزن والتوتر والفتن والعنف والاحتراب مادام عنده هذا الاصرار العجيب والرضوخ المطلق والتمسك الغريب بتلك الانساق والتماهي معها دون الغاء او تصحيح او تعديل . ولايتصور احدا ان تقنين تلك الانساق والغائها يكون من خلال الشعارات اليوتوبية والنصائح المجانية والدعوات النظرية والدراسات الاكاديمية , بل ان الامر يحتاج تغيير الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي في البلاد اولا , وتبني مشاريع فكرية واصلاحية ذات قيم تنويرية وتحديثية وكونية ثانيا , ولكن قبل ذلك يجب الاعتراف بوجود هذه الانساق العراقية وسلبياتها وخطورتها والاشكالية التي تفرزها على صعيد الواقع المعاش اولا , حتى تكون مدخلا للاصلاح الشامل او الانطلاق نحو افق العصرنة , فالاعتراف بالمشكلة هو بداية حلها والتغاضي عنها والتدليس عليها هو استمرارية مؤكدة لنتائجها وتداعياتها , بل وترسيخها عبر الاجيال المتعاقبة .(فمن اجل تجاوز مرحلة ما والدخول الى مرحلة اخرى يجب ادراك المرحلة الاولى فكريا) – كما يقول غرامشي , لان السلاح الامضى لتفكيك تلك الانساق وتجاوزها وتعديلها هو الفكر الرصين والمعرفة الموضوعية , باعتباره يشكل مدخلا اوليا للاصلاح ومسارا ابتدائيا للانطلاق الذي يجب ان يكون مشروعا حكوميا متكاملا ومرتكزا مجتمعيا وشاملا واساسا نخبويا فاعلا .الدكتور سلمان الهلالي /الناصرية