الكاتب : هادي حسن عليوي
جاء في نظرات في كتاب الله عن اليهود والذين هادوا وأهل الكتاب والذين أوتوا الكتاب للكاتب عمرو الشاعر: فإذا تركنا اليهود والذين هادوا وانتقلنا إلى النصارى والذين قالوا إنا نصارى وجدنا أن “نصارى” ذُكرت دوما مرتبطة باليهود أو بالذين هادوا فإذا جاءت مرتبطة بالذين هادوا كانت في موطن رحمة: ” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ” (البقرة 62)، و “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ” (المائدة 69)، و “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” (الحج 17). و وإذا جاءت معطوفة على اليهود كانت إشارة إلى ضلال كما رأينا في الآيات السابقة التي تحدثت عن اليهود. وجاء “الذين قالوا إنا نصارى” في موطنين اثنين فقط كلاهما في المائدة الأول بعد الحديث عن أخذ الميثاق من بني إسرائيل. ونلاحظ أن الله تعالى لم يأخذ ميثاقهم كلهم وإنما أخذ الميثاق من بعضهم: “وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ” (المائدة 14). والموطن الثاني كان تميزا عن اليهود والذين أشركوا فهؤلاء أشد الناس عداوة للذين آمنوا أما أقربهم مودة فالذين قالوا إنا نصارى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ” (المائدة 82). ونلاحظ أن الله تعالى لم يأخذ الميثاق من النصارى وإنما من الذين قالوا “إنا نصارى” فهنا إشارة إلى أنه ليس ثمة دين اسمه النصرانية وإنما هناك قوم قالوا إنا نصارى (كما يقال وللأسف: سني وشيعي) ثم تحولت الصفة إلى اسم (كما اشتق اسم من الفعل: هاد يهود) فاسم الدين الحقيق ضاع تحت فعل وصفة. وبشكل عام فإن النصارى أقل سوءً من اليهود، وأفضلهم الذين قالوا إنا نصارى أما الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم أو إن الله ثالث ثلاثة فهؤلاء لم يعتبرهم القرآن من النصارى وإنما قال أنهم قد كفروا وأكدها بقوله “لقد” في ثلاث مواطن (وهي المواطن الوحيدة التي أكد فيها كفر أحد ب: لقد) فقال: “لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (المائدة 17)، و “لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ” (المائدة 72)، و “لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (المائدة 73).
عن مركز الامام الصادق اليهود في القرآن الكريم: بشّر اليهود بالنّبيّ ثمّ أنكروه: يقول الله عزّ وجلّ: “وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ” (البقرة 89). التّاريخ يذكر بأنّ اليهود كانوا يبحثون بولع شديد عن منطلق البعثة النّبويّة ليكونوا أوّل من يؤمن برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فهاجروا ليتّخذوا من يثرب سكنًا بعد أن وجدوا فيها ما يشير إلى أنّها أرض الرّسول المرتقب وبقوا فيها ينتظرون بفارغ الصّبر النّبيّ الّذي بشّرت به التّوراة كما كانوا ينتظرون الفتح والنّصر على الّذين كفروا تحت لواء هذا النّبيّ وكانوا يفتخرون أمام الأوس والخزرج بأنّهم سيكونون من خاصّة صحابة النّبيّ المبعوث. وإذا بهم يقفون إلى جانب أعداء النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بسبب لجاجهم وعنادهم ـ بينما التفّ حول الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم من كان بعيدًا عن هذه الأجواء. فالأهواء والمصالح الشّخصيّة لعبت دورًا بارزًا في إبعاد هذه الفئة عن الحقيقة وحوّلتهم إلى أعداء أشدّاء على المؤمنين. وقال الله سبحانه في هذا المجال: “وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” (البقرة 101). إثارة اليهود للفتن والحروب: يقول الله سبحانه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102)” (آل عمران 100-102) يتحدّث القرآن الكريم عن الأوس المدعومة من قبل يهود بني قينقاع، والخزرج المدعومة من قبل بني النّضير، لمّا أغرى قوم من اليهود بينهم بذكر حروبهم في الجاهليّة ليفتنوهم عن دينهم، الّذي خلّصهم من نزعات الجاهليّة وأحقادها وعداوتها وخصومتها وجعلهم متوادّين متحابّين متآلفين. وكاد يقع الصّدام بينهم فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فركب حمارًا وآتاهم ونهاهم عن عادات الجاهليّة خاصّة أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم بينهم، وقد أعزّهم الله بالإسلام فبكوا وعانق بعضهم بعضًا فنزلت الآيات المباركة. فتاريخهم إذن يشهد عليهم بأنّهم أهل فتن فهم الّذين أشعلوا الحرب العالميّة الثّانية وكثير من الحروب في هذا العصر سببها ومحرّكها هم اليهود أيضًا الخلافات والصّراعات بين الأحزاب والطّوائف، فعلينا أن نحذرهم ونفوّت عليهم مؤامراتهم وخططهم ونردّها إلى نحورهم.
جاء في موقع هدى القرآن عن انحرافات بني إسرائيل للدكتور سعيد أيوب: لقد تحدث الرسول الأعظم وتلى آيات ربه وأخبرهم بأنه لو قدر تعدد الآلهة لا نفرد كل منهم بما خلق، ونتيجة ذلك عدم انتظام الوجود. والوجود من أمامهم يرى منتظم متسق مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال، وأخبرهم أن تعدد الآلهة يكون من نتيجته أن يقوم كل منهم بقهر الآخر ويعلو بعضهم على بعض. أخبرهم بهذا وبأكثر من هذا كما في كتاب الله، ولكن رياح السلف كانت تعصف داخل الجماجم الفارغة التي لم تقدم حقيقة واحدة تثبت صدق ادعائها. واكتفوا بركوب دواب الأهواء التي يأكلون بها أموال الناس بالباطل واتجهوا بدوابهم وراء سلف ضل وأضل. ولله عليهم الحجة البالغة. وكما نهاهم القرآن أن يقولوا بأن لله ولد، نهاهم بأن لا يقولوا أن الله ثالث ثلاثة، وأن لا يقولوا على الله إلا الحق. قال تعالى: “يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً” (النساء 171). قال المفسرون: إنه خطاب للنصارى، وإنما خوطبوا بأهل الكتاب، وهو وصف مشترك إشعارا بأن تسميتهم بأهل الكتاب يقتضي أن لا يتجاوزوا حدود ما أنزله الله وبينه في كتبه. ومما بينه أن لا يقولوا عليه إلا الحق. وقوله: “إِنَّمَا الْمَسِيحُ” أي المبارك “عيسى ابن مريم” تصريح بالاسم واسم الأم. ليكون أبعد من التفسير والتأويل بأي معنى مغاير. وليكون دليلا على كونه إنسانا مخلوقا كأي إنسان ذي أم. “وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ” (النساء 171) تفسير لمعنى الكلمة، فإنه كلمة “كن” التي ألقيت إلى مريم البتول. لم يعمل في تكونه الأسباب العادية كالنكاح والأب. قال تعالى: “إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ” (آل عمران 47) فكل شئ كلمة له تعالى. غير أن سائر الأشياء مختلطة بالأسباب العادية. والذي اختص لأجله عيسى عليه السلام بوقوع اسم الكلمة. هو فقدانه بعض الأسباب العادية في تولده “وَرُوحٌ مِّنْهُ” (النساء 171) والروح من الأمر. قال تعالى: “قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي” (الاسراء 85) ولما كان عيسى عليه السلام. كلمة “كن” التكوينية وهي أمر فهو روح. فإذا كان كذلك وجب عليكم الإيمان بالله، ولا تقولوا ثلاثة، انتهوا. حال كون الأنتهاء. أو حال كون الإيمان بالله ورسله. ونفي الثلاثة خيرا لكم. “سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ” (النساء 171) فإن الولد كيفما فرض، هو الذي يماثل المولد في سنخ ذاته فتكونا منه. وإذا كان كل ما في السماوات والأرض مملوكا في أصل ذاته وآثاره لله تعالى. وهو القيوم لكل شئ وحده. فلا يماثله شئ من هذه الأشياء فلا ولد له.