![download (2)](https://iraqination.net/wp-content/uploads/2024/11/download-2-5.jpg)
اياد السماوي
قبل بضعة أيام وتحديدا في ١٢ / ١٢ / ٢٠٢٤ نشرت جريدة الشرق الأوسط مقالا تحت عنوان ( العودة إلى الدولة والشعب .. القرار الأسلم في الوقت الأصعب ) بأسم رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي ..
وقبل أن أبدأ ملاحظاتي حول ما جاء في هذا المقال ، أقول لمصطفى الكاظمي .. من يكتب هكذا مقال لا بدّ أن يكون على قدر كبير من المعرفة والوعي في مختلف المجالات الثقافية والفكرية خصوصا في تاريخ بلده ، وضليعا في أوضاع دول المنطقة ومجريات الأحداث فيها ولطبيعة أنظمة الحكم في هذه المنطقة الملتهبة .. فليس أنت من كتب هذا المقال يا مصطفى حيث يعلم جيدا أصحاب الرأي والضالعين في شؤون السياسة والأمن أنّك غير قادر على كتابة جملة واحدة مما جاء في هذا المقال ، أقول هذا ليس انتقاصا من قدراتك ومن إمكاناتك الفكرية والسياسية ، فالعراقيون قد خبروا جيدا هذه الإمكانات المتدنيّة وياما سخروا لبلاهة وسذاجة هذه الإمكانات ..
أعود لهذا المقال وأجزم إنه ليس للكاظمي ، وأبدأ معه من حيث بدأ ، ومقدّما أقرّ لكاتبه أنّ الزلزال العنيف الذي حصل في المنطقة بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد ، ستتبعه حتما ارتدادات عنيفة ، وأخشى ما أخشاه أن تكون هذا الإرتدادات أعنف درجة وقوّة وتدميرا من الزلزال نفسه ..
الكاتب في هذا المقال يطرح مقدمات تخص الأوضاع التي آلت إليها المنطقة بعد الزلزال العنيف الذي ضربها ، وينطلق بسؤال جوهري إلى الشيعة في عموم منطقة الشرق الأوسط وشيعة العراق تحديدا ، مفاد هذا السؤال هو ( ما يومنا التالي ، وما المطلوب منّا ) ، والكاتب ينطلق بهذا السؤال من دعوة ضرورية إلى إجراء مراجعةٍ نقدية ذاتيّة قائمة على معرفة ما جرى وما حدث طوال السنوات الماضية ، والنظر إلى النتائج التي تحقّقت والواقع المعاش الحالي ..
ثم ينطلق الكاتب بعد ذلك لمناقشة سلوك الجماعات المسلّحة في العراق ، فهو يعتبر أنّ هذه الجماعات لم تجر أيّ مراجعة جديّة لسلوكها إلا ما ندر ، وهذا أيضا صحيح إلى حدّ كبير ، ويعتبر أنّ التغيير في سلوك بعض هذه الجماعات ليس سوى خضوع لشبكة المصالح الاقتصاديّة التي تنامت وكبرت منذ دخولهم أكثر في دهاليز اللعبة السياسية – الاقتصاديّة ، وإصرارهم على الجمع بين فكرة الدولة واللادولة ، وهذا لا يُمكن فكيف للنقيضين أن يجتمعا ؟
الشيء الذي يعاب على كاتب هذا المقال أنّه أسقط فكره السياسي المعارض لما يسمّى بمحور المقاومة نزولا عند رغبة أعداء محور المقاومة وكجزء من الحملة الإعلامية التي تدعو لرفع راية الاستسلام والتخلّي عن الثوابت تحت ذريعة تغليب المصالح الخارجية على المصالح الوطنية ، وحين يناقش الكاتب فكرة الدولة واللا دولة فهو يفترض أنّ سلوك اللا دولة محصورا فقط على الجماعات والقوى السياسية الشيعية ، وكأنّ الشركاء الآخرين المشاركين في العملية السياسية الجارية في البلاد منذ عشرون عاما يتصرفون بسلوكهم وفقا لمنطق الدولة ؟؟ فالكاتب يتغاضى عن إقليم كردستان الذي يتصرّف كدولة مستقلّة داخل الدولة العراقية بل ليس في نظر الكاتب من يمارس سلطة اللا دولةً غير أذرع إيران ، أما أذرع أمريكا والسعودية وتركيا وباقي دول الإقليم ، فهي لا تمارس سلطة اللا دولة ، ثمّ ينتقل الكاتب إلى مفهوم الوطن والأمة ويعتبر هذه القوى التي تنتمي للمحور الإيراني ، قد أصبحت عاجزة عن تحديد بوصلتها بين الانتماء إلى الهوية الوطنية والانتماء إلى العقيدة ، وهذا غير صحيح بالمطلق ، فحين اندفعت داعش على مشارف بغداد عام ٢٠١٤ ، اندفعت هذه الجماعات العقيدية في الدفاع عن العراق أرضا وشعبا ومقدساتً ، ضاربة بذلك أصدق معاني الوطنية وأصدق معاني التضحية والفداء في سبيل الأوطان ، والقول إنّها أضاعت هويتها الوطنية هو قول مجاف للحقيقة ، وليس صحيحا أبدا أن ترمى هذه الجماعات بتهمة تغليب المصالح الخارجية على المصالح الوطنية الداخلية .. يتبع في الجزء الثاني
أياد السماوي في ١٧ / ١٢ / ٢٠٢٤