
الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
قال الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني عليه السلام في كتابه (التبصرة في التوحيد والعدل)، ما نصّه: (فَإن قِيل: فَمَا قَولُكم فِي فِسق أهل الصّلاة، المرتكِبين للكبَائر؟ قِيلَ لَه: نَقول إنّهُم مُعَذَّبون فِي الآخِرَةِ بالنّار، خَالدِين فِيهَا أبداً،”وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ” (النساء 14)، وقوله تعالى: “إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ” (الانفطار 13-16)، وقوله تعالى: “إِلَّا بَلَاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا” (الجن 23)، فهذه الآيات قد حكمت بأن كل من ارتكب الكبائر، ولزمه اسم الفسق معذب في النار أبداً).
جاء في موقع الزيدي عن عقيدة الخلود في ميزان الثقلين (كتاب الله – أهل البيت): قال الله تعالى: “قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا” (الكهف 110) الشّاهد: معلومٌ أخي الباحث أنّ العمَل والعقيدة هي أصل الأديان، فالعقيدة لا تنفعُ بدون عمَل، والعَمل لا يكونُ إلاّ بعقيدَة، وهذه قاعدَة عامّة، فالله سُبحانه وتعالى لن يتقبّل من أصحاب موسى إلاّ مَن كانَ ذا عقيدةٍ موسويّة صحيحة، وذا عملٍ واجتهادٍ لما تضمنتهُ عقيدة موسى عليه السلام، والأخير هُو العمل الصّالح، فالأصلُ إذاً، العقيدة الصحيحة والعمل الصّالح، فمن أتى من أصحاب نبيّنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهُو ذا عقيدَة صحيحة (بمعنى أنّه مُسلم غير مشرك ولا سيء في مُجمل عقيدته)، ولكنّه لم يعمَل صالحاً، كان يزني ويسرق ولا يتوانى عن القتل لأجل المال أو الجاه، وكان موالياً للكفرَة مُناصراً لهم ضد أهل القِبلَة، وماتَ وهُو مصرّ على هذه الأفعال الشنيعة، والكبائر المُوبقَة، فإنّه قول الله تعالى: “فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا” لا ينطبقُ عليه، ولو كان مِن أهل القبلَة (أي ليسَ بمُشركاً)، لأنّه أخلّ بشرط العمَل الصّالح الذي به وبالعقيدَة يفوزُ بلقاء الله، ولقاء الله تعالى يعني قَبولهُ والفوزُ برضاه ونعيمه، فقول الله تعالى: “فَمَن” خطابٌ عامٌ يدخلُ تحتهُ جميع المُكلّفين، “كَانَ يَرْجُو” أي يودّ ويرغَب ويطمَعُ، “لِقَاء رَبِّهِ” في الفَوز برضا الله تعالى، ونعيمه، وجنّته، فليلتزِم بشرطَين اثنين، الأوّل: “فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا” والأعمال الصّالحة هي أعمَال الجوارح من الالتزام بأمر الله والرّسول صلى الله عليه وآله وسلم، والانتهاء بنهيهِما، والشّرط الثاني للقَبول والنّعيم الإلهي: “وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا” أي أن يكونَ إلى جنب العمَل الصّالح سليمَ الاعتقَاد فلا يكونُ مُشركاً، أو مُخلاًّ بموجِبات الإيمان الصحيح، كالإيمان بالله تعالى تنزيهاً وتصديقاً وتعديلاً، والإيمان بملائكته تنزيهاً وتصديقاً، والإيمان بكتب الله تعالى تنزيهاً وتصديقاً واتّباعاً، والإيمان برسل الله تعالى تنزيهاً وتصديقاً واتّباعاً، والإيمان باليوم الآخر والبعث والحساب، والإيمان بقدر الله تعالى خيرهِ وشرّه، فهذه أعمال القلوب، وروى أهل البيت صلوات الله عليهم أنّ الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “الإيمان معرفةٌ بالقلب، وإقرارٌ باللسان، وعمَلٌ بالجوارِح”، نعم وهُنا يُسألُ المُخالِف الذي يطمعُ في أن يغفرَ الله، ويعَفُوَ، ويَقبل شفاعة الشّافعين، لصاحب الأعمال الغير الصّالحة من أهل القِبلَة من مُرتكبي الكبائر والرّذائل والفواحش، يُسألُ عن قول الله تعالى في الآية القريبة، وعن قوله جلّ شأنه في غير موضع من الكتاب العزيز، كقوله: “إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا” (الفرقان 70)، وقوله تعالى: “إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا” (الشعراء 227)، وقول الله تعالى: “فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ” (القصص:67)، وقول الله تعالى: “وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ” (العنكبوت:07)، وقول الله تعالى: “وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ” (العنكبوت 09)، وقول الله تعالى في حق زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا” (الأحزاب 31)، وقول الله تعالى: “الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ” (فاطر 07)، ففي هذه الآية وسابقاتها تأمّل كيف جعلَ الله الإيمان والعمل الصّالح شروطاً للمغفرة والأجر والثواب العظيم، فاسأل نفسَك أيّها المُخالِف هل سيستحقّ أصحاب الكبائر والفواحش من أهل الإسلام الأجر الكبير والمغفرَة والرّضوان؟ وهل شفاعَة الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم لهُم وإخراجُهم من النّيران إلاّ محض النعمَة والبُشرى والخَير والفَوز لهؤلاء المُجرمين، فهل يردّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم على كتاب الله يا معشر الفقهاء؟ أم تردّ سنّته على قرآنه يا معشَر العُلمَاء؟، “وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا” (النساء 82).
قال العلامة الحسن بن الإمام الهادي القاسمي، مُجتهداً في إحقاق الحقّ والردّ على ما بثّه صاحبُ (الروض الباسم)، وإثبات عقيدة عدم خروج أهل النار وتخليدهم، قال عليه السلام: (هَـذا وقد ورد من غَير مَا سَبق التّصريح بأنّ الظالم والفَاجر مِن أهل النار، قلنـا: التّخصيص بيان وآيات الوعيد وإن عم لفظها فالمَقام صَيّرها مِن قسم الخاص، لو لم يكن كَذلك لكان قد تعبّدنا بما ليس واقعاً من عدم خُروجِهم عِند نُزول الآية، فظهرَ أنه لا يَجُوز تأخير البَيان عن وَقت الحاجة، وبِهذِه المقَالة يُعرَفُ أنهم فُتِنوا كَما فُتِن بنوا إسرائيل (حين) قَالوا: “لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً ” (البقرة 80) قالوا: يُطهِّرُهم مِن الذنوب الدنيوية، فردّ الله عنهُم هذه المقَالة بقوله سبحانه وتعالى: “قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” (البقرة 80-81)، فعمّت كلّ مَن أحاطَت بِه خَطيئته فِي مَقام بَيان وتَعليم ومُحاجّة بين الفريقين، ونزولها جَواباً على الجميع، فامتنع تخصيصها فِي غير مَقام البَيان مع قوله تعالى: “لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ” (النساء 123)).
جاء في موقع الزيدي عن عقيدة الخلود في ميزان الثقلين (كتاب الله – أهل البيت): قال الله تعالى: “وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا * هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً” (النساء 107-109). الشّاهد: هذه الآية في إثبات المُراد من هذه الرّسالة، أوضحُ من الشّمس رابعَة النّهار، إذ الله سبحانه وتعالى يَنهى الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم عن المُجادلَة في المُنافقين العُصاة أصحاب الكبائر، “وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا”، ثمّ يُخبرُ الله تعالى بأنّهم وإن جادلوا عن هؤلاء الفسقَة العُصاة في الدّنيا، فإنّه لن يُجادلَ عنهُم أحدٌ يوم القيامَة، وأنّه لا وكيلَ لهُم ولا ناصر ولا مُعين، “هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً”،وهذا دليلٌ قاطعٌ صارمٌ لنفي الشفاعة المحمديّة لمَن لا يَرضَى الله عنهم من الفسقة وأصحاب الكبائر والعُصاة، ودليلٌ على أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ممنوعٌ بأمر الله تعالى من أن يُجادل أو يشفَع لأمثالهِم من النّاس (أصحاب الكبائر) الذين لا يَرضى الله أفعالَهم ولا أقوالَهُم.