نوفمبر 21, 2024
download

اسم الكاتب : حمزة الحسن

 شلون تموت وأنت من أهل العمارة ـــ شلون تموت ويوميتك ثلثمية ــ التمن مستوي والبانية نية ـــ والحامض حلو رد بصوانيه.

ليست مرثية فحسب بل رسالة عتاب كما لو ان موته العابر خطيئة

او أنه ثارد مع عزرائيل في اتفاق خلود ، فقط لأنه إبن العمارة.

لو فككنا هذه الأهزوجة حسب طريقة كلود ليفي شتراوس السويسري في تحليل

بنية الاساطير والامثال والحكم لوجدنا جانباً من طبيعة المجتمع آنذاك:

كان الراتب 300 درهم في اليوم يعد ثروة أقل من ربع دينار،

والطعام تمن رز وباميا ولا فواكه ولا بطيخ ومن الواضح انه بائع جوال يبيع الحلوى للاطفال،

وسقط لأي سبب،

ويبدو من نص التمن مستوي والبانية نية أنه مات فجأة قبل طبخ البانيا في الظهيرة خلال تجواله من الانهاك أو كبست عليه شاحنة وعادت الصرماية للدار: حامض حلو رد بصوانيه.

كيف يمكن فهم هذه الاهزوجة

خارج الاستعمال الشائع،

وما هي جذورها؟

تموت وأنت من أهل العمارة؟

هي مدينة في الجنوب العراقي

مركز مدينة ميسان أو ميشان السومرية،

مختصة وحدها بهذه الاهزوجة.

يبدو أن العماري لم يفق بعد

من صدمة الموت التي جرت في المكان نفسه،

في فجر التاريخ،

كما لو أننا مرة أخرى أمام خيبة جلجامش

ملك أور السومري الذي أصيب بصدمة عندما

اكتشف الجزء الفاني فيه،

فبحث عن الخلود هائماً على وجهه،

ويوم عثر على عشبة الخلود قرر

أن يسبح في النهر لكن الأفعى جاءت

وأكلت العشبة وربما هذا مصدر شعار الصيدليات

في العالم عن الأفعى الملتفة حول كأس،

وهناك من يرجعه الى اصول يونانية.

لكن سيدوري صاحبة الحانة البابلية

تنصحه في أن الخلود مستحيل في الحياة،

لا شيء يجعلك خالداً غير عمل كبير،

فبني سور أور وبقاياه موجودة حتى اليوم.

يقول الروائي الألماني غونتر غراس حامل

جائزة نوبل إنه يستغرب كيف

أهمل الباحثون ونقاد الرواية ملحمة جلجامش

التي يعود تاريخها الى عام 2000 قبل الميلاد،

كأول نص روائي آسر في التاريخ،

تعرض لقضية خالدة هي صراع الانسان

من أجل الخلود وكيف يمكن تجاوز

الموت بعمل كبير يبقى خالداً؟

إذن كيف تموت وأنت من أهل العمارة،

ليست مرثية بل صرخة احتجاج،

أو صيحة عتاب كما لو أن الموت خطأً.

هذه الصرخة يوم كان العماري

والعراقي عموماً يموت موتاً طبيعياً،

لكن العماري غير الإهزوجة بل نساها تماماً عندما صارت توابيت الجنود القتلى الفقراء

تصل المدينة كوقود لكل الحروب وعلف مدافع،

فصار يردح عند الجنازات القادمة من جبال الشمال في تلك الحروب المشؤومة:

” طركاعة اللّفت برزان،

بيّس بأهل العمارة”.

انتقل من الاحتجاج على الموت الطبيعي

الى الاحتجاج على القتل البشري، وتم تغيير الاهزوجة حسب المرحلة.

ومن غير المستبعد أن العماري والعراقي قد غير الشعار لكي ينسجم مع واقع اليوم:

” شلون تعيش وأنت من أهل العمارة”؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *