الكاتب : فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن الفاحشة “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” ﴿البقرة 268﴾ بِالْفَحْشَاءِ: بِ حرف جر، الْ اداة تعريف، فَحْشَاءِ اسم. هذا البخل واختيار الرديء للصدقة من الشيطان الذي يخوفكم الفقر، ويغريكم بالبخل، ويأمركم بالمعاصي ومخالفة الله تعالى، والله سبحانه وتعالى يعدكم على إنفاقكم غفرانًا لذنوبكم ورزقا واسعا. والله واسع الفضل، عليم بالأعمال والنيَّات.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” ﴿البقرة 268﴾ حذر تعالى من الشيطان المانع من الصدقة فقال “الشيطان يعدكم الفقر” بالنفقة في وجوه البر وبإنفاق الجيد من المال وقيل بتأدية الزكاة عليكم في أموالكم “ويأمركم بالفحشاء” أي بالمعاصي وترك الطاعات وقيل بالأنفاق من الرديء وسماه فحشاء لأن فيه معصية الله تعالى فإن الغني إذا ترك الأنفاق على وجه ذوي الحاجات من أقاربه وجيرانه أدى ذلك إلى التقاطع “والله يعدكم مغفرة منه” أي يعدكم بالأنفاق من خيار المال أن يستر عليكم ويصفح عن عقوبتكم “وفضلا” أي ويعدكم أن يخلف عليكم خيرا من صدقتكم ويتفضل عليكم بالزيادة في أرزاقكم وروي عن ابن عباس أنه قال اثنان من الله واثنان من الشيطان فاللذان من الله المغفرة على المعاصي والفضل في الرزق واللذان من الشيطان الوعد بالفقر والأمر بالفحشاء وروي عن ابن مسعود أنه قال للشيطان لمة وللملك لمة وروي مثله عن أبي عبد الله عليه السلام ثم قال فلمة الشيطان وعده بالفقر وأمره بالفحشاء ولمة الملك أمره بالأنفاق ونهيه عن المعصية “والله واسع” ذكرناه معناه فيما تقدم وقيل واسع معناه يعطي عن سعة بمعنى إن عطيته لا تضره ولا تنقص خزائنه “عليم” بمن يستحق العطية ومن لا يستحقها.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” ﴿البقرة 268﴾ إقامة للحجة على أن اختيار خبيث المال للأنفاق ليس بخير للمنفقين بخلاف اختيار طيبه فإنه خير لهم، ففي النهي مصلحة أمرهم كما أن في المنهي عنه مفسدة لهم، وليس إمساكهم عن إنفاق طيب المال وبذله إلا لما يرونه مؤثرا في قوام المال والثروة فتنقبض نفوسهم عن الإقدام إلى بذله بخلاف خبيثه فإنه لا قيمة له يعنى بها فلا بأس بإنفاقه، وهذا من تسويل الشيطان يخوف أولياءه من الفقر، مع أن البذل وذهاب المال والأنفاق في سبيل الله وابتغاء مرضاته مثل البذل في المعاملات لا يخلو عن العوض والربح كما مر، مع أن الذي يغني ويقني هو الله سبحانه دون المال، قال تعالى: “وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى” (النجم 48). وبالجملة لما كان إمساكهم عن بذل طيب المال خوفا من الفقر خطأ نبه عليه بقوله: الشيطان يعدكم الفقر، غير أنه وضع السبب موضع المسبب، أعني أنه وضع وعد الشيطان موضع خوف أنفسهم ليدل على أنه خوف مضر لهم فإن الشيطان لا يأمر إلا بالباطل والضلال إما ابتداء ومن غير واسطة، وإما بالآخرة و بواسطة ما يظهر منه أنه حق. ولما كان من الممكن أن يتوهم أن هذا الخوف حق وإن كان من ناحية الشيطان دفع ذلك باتباع قوله: “الشيطان يعدكم الفقر” بقوله: “ويأمركم بالفحشاء” أولا، فإن هذا الإمساك والتثاقل منهم يهيئ في نفوسهم ملكة الإمساك وسجية البخل، فيؤدي إلى رد أوامر الله المتعلقة بأموالهم وهو الكفر بالله العظيم، ويؤدي إلى إلقاء أرباب الحاجة في تهلكة الإعسار والفقر والمسكنة التي فيه تلف النفوس وانهتاك الأعراض وكل جناية وفحشاء، قال تعالى: “وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (التوبة 75-79). فحاصل حجة الآية: أن اختياركم الخبيث على الطيب إنما هو لخوف الفقر، والجهل بما يستتبعه هذا الأنفاق، أما خوف الفقر فهو إلقاء، شيطاني، ولا يريد الشيطان بكم إلا الضلال والفحشاء فلا يجوز أن تتبعوه، وأما ما يستتبعه هذا الأنفاق فهو الزيادة والمغفرة اللتان ذكرتا لكم في الآيات السابقة، وهو استتباع بالحق لأن الذي يعدكم استتباع الأنفاق لهذه المغفرة والزيادة هو الله سبحانه ووعده حق، وهو واسع يسعه أن يعطي ما وعده من المغفرة والزيادة وعليم لا يجهل شيئا ولا حالا من شيء فوعده وعد عن علم. قوله جل جلاله “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” ﴿النور 21﴾ تقدم تفسير الآية في الآية 208 من سورة البقرة في الجزء الثاني من الكتاب “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ” (البقرة 208). قوله تعالى: “ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا” إلى آخر الآية. رجوع بعد رجوع إلى الامتنان بالفضل والرحمة، لا يخلو هذا الاهتمام من تأييد لكون الإفك متعلقا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس إلا لكرامته على الله سبحانه. وقد صرح في هذه المرة الثالثة بجواب لولا وهو قوله: “ما زكى منكم من أحد أبدا” وهذا مما يدل عليه العقل فإن مفيض الخير والسعادة هو الله سبحانه، والتعليم القرآني أيضا يعطيه كما قال تعالى: “بيدك الخير” (آل عمران 26)، وقال: “ما أصابك من حسنة فمن الله” (النساء 79). وقوله: “ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم” إضراب عما تسمه فهو تعالى يزكى من يشاء فالأمر إلى مشيته، ولا يشاء إلا تزكية من استعد لها وسأله بلسان استعداده ذلك، وإليه يشير قوله: “والله سميع عليم” أي سميع لسؤال من سأله التزكية عليم بحال من استعد لها.
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جل جلاله “وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿الأعراف 28﴾ “وإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً” ضمير فعلوا يعود إلى الذين لا يؤمنون المذكورين في آخر الآية السابقة، وقال جماعة من المفسرين: ان المراد بالفاحشة ما كان يفعله عرب الجاهلية من الطواف بالبيت عراة نساء ورجالا. والصحيح انها تعم جميع المحرمات التي كانوا يقترفونها، وإذا نهوا عنها “قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا واللَّهُ أَمَرَنا بِها” وفعل الآباء حجة ودليل عند المشركين وغيرهم، حتى عند أكثر علماء الدين، ولكنهم لا يشعرون. أما زعم المشركين بأن اللَّه أمرهم بالفاحشة فقد استدلوا عليه بما حكاه سبحانه عنهم في الآية 149 من سورة الأنعام: “سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا ولا آباؤُنا” (الأنعام 149). ورد اللَّه عليهم هناك بقوله قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ. وفسرنا كلا من الزعم ودحضه. أما هنا فقد رد عليهم سبحانه بقوله: “قُلْ إِنَّ اللَّهً لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ” بل “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ” (البقرة 268). “أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ”. وكل من قال من غير علم فهو مفتر كذاب، وقد خاب من افترى.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” ﴿البقرة 268﴾ (الفحشاء) تعني كلّ عمل قبيح وشنيع، ويكون المراد به في سياق معنى الآية البخل وترك الأنفاق في كثير من الموارد حيث يكون نوعٌ من المعصية والإثم (رغم أنّ مفرده الفحشاء تعني عادةً الأعمال المنافية للعفّة ولكنّنا نعلم أنّ هذا المعنى لا يناسب السياق). حتّى أنّ بعض المفسّرين صرّح بأنّ العرب يسمّون الشخص البخيل (فاحش). ويحتمل أيضاً أنّ الفحشاء هنا بمعنى إختيار الأموال الرديئة وغير القابلة للمصرف والتصدّق بها، وقيل أيضاً: أنّ المراد بها كلّ معصية، لأنّ الشيطان يحمل الأنسان من خلال تخويفه من الفقر على اكتساب الأموال من الطرق غير المشروعة. والتعبير عن وسوسة الشيطان بالأمر (ويأمركم) إشارة لنفس الوسوسة أيضاً، وأساساً فكلّ فكرة سلبيّة وضيّقة ومانعة للخير فإنّ مصدرها هو التسليم مقابل وساوس الشيطان، وفي المقابل فإنّ كلّ فكرة إيجابيّة وبنّاءة وذات بعد عقلي فإنّ مصدرها هو الإلهامات الإلهيّة والفطرة السليمة. أنّ الآية تفيد أيضاً أنّ هناك نوعاً من الإرتباط بين ترك الإنفاق والفحشاء. فإذا كانت الفحشاء تعني البخل، فتكون علاقتها بترك الأنفاق هو أنّ هذا الترك يكرّس صفة البخل الذميمة في الأنسان شيئاً فشيئاً. وإذا كانت تعني الإثم مطلقاً أو الفحشاء في الاُمور الجنسية فإن علامة ذلك بترك الأنفاق لا تخفى، إذ أنّ منشأ كثير من المعاصي والأنحرافات الجنسية هو الفقر والحاجة. يضاف إلى ذلك أن للأنفاق آثاراً ونتائج معنوية مباركة لا يمكن إنكارها. جاء في تفسير (مجمع البيان) عن الإمام الصادق عليه السلام: (أنّ في الأنفاق شيئين من الله وشيئين من الشيطان، فاللذان من الله هما غفران الذنوب والسعة في المال، واللذان من الشيطان هما الفقر والأمر بالفحشاء).