ديسمبر 7, 2024
3906bcb97

الكاتب : فاضل حسن شريف

عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قال الله تعالى عن أمة “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ” ﴿آل عمران 110﴾ يقع الكلام في هذه الآية من وجوه: 1 – في المقصود بالأمة.. وليس من شك ان المراد بها هنا أمة محمد صلَّ الله عليه واله بدليل السياق وتوالي مخاطبات المؤمنين من قوله تعالى: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهً” “واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه” “واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ” “ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ” “ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا” إلى قوله سبحانه: كنتم خير أمة. 2 – هل المراد بالأمة جميع المسلمين في كل عصر، أو خصوص من كان منهم في الصدر الأول كالأصحاب والتابعين؟ الجواب: إن تعيين المراد بالأمة هنا يتوقف على معرفة المراد من (كان). وهي بحسب وضعها ناقصة تحتاج إلى اسم وخبر، وتدل على حدوث الفعل في آن مضى، مع سكوتها وعدم دلالتها على الآن السابق الذي حدث فيه الفعل، ولا على الزمان اللاحق له الا بقرينة مقالية أو مقامية، مثل كان زيد قائما فإنه محمول على حدوث القيام وانقطاعه، أي لم يكن زيد قائما فقام فترة من الزمن الماضي، دون أن يستمر قيامه مدى حياته، والذي أفاد هذا المعنى لفظ قائم بالذات، وقد تفيد القرينة المقامية القدم والدوام، مثل كان اللَّه غفورا رحيما، فان نسبة الرحمة والمغفرة إليه سبحانه لا تنفك عن ذاته أبدا وأزلا. وحيث ان اللَّه سبحانه قد أناط خيرية الأمة وفضلها بالإيمان به وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيكون معنى الآية أيها المسلمون لا تقولوا: نحن خير الأمم وأفضلها إلا إذا أمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر، وهذا الوصف يزول عنكم بمجرد اهمالكم لذلك، وعليه فإن (كان) هنا تامة غير ناقصة. وخير أمة حال من الضمير في كنتم، أي أنتم خير أمة في حال أمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر. 3 – ان قوله تعالى: “أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ” يشعر بأن اللَّه سبحانه أوجد محمدا وأمة محمد صلَّ الله عليه واله لتقود الأمم بكاملها حاملة كتاب اللَّه في يد، وسنّة نبيّه في يد، تدعو الأجيال إلى التمسك بهما، والرجوع إليهما في العقيدة والشريعة والأخلاق، لأنهما المصدران الوحيدان اللذان يحققان السعادة للجميع، ويضمنان العيش لكل فرد، ويفسحان المجال لأرباب الاجتهاد والكفاءات على أساس العدل والأمن والحرية للناس، كل الناس. وتتفق هذه الآية في مضمونها، أي كنتم خير أمة، مع الآية 143 من سورة البقرة: “وكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً”. وإذا لم ينهض المسلمون بعبء الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر زال عنهم وصف القيادة، وأصبحوا في حاجة إلى قائد يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر. وقد أتى على المسلمين حين من الدهر نهضوا فيه بهذا العبء، وكانوا بحق قادة الأمم، ثم أهملوه، وبمرور الزمن أصبحوا ينهون عن المعروف، ويأمرون بالمنكر كما نشاهد ذلك ونراه في هذا العصر الذي تحلل فيه أكثر أبناء الجيل من الدين، وكل خلق كريم، فإذا رأوا مصليا أو صائما يسخرون منه.

عن المدينة أون لاين (الأمة في القرآن الكريم): إن الأمة في القرآن الكريم تطلق ويراد بها: القوم المجتمعون على الدين الواحد، وقد ورد هذا في آيات كثيرة جدًا من القرآن منها قوله تعالى: “كان الناس أمة واحدة”، فقد صح عن ابن عباس وغيره أنه قال: كان الناس أمةً واحدة على الهدى؛ وكان بعد آدم عليه الصلاة والسلام عشرةُ قرون من ذريته كلهم كانوا على الإيمان والتوحيد، حتى جاءت الشياطين فاجتالتهم عن دينهم فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. فهذا معنى قوله: (أمة) وكذلك قوله تعالى: “كنتم خير أمة أخرجت للناس”؛ فالمقصود: أنهم كانوا أمة خير للبشرية لم يُخْرَجُوا لأنفسهم ليعيشوا لذواتهم وهمومهم الخاصة، وإنما أخرجوا ليعيشوا للناس معلمين، ومرشدين، وهادين، وقائدين لهم إلى الجنة، قال أبو هريرة رضى الله عنه كما في صحيح البخاري (4557) لما تلا هذه الآية: “كنتم خير أمة أخرجت للناس”: خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم، حتى يدخلوا في الإسلام، وجاء عن ابن عباس -رضى الله عنهما- قال في قوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس): هم الذين هاجروا مع الرسول –صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة. وقال عمر -رضى الله عنه- وقد تلا هذه الآية: لو شاء الله عز وجل لقال: أنتم، فكنّا كلّنا. ولكنه قال: “كنتم خير أمة أخرجت للناس” في خاصة أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن صنع مثل صنيعهم، و قال أيضًا -رضى الله عنه: تكون لأولنا ولا تكون لآخرنا (انظر تفسير الطبري، والدر المنثور- الآية 110 سورة آل عمران) وكأنه -رضى الله عنه- لمح هذا المعنى في قوله: (كنتم) فهو فعل ماضٍ، وهم كانوا في عصورهم الأولى “خير أمة أخرجت للناس” حين كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله؛ أما إذا فرّطوا في ذلك وتحالفوا على غير تقوى الله والإيمان به وقصّروا فيما أمر الله به من الشهادة على الناس فإنه لا يكون لهم ذلك.وقال قتادة: بلغنا أن عمر بن الخطاب في حجة حجها رأى من الناس رعة (أي هيئة غير حسنة) فقرأ هذه الآية (كنتم خير أمة أخرجت للناس) ثم قال: من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله -تعالى- فيها) رواه ابن جرير في تفسيره (الآية 110 من سورة آل عمران).وشرط الله الذي أشار إليه عمر هو قوله تعالى: (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). إن هذه الآيات وغيرها مما في معناها قررت لنا قاعدة إسلامية عريضة عظيمة إجماعية وهي: أن الله سبحانه وتعالى قد عقد راية الإخاء والولاء والمودة والمحبة بين أهل الإسلام، وهذا قرار إلهي عظيم صارم لا مجال للتردد فيه، يقول الله -سبحانه وتعالى-: “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون” والشيء اللافت للنظر في هذه السورة واسمها (الأنبياء) أن الآية نفسها تكررت في سورة بعدها وهي سورة (المؤمنون) ولاحظ الاسمين الأنبياء، والمؤمنون، في السورة الأولى ذكر الله قصص الأنبياء وأسماءهم، ذكر موسى وإبراهيم وهارون وعيسى وزكريا ويحيى وذا الكفل وذا النون وغيرهم من الأنبياء، ثم أثنى عليهم بما أثنى به، ثم قال: “إن هذه أمتكم أمة واحدة” وأدخل معهم مريم -عليها السلام- ولو لم تكن من الأنبياء ولكن الله تعالى ألحقها بهم لفضلها ومزيتها، ولأنها كانت أمًَّا لعيسى عليه الصلاة والسلام، فذكر الله هؤلاء الأنبياء، ثم قرر هذه القاعدة: “إن هذه أمتكم أمة واحدة” فما مرجع الضمير؟ وهل المقصود أن الأنبياء أمتكم؟ أو المقصود هذه الأمة المحمدية الخاتمة هي أمتكم؟اختلف المفسرون في هذا المعنى، والأقرب -والله تعالى أعلم: أن هذه آيات كرَّس الله تعالى فيها معنى الأمة الواحدة، وأنها بدأت بوجود آدم عليه الصلاة والسلام، وعَبَرت المراحل والسدود والحدود والأزمنة كلها، حتى آلت النوبة فيها إلى خاتم الرسل وسيدهم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، فكان حامل الراية وخاتم المرسلين، وإمامهم في الدنيا ويوم الدين، وكانت أمته هي خير الأمم وآخرها، وهي وريثة هدي الأنبياء ودعوتهم، ولهذا لا يوجد على ظهر الأرض منذ بُعث الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- أمة تحمل النور المتمثل في القرآن الكريم، وهذا الكتاب المعصوم من التحريف والتبديل، والزيادة والنقص “لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه”، “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”.

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قال الله تعالى عن أمة “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ” ﴿آل عمران 110﴾ مكافحة الفساد والدعوة إلى الحقّ أيضاً: في هذه الآية تطرح مرّة أُخرى مسألة (الأمر بالمعروف) و (النهي عن المنكر)، وتعتبر الآية الحاضرة هاتين المسألتين واجبين عموميين كما مرّ في تفسير الآية (104)، بينما تبين الآية السابقة مرحلة خاصّة، وهي مرحلة الوجوب الكفائي أي الخاصّ بجماعة معينة، كما مرّ تفصيله. فالآية السابقة تشير إلى القسم الخاصّ، وهذه الآية تشير إلى القسم العام من هاتين الفريضتين. والجدير بالذكر أن القرآن الكريم يصف المسلمين ـ في هذه الآية ـ بأنهم خير أمة هُيئت وعُبئت لخدمة المجتمع الإنساني، والدليل على أن هذه الأُمة خير أمة رشحت لهذه المهمة الكبرى هو (قيامها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإيمانها بالله) وهذا يفيد أن إصلاح المجتمع البشري لا يمكن بدون الإيمان بالله والدعوة إلى الحقّ، ومكافحة الفساد، كما ويستفاد من ذلك أن هاتين الوظيفتين مع ما هما عليه من السعة في الإسلام ممّا تفرد بهما هذا الدين من دون بقية الشرائع السابقة. أما لماذا يجب أن تكون هذه الأُمة خير الأمم، فسببه واضح كذلك. لأنها تختص بآخر الأديان الإلهية والشرائع السماوية، ولا شكّ أن هذا يقتضي أن يكون أكمل الشرائع وأتمها في سلم الأديان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *