فبراير 5, 2025
Dr Fadhil Sharif

فاضل حسن شريف

عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز وعلا “وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا” (النساء 159) كر علي بن إبراهيم في تفسيره أن أباه حدثه، عن سليمان بن داود المنقري، عن أبي حمزة الثمالي، عن شهر بن حوشب قال: قال الحجاج بن يوسف: آية من كتاب الله قد أعيتني قوله “وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ” الآية، والله. إني لآمر باليهودي والنصراني، فيضرب عنقه، ثم أرمقه بعيني، فما أراه يحرك شفتيه، حتى يحمل. فقلت: أصلح الله الأمير ليس على ما أولت. قال: فكيف هو؟ قلت: إن عيسى بن مريم ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا، ولا يبقى أهل ملة يهودي، أو نصراني، أو غيره، إلا وآمن به قبل موت عيسى، ويصلي خلف المهدي. قال: ويحك أنى لك هذا؟ ومن أين جئت به؟ قال: قلت: حدثني به الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام. قال: جئت والله بها من عين صافية. فقيل لشهر: ما أردت بذلك؟ قال: أردت أن أغيظه. وذكر أبو القاسم البلخي مثل ذلك. وضعف الزجاج هذا الوجه قال: إن الذين يبقون إلى زمن عيسى من أهل الكتاب، قليل، والآية تقتضي عموم إيمان أهل الكتاب، إلا أن جميعهم يقولون: إن عيسى الذي ينزل في آخر الزمان نحن نؤمن به. وثانيها: إن الضمير في به يعود إلى المسيح، والضمير في موته يعود إلى الكتابي، ومعناه: لا يكون أحد من أهل الكتاب، يخرج من دار الدنيا، إلا ويؤمن بعيسى قبل موته، إذا زال تكليفه، وتحقق الموت، ولكن لا ينفعه الإيمان حينئذ، وإنما ذكر اليهود والنصارى لان جميعهم مبطلون: اليهود بالكفر به، والنصارى بالغلو في أمره، وذهب إليه ابن عباس في رواية أخرى، ومجاهد، والضحاك، وابن سيرين، وجويبر، قالوا: ولو ضربت رقبته لم تخرج نفسه حتى يؤمن. وثالثها: أن يكون المعنى: ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم قبل موت الكتابي، عن عكرمة، ورواه أيضا أصحابنا، وضعف الطبري هذا الوجه بأن قال: ” لو كان ذلك صحيحا، لما جاز إجراء أحكام الكفار عليهم، إذا ماتوا “. وهذا لا يصح لان إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم إنما يكون في حال زوال التكليف، فلا يعتد به، وإنما ضعف هذا القول، من حيث لم يجر ذكر لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم ها هنا، ولا ضرورة توجب رد الكناية إليه، وقد جرى ذكر عيسى، فالأولى أن يصرف ذلك إليه. “وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا” يعني: عيسى يشهد عليهم بأنه قد بلغ رسالات ربه، وأقر على نفسه بالعبودية، وأنه لم يدعهم إلى أن يتخذوه إلها، عن قتادة، وابن جريج. وقيل: يشهد عليهم بتصديق من صدقه، وتكذيب من كذبه، عن أبي علي الجبائي. وفي هذه الآية دلالة على أن كل كافر يؤمن عند المعاينة، وعلى أن إيمانه ذلك غير مقبول، كما لم يقبل إيمان فرعون في حال اليأس عند زوال التكليف، ويقرب من هذا ما رواه الإمامية أن المحتضرين من جميع الأديان، يرون رسول الله وخلفائه عند الموت، ويروون في ذلك عن علي عليه السلام أنه قال للحارث الهمداني: يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا   يعرفني طرفه وأعرفه *  بعينه واسمه وما فعلا. فإن صحت هذه الرواية فالمراد برؤيتهم في تلك الحال: العلم بثمرة ولايتهم وعداوتهم، على اليقين، بعلامات يجدونها من نفوسهم، ومشاهدة أحوال يدركونها. كما قد روي أن الإنسان إذا عاين الموت، أري في تلك الحالة ما يدله على أنه من أهل الجنة، أو من أهل النار.

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز وعلا “وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا” (النساء 159) هنالك احتمالان في تفسير هذه الآية، وكل واحد منهما جدير بالملاحظة من جوانب متعددة: 1 ـ إنّ الآية تؤكّد أنّ أي إنسان يمكن أن لا يعتبر من أهل الكتاب ما لم يؤمن قبل موته بالمسيح عليه ‌السلام حيث تقول: “وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ…). وأن هذا الأمر يتمّ حين يشرف الإنسان على الموت وتضعف صلته بهذه الدنيا، وتقوى هذه الصلة بعالم ما بعد الموت، وترفع عن عينيه الحجب فيرى بعد ذلك الكثير من الحقائق ويدركها، وفي هذه اللحظة يرى المسيح بعين بصيرته ويؤمن به، فالذين أنكروا نبوته يؤمنون به، والذين وصفوه بالألوهية يدركون في تلك اللحظة خطأهم وانحرافهم. وبديهي أنّ مثل هذا الإيمان لا ينفع صاحبه، كما أنّ فرعون والأقوام الأخرى وأقوام استولى عليهم العذاب، فقالوا: آمنا فلم ينفعهم إيمانهم أبدا، فالأجدر بالإنسان أن يؤمن قبل أن تدركه لحظة العذاب عند الموت، حين لا ينفع الإيمان صاحبه. وتجدر الإشارة ـ هنا ـ إلى أنّ الضمير في عبارة (قبل موته) يعود لأهل الكتاب بناء على التّفسير الذي ذكرناه. 2 ـ قد يكون المقصود في الآية هو أنّ جميع أهل الكتاب يؤمنون بعيسى المسيح قبل موته، فاليهود يؤمنون بنبوته والمسيحيون يتخلون عن الاعتقاد بربوبية المسيح عليه ‌السلام، ويحدث هذا ـ طبقا للروايات الإسلامية ـ حين ينزل المسيح عليه ‌السلام من السماء لدى ظهور المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه، وواضح أن عيسى المسيح سيعلن في مثل هذا اليوم انضوائه تحت راية الإسلام، لأن الشريعة السماوية التي جاء بها إنّما نزلت قبل الإسلام، ولذلك فهي منسوخة به. وبناء على هذا التّفسير فإن الضمير في عبارة (قبل موته) يعود إلى عيسى المسيح عليه ‌السلام. وقد نقل عن النّبي محمّد صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم قوله: (كيف بكم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم) وطبيعي أنّ هذا التّفسير يشمل اليهود والمسيحيين الموجودين في زمن ظهور المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ونزول عيسى المسيح عليه ‌السلام من السماء. وجاء في تفسير (علي بن إبراهيم) نقلا عن (شهر بن حوشب) إنّ الحجاج ذكر يوما أن هناك آية في القرآن قد أتبعته كثيرا وهو حائر في معناها، فسأله (شهر) عن الآية، فقال الحجاج: إنّها آية “وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ…” وذكر أنّه قتل يهودا ومسيحيين ولم يشاهد فيهم أثرا لمثل هذا الإيمان. فأجابه (شهر) بأنّ تفسيره للآية لم يكن تفسيرا صحيحا، فاستغرب الحجاج وسأل عن التّفسير الصحيح للآية. فأجاب (شهر) بأنّ تفسير الآية هو أن المسيح ينزل من السماء قبل نهاية العالم، فلا يبقى يهودي أو غير يهودي إلّا ويؤمن بالمسيح قبل موته، وأن المسيح سيقيم الصّلاة خلف المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف. فلما سمع الحجاج هذا الكلام قال لـ (شهر) ويلك من أين جئت بهذا التّفسير؟ فأجابه (شهر) بأنّه قد سمعه من محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌ السلام. وعند ذلك قال الحجاج: (والله جئت بها من عين صافية).

ويستطرد الشيخ الشيرازي في تفسيره للآية المباركة النساء 159 قائلا: وتقول الآية في الختام: “وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً” أي شهادة المسيح عليه ‌السلام على قومه بأنّه قد بلّغهم رسالة الله ولم يدعهم لاتّخاذه إلها من دون الله، بل دعاهم إلى الإقرار بربوبية الله الواحد القهار. سؤال: وقد يعترض البعض بأنّ المسيح عليه ‌السلام ـ كما جاء في الآية (117) من سورة المائدة ـ إنّما يقصر شهادته على الزمن الذي كان هو موجودا فيه بين قومه ويتنصل عن الشهادة بالنسبة للأزمنة التي جاءت بعده، وذلك بدلالة الآية التي جاءت على لسانه وهي تقول: “وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” لكن الآية التي هي موضوع بحثنا الآن تدل على أنّ المسيح عليه ‌السلام يشهد على الجميع يوم القيامة، سواء أولئك الذين كانوا في عصره وزمانه أو الذين لم يكونوا في ذلك الزمان. الجواب: والجواب على هذا الاعتراض هو أنّنا لو أمعنا النظر في مضمون الآيتين المذكورتين، لرأينا أنّهما تدلان على أنّ الآية الأخيرة التي هي موضوع البحث ـ تتحدث عن الشهادة حول تبليغ الرسالة ونفي الألوهية عن المسيح عليه ‌السلام بينما الآية (117) من سورة المائدة تشهد على أعمال أولئك القوم. فالآية الأخيرة تذكر أنّ عيسى المسيح عليه ‌السلام سيشهد على جميع الذين نسبوا له الألوهية، سواء من كانوا في زمانه أو من جاءوا بعد ذلك الزمان، وأن المسيح عليه ‌السلام يؤكّد أنّه لم يدع هؤلاء القوم إلى مثل هذا الأمر أبدا، بينما الآية (117) من سورة المائدة تذكر على لسان المسيح عليه ‌السلام أنّه علاوة على الدعوة لرسالته بالأسلوب الصحيح، فهو قد حال طيلة فترة بقائه بين قومه ـ دون انحرافهم، إلّا أنّهم انحرفوا بعده ونسبوا له الألوهية في زمن لم يكن هو موجودا بينهم، ليشهد على أعمالهم وليحول دون انحرافهم.

وهنالك آيات فسرت بأنها اشارة للامام المهدي كما في قوله تعالى “وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ” (ال عمران 83) وهذا لم يحصل سابقا أو حاليا “لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ” (الصف 9)، و “وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ” (النساء 159) قسم من المفسرين تحدث ان هذه الآية تتحدث عن عيسى عليه السلام ولكنها في الحقيقة تتحدث عن المهدي عليه السلام لان الفرق الاسلامية تؤكد على صلاة عيسى خلف المهدي عليهما السلام حيث جاء في الحديث (كيف أنتم إذا نزل ‏ ‏ابن مريم ‏ ‏فيكم وإمامكم منكم).

جاء في كتاب نظرات معاصرة في القرآن الكريم للدكتور محمد حسين علي الصغير: وكانت نبوة عيسى عليه‌السلام فيصلاً بين الحق والباطل في مولده العجيب وسلوكه الانساني وصدره الرحيب، وما أيّده به الله تعالى من الآيات الباهرات والمعجزات الخوالد بما أقتصه في كتابه العزيز”إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي المَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ المَوْتَىٰ بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ” (المائدة 110). ومع هذه الدلائل الناصعة فقد انقسم الناس تجاهه إلى: كفرة به، ومشركين بالله، وقلة من المؤمنين، وآخرين قالوا هو ابن الله تعالى، ومنهم من قال هو ثالث ثلاثة، وتلاشت رسالته في المحبة والسلام إلا عند الحواريين وجملة من الصالحين، وأخيراً إجتمعوا على قتله صلباً، فشبه لهم في أمره، ورفع إلى السماء بأمر الله تعالى “وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا” (النساء 157-158). وأعطاه الله خصيصةً جديرة بالعناية، ومنحةً كبرى ينبغي الوقوف عندها بكثير من الرصد الخاص، لأنها ذات دلائل خاصة، يقول تعالى “وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا” (النساء 159). وهذه الخاصيّة الكبرى أن سيؤمن به أهل الكتاب جميعاً بعد نزوله إلى الأرض، لا شك لهم في ذلك، ومن ثم تترتب على هذا النزول ومشاهده وعوالمه وبركاته خصوصية أخرى بأن يكون عليهم شهيداً يوم القيامة، ويتحقّق ذلك إن شاء الله بعد صلاته خلف القائم من آل محمد عجل الله فرجه، في المسجد الأقصىٰ كما عليه روايات المسلمين كافة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *