فاضل حسن شريف
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى “بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا” (النساء 158) “بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ” يعني: بل رفع الله عيسى إليه، ولم يصلبوه، ولم يقتلوه، وقد مر تفسيره في سورة آل عمران عند قوله: “إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ”. “وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا” معناه: لم يزل الله سبحانه منتقما من أعدائه، حكيما في أفعاله وتقديراته، فاحذروا أيها السائلون محمدا أن ينزل عليكم كتابا من السماء، حلول عقوبة بكم، كما حل بأوائلكم في تكذيبهم رسله، عن ابن عباس. وما مر في تفسير هذه الآية من أن الله ألقى شبه عيسى على غيره، فإن ذلك من مقدور الله بلا خلاف بين المسلمين فيه، ويجوز أن يفعله الله سبحانه على وجه التغليظ للمحنة، والتشديد في التكليف، وإن كان ذلك خارقا للعادة، فإنه يكون معجزا للمسيح، كما روي أن جبرائيل كان يأتي نبينا في صورة دحية الكلبي. ومما يسأل عن هذه الآية أن يقال: قد تواترت اليهود والنصارى، مع كثرتهم، وأجمعت على أن المسيح قد قتل، وصلب، فكيف يجوز عليهم أن يخبروا عن الشيء بخلاف ما هو به؟ ولو جاز ذلك، فكيف يوثق بشيء من الأخبار؟ والجواب: إن هؤلاء دخلت عليهم الشبهة، كما أخبر الله سبحانه عنهم بذلك، فلم يكن اليهود يعرفون عيسى بعينه، وإنما أخبروا أنهم قتلوا رجلا. قيل لهم: إنه عيسى، فهم في خبرهم صادقون، وإن لم يكن المقتول عيسى، وإنما اشتبه الأمر على النصارى، لان شبه عيسى ألقي على غيره، فرأوا من هو على صورته مقتولا مسلوبا، فلم يخبر أحد من الفريقين إلا عما رآه، وظن أن الأمر على ما أخبر به، فلا يؤدي ذلك إلى بطلان الأخبار بحال.
كان عيسى عليه السّلام مؤيدا بروح القدس “وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ” (البقرة 87)، و رفعه اللّه إليه بعد الوفاة و طهره من الكافرين “إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّ وَ مُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا” (ال عمران 55)، و ” بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيما” (النساء 158). المسيح لقب لعيسى عليه السلام، وتعطي معاني منها الصديق والعرق والشئ الأملس. وسبب تسميته بالمسيح فقيل انه مسح الأرض اي تركها بدون قبر بل رفعه الله” بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا” (النساء 158). وفي رواية سمي عيسى بالمسيح لأنه إذا مسح ذو عاهة فإنه يبرئ. ورواية اخرى ان في جسده رائحة طيبة ممسوح بالبركة، او له مسحة من الجمال لانه جميل الشكل. وان المسيح أصله بالعبرية مشيحا كما اسم موسى يسمى موشى. كان عيسى عليه السّلام مؤيدا بروح القدس”وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ” (البقرة 87)، و رفعه اللّه إليه بعد الوفاة و طهره من الكافرين”إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّ وَ مُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا” (ال عمران 55)، و” بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيما” (النساء 158).
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى “بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا” (النساء 158) هذه هي الحقيقة رفع إلى اللَّه تعالى، لا قتل ولا صلب. وهنا تتوارد الأسئلة: كيف حصل الرفع؟ ومتى ؟ قبل صلب الشبيه، أو بعده؟ وهل الرفع كان بالروح فقط، أو بها وبالجسد؟ وهل رفع إلى السماء الثانية أو الثالثة، أو غيرها؟ وما ذا يصنع هناك ؟ وهل ينزل قبيل الساعة إلى الأرض؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي أجاب عنها القصاصون بما يشبه الأساطير. والقرآن الكريم لم يتعرض لشيء من ذلك من قريب أو بعيد، وكل ما دلت عليه آياته ان السيد المسيح لم يقتل ولم يصلب، وان اللَّه رفعه إليه، وان الذي قتل أو صلب شخص آخر، تخيل القتلة انه المسيح، ولا شيء في القرآن أكثر من ذلك، ونحن لا نخرج عن نصوصه في مثل هذا الموضوع إلا بحديث متواتر. بل لا نهتم بهذه الأسئلة وأجوبتها ما دمنا غير مسؤولين عنها، ولا مكلفين بها. وسبق أن تعرضنا لما قيل في المسيح عند تفسير الآية 58 من سورة آل عمران، فقرة الاختلاف في عيسى. وللتفكيه ننقل هذه الأسطورة عن بعض التفاسير، تقول الأسطورة: ان اللَّه رفع عيسى إليه، وكساه حلة من نور، وأنبت له جناحين من ريش، ومنعه من الطعام والشراب، وصيره من الملائكة يطير معهم حول العرش، وجعل فيه طبيعتين: ناسوتية، وملائكية.
تذكر القصص القرآنية اخبار عن هجرة الانبياء منها مريم وابنها عيسى عليهما السلام “وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَة ” (المؤمنون 50)، و عيسى عليه السلام هاجر الى السماء “بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ” (النساء 158). الوقائع التاريخية في القرآن الكريم تبين أن أنبياء هاجروا قسرا منهم إبراهيم وإسماعيل ولوط ويوسف وموسى وهارون وشعيب وعيسى ومحمد عليهم السلام الى مكة والمدينة والأرض المقدسة ومصر. وكذلك هجرة أئمة اهل البيت عليهم السلام منهم الكاظم والرضا والهادي والعسكري عليهم السلام الى بغداد وطوس وسامراء.
جاء في موقع هدى القرآن عن انحرافات بني إسرائيل للدكتور سعيد أيوب: وبدأ اليهود يعدون العدة للفتك بالمسيح عليه السلام كما فتكوا من قبل بزكريا ويحيى عليهما السلام ولكن الله تعالى نجا المسيح ابن مريم من أيديهم، وما وجدوا في بيت المسيح إلا شبيه المسيح. الذي ألقى الله عليه الشبه بعد رفع المسيح إليه، وخرج اليهود يهللون لأنتصارهم الكبير يقول تعالى: “وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا” (النساء 157-158). قال المفسرون: ينص على أنه عليه السلام لم يتوف بأيديهم لا صلبا ولا غير مصلوب، بل شبه لهم أمره. فأخذوا غير المسيح عليه السلام مكان المسيح فقتلوه أو صلبوه. وقد وردت به روايات أن الله تعالى ألقى شبهه على غيره فأخذ وقتل مكانه. وقوله: “وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾ أي اختلفوا في عيسى أو في قتله “لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ” (النساء 157) أي في جهل بالنسبة إلى أمره “مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ” (النساء 157) أي التخمين أو رجحان ما أخذه بعضهم من أفواه بعض. وقوله: “وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا” أي ما قتلوه قتل يقين، أو ما قتلوه أخبرك خبر يقين وقوله. “بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ” (النساء 158) وهذه الآية بحسب السياق. تنفي وقوع ما ادعوه من القتل والصلب عليه. فقد سلم من قتلهم وصلبهم. وظاهر الآية أيضا. أن الذي ادعوا إصابته بالقتل والصلب، وهو عيسى عليه السلام، رفعه الله بشخصه البدني، وحفظه من كيدهم، فعيسى رفع بجسمه وروحه، لا أنه توفي ثم رفع روحه إليه تعالى، فهذا مما لا يحتمله ظاهر الآية بمقتضى السياق، فإن الإضراب الواقع في قوله: “بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ” وهذه الآية يتم بمجرد رفع الروح بعد الموت الذي يصح أن يجامع القتل والموت حتف الأنف. وبعد ذلك كله فالآيات التي جاءت بعد ذلك في سورة النساء، لا تخلوا عن إشعار أو دلالة على حياته عليه السلام وعدم توفيه بعد. لم يتوف المسيح عليه السلام بقتل أو صلب ولا بالموت حتف الأنف. وسيظهر آخر الزمان ليدافع عن اسمه أمام مسيح دجال وقف دليلا لأصحاب جميع الانحرافات والشذوذ. ولن يكون أتباع المسيح ابن مريم أولئك الذين قالوا بأن المسيح ابن الله أو الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة فجميع هؤلاء سيجدون كراسيهم وطعامهم عند مسيح آخر دجال. إذا ادعى النبوة صدقوه وإذا ادعى الألوهية صدقوه، لأنهم تربوا على ثقافة تقول بأن لله ولد أو بأن لله جسد على هيئة الإنسان. فهؤلاء لن يشعروا بالغربة وهم مع المسيح لأنه امتدادا لأنحرافهم. والدجال سيدعي كل هذا. سيطالب بميراث بني إسرائيل. فيصطف خلفه بني إسرائيل وخدام وكلاب بني إسرائيل. ثم يجري الله على يديه بعض الفتن. فيشفي الأكمه والأبرص فيتذكر النصارى معجزات المسيح ويهرولون إليه، ثم يدعي الألوهية، ليذوق الذين رفضوا البشر الرسول والذين جحدوا بآيات الله الذل على أيدي الدجال أذل خلق الله.