فاضل حسن شريف
الآية الكريمة المائدة 3 تحتوي على عدد من المفاهيم أهمها إكمال الدين وإتمام النعمة. وفي بدايتها تتحدث عن تحريم اللحوم و مصطلحات منها النصب والأزلام والمخمصة والمتجانف والإثم.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله سبحانه “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” ﴿المائدة 3﴾ بين سبحانه ما استثناه في الآية المتقدمة بقوله إلا ما يتلى عليكم، فقال مخاطبا للمكلفين “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ” أي: حرم عليكم أكل الميتة والانتفاع بها، وهو كل ما له نفس سائلة من دواب البر وطيره، مما أباح الله أكله، أهليهما ووحشيهما، فارقه روحه من غير تذكية. وقيل الميتة: كل ما فارقته الحياة من دواب البر وطيره، بغير تذكية، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سمى الجراد والسمك ميتا، فقال: ” ميتتان مباحتان الجراد والسمك ” “وَالدَّمُ” أي: وحرم عليكم الدم، وكانوا يجعلونه في المباعر، ويشوونه، ويأكلونه، فأعلم الله سبحانه أن الدم المسفوح أي: المصبوب، حرام. فأما المتلطخ باللحم، فإنه كاللحم، وما كان كاللحم مثل الكبد، فهو مباح. وأما الطحال فقد رووا الكراهية فيه، عن علي عليه السلام، وابن مسعود، وأصحابهما وأجمعت الإمامية على أنه حرام، وذهب سائر الفقهاء إلى أنه مباح. “وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ” وإنما ذكر لحم الخنزير، ليبين أنه حرام بعينه، لا لكونه ميتة، حتى إنه لا يحل تناوله، وإن حصل فيه ما يكون ذكاة لغيره. وفائدة تخصيصه بالتحريم مع مشاركة الكلب إياه في التحريم، حالة وجود الحياة، وعدمها، وكذلك السباع، والمسوخ، وما لا يحل أكله من الحيوانات أن كثيرا من الكفار اعتادوا أكله، وألفوه أكثر مما اعتادوا في غيره “وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ”: موضع “ما” رفع، وتقديره وحرم عليكم ما أهل لغير الله به، وقد ذكرنا معناه في سورة البقرة، وفيه دلالة على أن ذبائح من خالف الإسلام لا يجوز أكله، لأنهم يذكرون عليه اسم غير الله، لأنهم يعنون به من أبد شرع موسى، أو اتحد بعيسى، أو اتخذه ابنا، وذلك غير الله. فأما من أظهر الإسلام، ودان بالتجسيم، والتشبيه، والجبر، وخالف الحق، فعندنا لا يجوز أكل ذبيحته، وفيه خلاف بين الفقهاء “وَالْمُنْخَنِقَةُ” وهي التي يدخل رأسها بين شعبتين من شجرة، فتنخنق وتموت، عن السدي. وقيل: هي التي تخنق بحبل الصائد، فتموت، عن الضحاك، وقتادة. وقال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يخنقونها فيأكلونها “وَالْمَوْقُوذَةُ” وهي التي تضرب حتى تموت، عن ابن عباس، وقتادة، والسدي. “وَالْمُتَرَدِّيَةُ” وهي التي تقع من جبل، أو مكان عال، أو تقع في بئر فتموت، عن ابن عباس، وقتادة، والسدي. ومتى وقع في بئر، ولا يقدر على تذكيته، جاز أن يطعن ويضرب بالسكين في غير المذبح، حتى يبرد، ثم يؤكل “وَالنَّطِيحَةُ” وهي التي ينطحها غيرها، فتموت. “وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ” أي: وحرم عليكم ما أكله السبع، بمعنى قتله السبع، وهي فريسة السبع، عن ابن عباس، وقتادة، والضحاك. “إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ”، يعني: إلا ما أدركتم ذكاته فذكيتموه، من هذه الأشياء. وموضع “ما” نصب بالاستثناء وروي عن السيدين الباقر والصادق عليهما السلام: إن أدنى ما يدرك به الذكاة، أن تدركه يتحرك أذنه، أو ذنبه، أو تطرف عينه، وبه قال الحسن، وقتادة، وإبراهيم، وطاوس، والضحاك، وابن زيد. واختلف في الاستثناء إلى ماذا يرجع، فقيل: إلى جميع ما تقدم ذكره من المحرمات، سوى ما لا يقبل الذكاة من الخنزير والدم، عن علي عليه السلام، وابن عباس. وقيل: هو استثناء من التحريم لا من المحرمات، لأن الميتة لا ذكاة لها، ولا الخنزير، فمعناه: حرمت عليكم سائر ما ذكر إلا ما ذكيتم، مما أحله الله لكم بالتذكية، فإنه حلال لكم، عن مالك، وجماعة من أهل المدينة، واختاره الجبائي. ومتى قيل: ما وجه التكرار في قوله: والمنخنقة والموقوذة إلى آخر ما عدد تحريمه، مع أنه افتتح الآية “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ” والميتة تعم جميع ذلك، وإن اختلفت أسباب الموت، من خنق، أو ترد، أو نطح، أو إهلال لغير الله به، أو أكل سبع ؟ فالجواب: إن الفائدة في ذلك أنهم كانوا لا يعدون الميتة إلا ما مات حتف أنفه من دون شيء من هذه الأسباب، فأعلمهم الله سبحانه أن حكم الجميع واحد، وأن وجه الاستباحة هو التذكية المشروعة فقط. قال السدي: إن ناسا من العرب كانوا يأكلون جميع ذلك، ولا يعدونه ميتا، إنما يعدون الميت الذي يموت من الوجع.
ويستطرد الشيخ الطبرسي في تفسير الآية المائدة 3 متحدثا عن النصب والأزلام ويأس الكافرين وعدم الخشية منهم: “وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ”: يعني الحجارة التي كانوا يعبدونها، وهي الأوثان، عن مجاهد، وقتادة، وابن جريج: يعني وحرم عليكم ما ذبح على النصب، أي على اسم الأوثان. وقيل: معناه وما ذبح للأوثان تقربا إليها، واللام وعلى متعاقبان، ألا ترى إلى قوله تعالى: “فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ” بمعنى عليك، وكانوا يقربون ويلطخون أوثانهم بدمائها، قال ابن جريج: ليست النصب أصناما، إنما الأصنام ما تصور وتنقش، بل كانت أحجارا منصوبة حول الكعبة، وكانت ثلاثمائة وستين حجرا. وقيل: كانت ثلاثمائة منها لخزاعة، فكانوا إذا ذبحوا، نضحوا الدم على ما أقبل من البيت، وشرحوا اللحم، وجعلوه على الحجارة، فقال المسلمون: يا رسول الله كان أهل الجاهلية يعظمون البيت بالدم، فنحن أحق بتعظيمه فأنزل الله سبحانه: “لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا” الآية. “وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ” موضعه رفع، أي: وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام، ومعناه: طلب قسم الأرزاق بالقداح التي كانوا يتفاءلون بها في أسفارهم، وابتداء أمورهم، وهي سهام كانت للجاهلية، مكتوب على بعضها أمرني ربي، وعلى بعضها نهاني ربي وبعضها غفل، لم يكتب عليه شيء. فإذا أرادوا سفرا، أو أمرا، يهتمون به، ضربوا على تلك القداح، فإن خرج السهم الذي عليه ” أمرني ربي ” مضى الرجل في حاجته، وإن خرج الذي عليه ” نهاني ربي ” لم يمض. وإن خرج الذي ليس عليه شيء أعادوها. فيبين الله تعالى أن العمل بذلك حرام عن الحسن، وجماعة من المفسرين. وروى علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادقين عليه السلام: إن الأزلام عشرة: سبعة لها أنصباء، وثلاثة لا أنصباء لها، فالتي لها أنصباء: الفذ، والتوأم، والمسبل، والنافس، والحلس، والرقيب، والمعلى. فالفذ له سهم. والتوأم سهمان. والمسبل له ثلاثة أسهم. والنافس له أربعة أسهم. والحلس له خمسة أسهم. والرقيب له ستة أسهم. والمعلى له سبعة أسهم. والتي لا أنصباء لها: السفيح، والمنيح، والوغد، وكانوا يعمدون إلى الجزور، فيجزؤونه أجزاء، ثم يجتمعون عليه، فيخرجون السهام، ويدفعونها إلى رجل، وثمن الجزور على من تخرج له التي لا أنصباء لها، وهو القمار، فحرمه الله تعالى. وقيل: هي كعاب فارس والروم التي كانوا يتقامرون بها، عن مجاهد. وقيل: هو الشطرنج، عن أبي سفيان بن وكيع. “ذَلِكُمْ فِسْقٌ” معناه: إن جميع ما سبق ذكره فسق، أي: ذنب عظيم، وخروج من طاعة الله إلى معصيته، عن ابن عباس. وقيل: إن ذلكم إشارة إلى الاستقسام بالأزلام أي: إن ذلك الاستقسام فسق، وهو الأظهر. “الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ” ليس يريد يوما بعينه، بل معناه: الآن يئس الكافرون من دينكم، كما يقول القائل: اليوم قد كبرت يريد إن الله تعالى حول الخوف الذي كان يلحقهم، من الكافرين اليوم إليهم، ويئسوا من بطلان الإسلام، وجاءكم ما كنتم توعدون به في قوله: “لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ” والدين: اسم لجميع ما تعبد الله به خلقه، وأمرهم بالقيام به، ومعنى “يَئِسُوا”: انقطع طمعهم من دينكم أن تتركوه، وترجعوا منه إلى الشرك، عن ابن عباس، والسدي، وعطا. وقيل: إن المراد باليوم يوم عرفة من حجة الوداع، بعد دخول العرب كلها في الإسلام، عن مجاهد، وابن جريج، وابن زيد. وكان يوم جمعة، ونظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم ير إلا مسلما موحدا، ولم ير مشركا. “فَلَا تَخْشَوْهُمْ” خطاب للمؤمنين، نهاهم الله أن يخشوا ويخافوا من الكفار أن يظهروا على دين الإسلام، ويقهروا المسلمين، ويردوهم عن دينهم “واخشون” أي: ولكن اخشوني، أي: خافوني إن خالفتم أمري، وارتكبتم معصيتي، أن أحل بكم عقابي، عن ابن جريج، وغيره.
وعن إكمال الدين وإتمام النعمة في الآية الكريمة المائدة 3 يقول الشيخ الطبرسي في تفسيره مجمع البيان: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ” قيل فيه أقوال أحدها: إن معناه أكملت لكم فرائضي وحدودي، وحلالي وحرامي، بتنزيلي ما أنزلت، وبياني ما بينت لكم، فلا زيادة في ذلك ولا نقصان منه بالنسخ بعد هذا اليوم، وكان ذلك يوم عرفة عام حجة الوداع، عن ابن عباس، والسدي، واختاره الجبائي، والبلخي، قالوا: ولم ينزل بعد هذا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيء من الفرائض في تحليل ولا تحريم، وإنه مضى بعد ذلك بإحدى وثمانين ليلة. فإن اعترض معترض، فقال: أكان دين الله ناقصا، وقتا من الأوقات، حتى أتمه في ذلك اليوم ؟ فجوابه: إن دين الله لم يكن إلا في كمال، كاملا في كل حال، ولكن لما كان معرضا للنسخ والزيادة فيه، ونزول الوحي بتحليل شيء، أو تحريمه، لم يمتنع أن يوصف بالكمال، إذا أمن من جميع ذلك فيه، كما توصف العشرة بأنها كاملة، ولا يلزم أن توصف بالنقصان، لما كانت المائة أكثر منها وأكمل. وثانيها: إن معناه اليوم أكملت لكم حجكم، وأفردتكم بالبلد الحرام، تحجونه دون المشركين، ولا يخالطكم مشرك، عن سعيد بن جبير، وقتادة، واختاره الطبري، قال: لان الله سبحانه أنزل بعده “يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ”. قال الفراء: وهي آخر آية نزلت، وهذا الذي ذكره لو صح لكان لهذا القول ترجيح، لكن فيه خلاف. وثالثها: إن معناه اليوم كفيتكم الأعداء، وأظهرتكم عليهم، كما تقول: الآن كمل لنا الملك، وكمل لنا ما نريد، بأن كفينا ما كنا نخافه، عن الزجاج، والمروي عن الإمامين أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنه إنما أنزل بعد أن نصب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام للأنام، يوم غدير خم منصرفه عن حجة الوداع، قالا: وهو آخر فريضة أنزلها الله تعالى، ثم لم ينزل بعدها فريضة. وقد حدثنا السيد العالم أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني، قال: حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني، قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي، قال: أخبرنا أبو بكر الجرجاني، قال حدثنا أبو أحمد البصري، قال: حدثنا أحمد بن عمار بن خالد، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلت هذه الآية، قال: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، وولاية علي بن أبي طالب من بعدي، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاده، وانصر من نصره، واخذل من خذله. وقال علي بن إبراهيم في تفسيره: حدثني أبي عن صفوان، عن العلا ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان نزولها بكراع الغميم ، فأقامها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجحفة. وقال الربيع بن أنس: نزلت في المسير في حجة الوداع. “وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي” خاطب سبحانه المؤمنين بأنه أتم النعمة عليهم بإظهارهم على المشركين، ونفيهم عن بلادهم، عن ابن عباس، وقتادة. وقيل: معناه أتممت عليكم نعمتي، بأن أعطيتكم من العلم والحكمة، ما لم يعط قبلكم نبي ولا أمة. وقيل: إن تمام النعمة دخول الجنة. “وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا” أي: رضيت لكم الإسلام لأمري، والانقياد لطاعتي، على ما شرعت لكم من حدوده وفرائضه، ومعالمه، دينا أي: طاعة منكم لي، والفائدة في هذا أن الله سبحانه، لم يزل يصرف نبيه محمدا وأصحابه في درجات الإسلام ومراتبه، درجة بعد درجة، ومنزلة بعد منزلة، حتى أكمل لهم شرائعه، وبلغ بهم أقصى درجاته ومراتبه، ثم قال: رضيت لكم الحال التي أنتم عليها اليوم، فالزموها ولا تفارقوها، ثم عاد الكلام إلى القضية المتقدمة في التحريم والتحليل وإنما ذكر قوله “الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا” إلى قوله “وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا” اعتراضا. “فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ” معناه: فمن دعته الضرورة في مجاعة، حتى لا يمكنه الامتناع من أكله، عن ابن عباس، وقتادة، والسدي “غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ” أي: غير مائل إلى إثم، وهو نصب على الحال، يعني: فمن اضطر إلى أكل الميتة، وما عدد الله تحريمه عند المجاعة الشديدة، غير متعمد لذلك، ولا مختار له، ولا مستحل له، فإن الله سبحانه أباح تناول ذلك له، قدر ما يمسك به رمقه، بلا زيادة عليه، عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، وبه قال أهل العراق. وقال أهل المدينة: يجوز أن يشبع منه عند الضرورة. وقيل: إن معنى قوله: “غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ” غير عاص، بأن يكون باغيا، أو عاديا، أو خارجا في معصية، عن قتادة “فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ”: في الكلام محذوف دل عليه ما ذكر، والمعنى: فمن اضطر إلى ما حرمت عليه، غير متجانف لإثم، فأكله، فإن الله غفور لذنوبه، ساترا عليه أكله، لا يؤاخذه به، وليس يريد أنه يغفر له عقاب ذلك الأكل، لأنه أباحه له، ولا يستحق العقاب على فعل المباح، وهو رحيم: أي رفيق بعباده، ومن رحمته أباح لهم ما حرم عليهم في حال الخوف على النفس.