فبراير 5, 2025
download (1)

الشيخ عز الدين محمد البغدادي

هناك كلمة مشهورة للإمام علي (ع) تقول: “العلم نقطة كثّرها الجاهلون”، وهذه الكلمة توقف عندها كثيرون، فلماذا وصف العلم بأنها نقطة؟ ولماذا قال أن من يوسعها ويكبرها هم الجاهلون مع إن من يكبر العلم هم العلماء وليس الجهلة؟

هذه العبارة مهمة جدا، والمراد منها هو أن تضخيم المنظومة المعرفية الدينية سوف يؤدي الى تعقيد الدين من جهة، واضعاف تأثيره وتضييع قيمه التي تمثل الجزء الأهم فيه من جهة أخرى.. فالعلم الديني في حقيقته يتكون مبادئ معرفية من جهة وأخلاقية من جهة أخرى، وأن من يقوم بتضخيمها هو جاهل في حقيقة الأمر، وإن ظن هو وغيره أنه أحسن بما أضافه، بينما هو واقعا وهم لا ينفعه في دنيا ولا آخرة. فهو وإن كان علما صورة إلا أنه جهل حقيقة، لأن الجهل متعدد وكثير ومتناقض ومتضارب ومعقد وغير واضح،

وللأسف تجد أن العلوم الشرعية تضخمت جدا في هذا الزمن. فالعقائد تحولت من صورتها البسيطة والمباشرة إلى كتب ضخمة معقدة كالتجريد والمواقف وشرح العضدية وشروحها. ولا يقل علم الاصول عن ذلك حيث تعقد وتحول من علمي آليّ في حقيقته إلى علم قائم بذاته، وكثير من مسائله رغم تعقيدها الا انه لا يترتب عليها أثر في الاستنباط الفقهي. وأما الفقه  فحدث ولا حرج، فالتطويل والتعقيد من أهم من يتميز به الدرس الفقهي، حتى ذكر السيد محسن الامين عن احد الفقهاء انه كان يجتمع اليه الطلبة فيعينون مسألة ما ويأخذ في ذكر الأقوال والأدلة والنقض والإبرام ثم يكثر فيها الوجوه والاحتمالات ويطول الكلام في المسألة الواحدة أياما وأشهر ثم ينقطع عن الدرس!!

وذكرني هذا بما قاله بأحد المشايخ المولع بالتعقيد والذي أورد في أول بحثه عن أحكام الماء أربعة عشر تعريفا للماء، وناقشها!! وهذا ما أثر كثيرا على المشتغلين بالعلوم الشرعية، فصار عند كثير منهم حدة مزاج، وابتعاد عن واقع الحياة، وانشغال بما لا نفع فيه، وانصراف عما هو أجدر ان يشتغل به. حتى ان من الصعوبة أن تجد من طلبة العلم من لديه تحصيل حقيقي منظم الا القلة القليلة، فترى معظمهم يدرسون ويتعبون أنفسهم دون أن يحصلوا على شيء نافع غير كلمات تلوكها ألسنتهم وسفسطة تمنعهم عن فهم الامور كما هي مع اعوجاج في السليقة وكثرة شبهات، فضلا عما رافق ذلك من ضعف الشعور الاخلاقي والابتعاد عن ساحة العمل الاجتماعي، فضلا عن الغرور الزائف الذي تجده عند كثير من طلبة وأساتذة العلوم الشرعية.

 ولأهمية ودلالة هذه العبارة، فقد كتب كثيرون في شرح هذه الكلمة، فكتب عبد الغنى بن اسماعيل النابلسي “زيادة البسطة في بيان العلم نقطة”،  وكتب الفقيه المالكي احمد بن محيى الدين بن مصطفى الاغريسي ” نثر الدر وبسطه في بيان كون العلم نقطة” وكتب الخواجة الطوسي “النقطة القدسية” وكتب جلال الدين علي عنقا الطالقاني “مثنوى في شرح حديث العلم نقطة كثرها الجاهلون” وغير ذلك.

عز الدين البغدادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *