قراءة للبعد الأخر بين خفايا الرفض السعودي والإصرار الإيراني “غير المعلن رسميآ” لحضور القمة العربية في القاهرة ؟!

صباح البغدادي

تشير التسريبات الإعلامية الأخيرة، التي ظهرت عقب زيارة أمير دولة قطر إلى إيران البارحة 19 شباط والتي تضمنت لقاءات مع الرئيس الإيراني والمرشد الأعلى ومسؤولين حكوميين على مختلف المستويات الوظيفية، إلى أن الهدف المعلن للزيارة كان مناقشة سبل تقريب وجهات النظر وبحث تطورات الأوضاع الإقليمية، بما في ذلك الحرب الإسرائيلية. ومع ذلك، كشفت المعلومات المسربة حتى الآن عن طلب قدمه الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، يتمثل في رغبته بحضور القمة العربية المقبلة كضيف مشارك. في المقابل، تشير التقارير إلى أن الموقف السعودي قد يتسم بالمعارضة الحادة لهذا الاقتراح. وفي سياق متصل، أجرى وزير الخارجية الإيراني اتصالاً بنظيره العراقي لاستكشاف إمكانية حشد دعم دول عربية تتمتع بعلاقات وثيقة مع إيران، مثل سلطنة عمان وقطر والعراق والجزائر، لتوجيه دعوة لحضور القمة، على أن تُصاغ هذه الدعوة كمبادرة مستقلة من هذه الدول بدلاً من أن تُنسب بشكل مباشر إلى طلب إيراني.

ورغم أن الدعوة لإيران لا تزال قيد التشاور وتحيط بها حالة من الغموض، فإن القمة العربية المرتقبة في القاهرة خلال شهر مارس الجاري ستُعقد سواء حضرت إيران أم لم تحضر. وعليه، يمكن لهذا البحث أن يسعى لتحليل هذه التسريبات الصحفية، متناولاً دوافع إيران الحالية المستميتة للمشاركة في القمة العربية، خاصة في ظل الأزمة التي تواجهها بعد تراجع نفوذها الإقليمي إثر خسارتها لأبرز حلفائها في سوريا ولبنان. وإذا كان هناك إصرار من جانب إيران، فقد يكون لنا تصور بانه يندرج من خلال تعبيرًا عن رغبتها في أن تكون جزءًا مهم من الحلول الإقليمية وبدلاً من أن تُترك خارج النقاشات التي تعتقد بانها سوف تؤثر على مصالحها في المنطقة.

أن نظرتنا المستقبلية لهذا الحدث تتجاوز مجرد قراءة سطحية، بل تتأسس على تحليل معمق للسياقات السياسية والاستراتيجية التي ستُناقش في اجتماع أخوي غير رسمي دعت إليه المملكة العربية السعودية، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يوم الجمعة 21 شباط 2025 في الرياض، حيث يجتمع قادة دول الخليج العربي إلى جانب مصر والأردن. يبدو أن هذا اللقاء يمثل خطوة تمهيدية حاسمة استعدادًا للقمة العربية المرتقبة في القاهرة، بهدف صياغة موقف موحد يعكس رؤية عربية متكاملة تجاه المخططات الأمريكية-الإسرائيلية المتمثلة في خطة الرئيس دونالد ترامب لتهجير سكان قطاع غزة وإعادة توطينهم خارج أراضيهم. هذا الموقف يأتي في أعقاب ما أعلنه الديوان الملكي السعودي اليوم الخميس 20 شباط 2025، ويتزامن مع مشاورات دبلوماسية مكثفة، شملت لقاءات جانبية مع وزير الخارجية الأمريكي الذي حضر اجتماعًا مع وفد روسي لبحث إنهاء الحرب الأوكرانية.

أن قراءتنا للحدث وفي حال نجاح إيران في حضور قمة القاهرة أو حتى قمة بغداد فيما بعد، وسواء أكانت الدعوة بشكل مباشر أو عبر مبادرات دبلوماسية غير معلنة، فقد يشكل ذلك تحولاً استراتيجياً في ديناميكيات تطور العلاقات العربية-الإيرانية. لذا ومن المحتمل لدينا بأن يؤدي هذا الحضور إلى تعزيز موقع إيران كلاعب إقليمي فاعل في الحوارات العربية / العربية، مما قد يسهم في تخفيف عزلتها السياسية والاقتصادية. وعلى الجانب الآخر، قد يثير هذا التقارب مخاوف لدى بعض دول الخليج، خاصة السعودية، مما يعزز جدلية مفهوم صيغة وتطور الاستقطاب الإقليمي ويفتح الباب أمام تصعيد دبلوماسي محتمل. أما في حال فشل هذه المساعي، فقد يدفع ذلك إيران إلى تعميق اعتمادها على تحالفات تقوم خارج منظومة الإطار العربي، والاعتماد على دعم الصين وروسيا ومما قد يعقد مساعيها أكثر ومن خلال استماتتها لاستعادة نفوذها في المنطقة على المدى الطويل.

وأن تحليل دوافع إيران الخفية والعلنية ونظرتها الاستراتيجية في مفهوم نظرية النفس الطويل وسعيها حاليآ وفي هذا الوقت الراهن بالذات وبعد خسارة اهم حليفين لها واحد ركائز وأساسيات محور المقاومة والممانعة والمتمثل بكل من النظام السوري وحزب الله اللبناني لحضور قمة القاهرة، وهو مسعى يمكن تفسيره من خلال عدة دوافع استراتيجية وسياسية ترتبط بالتحولات الإقليمية والداخلية التي تواجهها. ويمكن لنا أن نحاول قدر الإمكان لتحليل هذه الدوافع والتي تندرج حسب قراءتنا على النحو التالي:

أولآ : تعويض الخسائر الإقليمية التي منيت بها مؤخرآ واستعادة ما يمكن لها إنقاذه من النفوذ:

حيث تشهد إيران حاليآ تراجعاً ملحوظاً في نفوذها الإقليمي نتيجة فقدانها لشركاء رئيسيين مثل نظام الأسد المخلوع في سوريا وحزب الله في لبنان، اللذين كانا يشكلان ركائز أساسية في سردية المواجهة لـ “محور المقاومة والممانعة ” الذي تقوده. وفي هذا السياق، يمكن اعتبار السعي لحضور القمة العربية محاولة لإعادة تموضع إيران كلاعب فاعل في الساحة الإقليمية، عبر البحث عن شرعية عربية تتيح لها استعادة بعض من هذا النفوذ المفقود. وبما أن حضور القمة قد يمنحها منصة تنطلق من خلالها للتأثير في القرارات المتعلقة بالأزمات الإقليمية، مثل الحرب الإسرائيلية، التي طالما استثمرت فيها ومن خلال دعم مادي ومعنوي لـمحور المقاومة والممانعة واستخدامها كورقة ضغط سياسية.وأعتقد أن إيران قد تُحاول استغلال أي دعوة محتملة (حتى لو كانت رمزية) لحضور القمة كوسيلة لإعادة تموضع نفسها كلاعب لا يمكن تجاهله في الحلول الإقليمية. لكن نجاح هذا “الإصرار” يعتمد على عوامل مثل موقف مصر (كدولة مضيفة) ومدى استعداد الدول العربية الأخرى، خاصة السعودية والإمارات، لقبول حضورها دون تصعيد التوترات.

ثانيآ:محاولة لكسر العزلة الدبلوماسية وإيجاد شرخ عربي يمكنها النفاذ من خلاله:

تواجه إيران عزلة متزايدة على الصعيدين الإقليمي والدولي، نتيجة العقوبات الاقتصادية والتوترات مع بعض دول الخليج، خصوصاً السعودية. من هنا، يمثل حضور القمة تعتبرها بدورها فرصة سانحة لاختراق هذه العزلة عبر فتح قنوات حوار مع دول عربية معتدلة مثل قطر وسلطنة عمان والعراق، التي تتمتع بعلاقات متوازنة مع طهران. هذا الاختراق قد يمهد الطريق لتطبيع تدريجي أو تحسين العلاقات مع دول أخرى، مما يعزز صورتها كدولة تسعى للحلول الدبلوماسية بدلاً من التصعيد العسكري. واستضافة مصر للقمة قد تكون عاملاً إضافيًا. لان العلاقات بين القاهرة وطهران شهدت تحسنًا نسبيًا في السنوات الأخيرة، رغم بقائها محدودة. وإيران قد ترى في القمة فرصة لتعزيز الحوار مع مصر، التي تلعب دورًا محوريًا وجهدا في الوساطة بين إسرائيل ومختلف الفصائل الفلسطينية.

ثالثآ: الاستفادة قدر الإمكان من الاستقطاب الإقليمي:

في ظل التنافس السعودي-الإيراني المزمن، قد ترى إيران في حضور القمة فرصة للاستفادة من الانقسامات داخل الصف العربي. من خلال التعاون مع دول تدعمها أو تتشارك معها في رؤى معينة (مثل قطر والعراق وسلطنة عمان)، تسعى إيران لخلق كتلة ضغط داخل القمة قادرة على مواجهة أي مواقف معادية، خاصة من السعودية. هذا الدافع يعكس استراتيجية إيران طويلة الأمد في استغلال الخلافات الإقليمية لتعزيز موقعها التفاوضي.

رابعآ: الضغط الداخلي وإعادة تعزيز الشرعية السياسية:

على الصعيد الداخلي، تعاني إيران من تحديات اقتصادية وسياسية متفاقمة، بما في ذلك الاحتجاجات الشعبية والضغوط الناتجة عن العقوبات. في هذا السياق، قد يمثل حضور القمة انتصاراً دبلوماسياً يمكن للنظام استغلاله وترجمته لتعزيز شرعيته أمام الرأي العام الإيراني، من خلال تصوير إيران كدولة محورية لا يمكن تجاهلها في المؤتمرات والمحافل الإقليمية والدولية، ومما يخفف من حدة الانتقادات الداخلية الموجهة لها وامتصاص الغضب الجماهيري الداخلي.

أن نظرتنا المستقبلية ومن خلال رأيًا تحليليًا استشرافيًا نحاول أن نطرحه وبناءً على تسارع الاتجاهات الحالية والمنطق السياسي للحدث يمثل لنا وما نراه في الأفق السياسي للمنطقة وإذا نجحت إيران في تحقيق هذا الهدف، فقد يؤدي ذلك بنظرنا إلى إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، حيث قد تشهد المنطقة مرحلة من الحوارات متعددة الأطراف تشمل إيران كطرف رئيسي، مما يعزز من قدرتها على التأثير في قضايا مثل مستقبل سوريا أو الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ومع ذلك، قد يقابل هذا النجاح برد فعل معاكس من دول مثل السعودية، مما يزيد من مخاطر التصعيد السياسي أو العودة إلى سياسات المواجهة. على العكس، إذا فشلت إيران في مسعاها، فقد تلجأ إلى تعزيز تحالفاتها مع قوى غير عربية (مثل روسيا والصين)، مما يعمق الاستقطاب العالمي في المنطقة ويعقد جهود إيجاد حلول إقليمية شاملة إضافة الى أن أي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية برمتها ستكون من خلالها وسوف لن تقف بموقف المتفرج فان الحلول المستقبلية يجب أن تمر من خلالها. ومن المرجح أن تركز على تطورات القضية الفلسطينية، خاصة في ظل التصعيد المستمر في غزة والضفة الغربية. وتُقدم نفسها كداعم رئيسي للمقاومة الفلسطينية، ومن خلال دعمها لفصائل مثل حماس والجهاد الإسلامي وبالتالي تعزيز صورتها كلاعب مركزي في هذا الملف. وتسعى دائمًا لتعزيز نفوذها في المنطقة، خاصة في مواجهة خصومها مثل إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول العربية المنافسة (مثل السعودية). وربما تخفيف التوترات مع بعض الدول أو تقديم رؤيتها بشأن القضايا الإقليمية. ولاستغلال منصات إقليمية مثل القمة العربية لكسر عزلتها، أو للضغط من أجل أن تكون هناك مواقف مشتركة موحدة ضد سياسات ومشاريع أمريكا وإسرائيل. ولديها كذلك مصلحة استراتيجية عليا في أن تكون حاضرة ومتمثلة في أي نقاش إقليمي كبير، خاصة إذا كانت القمة القادمة ستركز بصورة رئيسية على ملفات مثل فلسطين أو الأمن الإقليمي أو شكل العلاقات المستقبلية مع أمريكا ودول الاتحاد الأوربي ودعم بعض الدول الأوربية للمقترحات العربية البديلة لخطة التهجير ولكن في نفس الوقت وبالمقابل سوف نأخذ خطوة إلى الأمام ونفكر في السيناريو المحتمل ونتائجه إذا أصرت إيران فعلاً على الحضور، والذي قد يعكس ذلك تطورًا في دبلوماسيتها أو تغيرًا في الموقف العربي تجاهها.

مع ما تم تقديمه أعلاه من رؤيتنا ونظرتنا وقراءتنا لهذا الحدث وما تم تسريبه لغاية الإن فان الجهود التي تبذل حاليا في الخفاء وخارج نطاق التغطية الإعلامية قد تفشل بسبب الخلافات العميقة بين إيران وبعض دول الخليج، إلى جانب عدم عضويتها في الجامعة العربية، قد تجعل لنا حضورها مثار جدل بين الدول المعارضة لإعطائها مثل تلك الرمزية مجانا وبدون مقابل وقد تتأتي نتائج حضورها المرتقب والمحتمل للقمة بنتائج عكسية على حساب الدول المؤثرة مثل السعودية ومصر وخاصة إذا بدأت إيران بحملة دبلوماسية مضادة للضغط من أجل أن يتم دعوتها وبعد أن تستغل دعوة بعض الدول العربية لها كما أوضحنا أعلاه في سياق تحليلنا لهذا الحدث وأثارة معركة دبلوماسية مفادها بان بعض الدول العربية لا تريد أن تكون ايران كجزء من الحل وليس من المشكلة وان حضورها للقمة يندرج ضمن سياق ومفهوم وضرورة التعاون الإقليمي الخليجي / الإيراني من جهة ومن جهة أخرى العربي .

One thought on “قراءة للبعد الأخر بين خفايا الرفض السعودي والإصرار الإيراني “غير المعلن رسميآ” لحضور القمة العربية في القاهرة ؟!

  1. النظام الايراني لا يعتاش الا الى الفتن و الفرقة وزرع الاختلافات بين الدول .. لتجد مكانا بينهم.. ويجب اجتثاث ايران من قضايا المنطقة لدورها الكارثي بالمنطقة وازماتها التي خلقتها هي .. واليوم الدول الخليجية تعاني تبعات المغامرات الايرانية عبر اذرعها الاجرامية..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *