
اعداد وتحليل وتقديم صباح البغدادي
خلال الأيام القادمة قد تحدث بين لحظة واخرى تندرج ضمن خفايا وإسرار غير معلنة لانطلاق شرارة الغموض في مواجهة تحديات الصدام الدرزي اللبناني-الإسرائيلي وتُشعل نار التحدي وتُهدد وتوقد فتيل شرارة صراع داخلي يكون مدو بين شيوخ الدروز في كل من سوريا ولبنان وإسرائيل .
السيناريوهات المحتملة والتي سوف نناقشها ونطرحها في بحثنا حول هذا الموضوع عن المدى الصراع الدرزي / الدرزي ورؤيتنا قد تحمل معها كذلك في طياته عمقًا سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا ويستحق من وقد يكون كذلك من الراي العام التأمل والتحليل الدقيق، خاصة في ظل التعقيدات التي تحيط بالعلاقات بين الطائفة الدرزية وإسرائيل، والتداعيات المحتملة التي سوف نناقشها لمثل هذه الخطوات على المستويين المحلي والإقليمي والدولي. لذا بدورنا سنحاول قدر الإمكان وحسب متابعتنا بالأحداث وان أفكك المشهد بطريقة واقعية ومفعمة بالتحليل، مع تقديمنا رؤية قد تكون شبه شاملة تتجاوز فيها القراءات السطحية الارتجالية والمسهبة ولكن سنحفر إلى جذور الأمور وتطلعات المستقبل.
*الزيارة التاريخية المفاجئة ما هي دلالاتها الإن وهل هي بداية لشرارة في فضاء سوريا الذي ما يزال مشحون طائفيآ :
الزيارة التي قام بها شيوخ دروز من سوريا اليوم، 14 مارس 2025، إلى إسرائيل لزيارة مرقد ديني تُعد حدثًا غير مسبوق منذ عقود، وهي ليست مجرد خطوة رمزية، بل قد تكون بمثابة رمي صخرة ثقيلة أو لنقل “حجر في بركة راكدة” تثير تموجات واسعة في الأوساط الدرزية وخارجها. هذه الزيارة، التي تأتي في سياق علاقات معقدة بين الدروز وإسرائيل، تحمل في طياتها أبعادًا دينية وسياسية، وربما تكون مؤشرًا على محاولات إسرائيلية لتعزيز نفوذها بين أبناء هذه الطائفة خارج حدود كيانها المصطنع .ولكنها، في الوقت ذاته، أثارت عاصفة هوجاء من الرفض والاستنكار والاستهجان من قبل مشيخة العقل الدرزية في لبنان، التي رأت فيها تهديدًا للوحدة الروحية والوطنية للطائفة، وحذرت من مخاطر الانزلاق إلى مستنقع التطبيع مع كيان مستحدث غاصب ومحتل يراه الكثيرون في المنطقة عدوًا تاريخيًا.
الرفض اللبناني ليس مجرد موقف عابر، بل هو صرخة مدوية تعكس حساسية خارقة تجاه أي محاولة لجرّ الطائفة الدرزية إلى مربع التقارب مع إسرائيل. مشيخة العقل في لبنان، بقيادة شخصيات مثل الشيخ سامي أبي المنى، وكذلك وليد جنبلاط ترى في هذه الزيارة “خنجرًا مسمومآ في خاصرة الهوية الدرزية”، وتخشى أن تكون بداية لمسار يهدف إلى تقسيم الطائفة واستغلالها في أجندات سياسية تخدم مصالح إسرائيل على حساب وحدة سوريا ولبنان.
*محافظة السويداء والتفجيرات المفتعلة واغتيال الشخصيات والرموز الدينية الدرزية هل سيكون من قبل إسرائيل هدف استراتيجي تعمل عليه حاليآ أم سيكون لها وهم استراتيجي سياسي؟
تفوعنا حاليا وحسب قراءتنا لهذه الزيارة، بأن إسرائيل قد تسعى مستقبلًا إلى حث مشايخ الدروز في محافظة السويداء السورية على إجراء استفتاء للانضمام إلى إسرائيل ليس بعيدًا عن الواقعية، لكنه يحتاج إلى تفكيك دقيق للسياقات والدوافع. السويداء، القلعة الدرزية في جنوب سوريا، تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي قريب من الحدود مع إسرائيل والجولان المحتل، وهي منطقة ظلت على مدى سنوات الصراع السوري مثل “جزيرة عصية” على الاختراق الكامل من النظام أو حتى الفصائل الإسلامية المسلحة. هذا الاستقلال النسبي، إلى جانب التماسك الاجتماعي للدروز، يجعلها هدفًا محتملاً لأي قوة تسعى إلى “زرع أوتادها” في الجنوب السوري.إسرائيل، التي لطالما روّجت لنفسها كـ”حامية الأقليات” في المنطقة، قد تجد في السويداء فرصة ذهبية لتوسيع نفوذها تحت ذريعة “حماية الدروز” من الفوضى السورية أو التهديدات المحتملة. استخدام أساليب “الترهيب والترغيب”، كما أشرنا اليه ، ليس بجديد في سياساتها. الترغيب قد يأتي عبر وعود بالدعم الاقتصادي أو الحماية العسكرية، بينما الترهيب قد يتمثل في الضغط على قادة الطائفة عبر تهديدات غير مباشرة أو استغلال الأوضاع الأمنية الهشة في سوريا بخلق أرضية خصبة لتفجيرات واغتيالات مفتعلة ترم فورا على شماعة الإدارة السورية الجديدة أو حتى المتعاطفين معها من الفصائل الإسلامية الأخرى أو حتى يكون بإنتاج فصيل إسلامي معين ومن خلال سيناريوا بانه هو الذي قام بهذه التفجير سواء أكانت سيارة مفخخة أو دراجة نارية او عبوة ناسفة وضعت على الطريق أو اغتيال شخصيات ومشايخ درزية بكاتم الصوت ويتم الترويج لهذا الحدث بصورة إعلامية وبصورة مستمرة . لكن السؤال الأعمق هو: هل الدروز في السويداء مستعدون فعلاً لقبول مثل هذا السيناريو؟ ولكن قد يكون الواقع يشير إلى أن الدروز في السويداء، رغم استيائهم من النظام السوري وصراعهم المستمر من أجل الكرامة والاستقلالية، يتمسكون بهويتهم السورية. انتفاضة السويداء منذ 2023، التي قادتها شخصيات مثل الشيخ ليث البلعوس، أظهرت رفضًا قاطعًا لأي تدخل خارجي، بما في ذلك الإسرائيلي. هذا الرفض ليس مجرد شعار، بل هو “خط أحمر” يعكس وعيًا عميقًا بمخاطر الوقوع في فخ التقسيم الطائفي الذي قد يحول سوريا إلى “دولة فسيفسائية” تخدم مصالح القوى الإقليمية والدولية.
* تخوفنا سيكون نابع من تكرار سيناريو الجولان والرئيس دونالد ترامب والأمر التنفيذي:
فرضيتنا التي نجد فيها انها قد تكون واقعا في المستقبل القريب حول إمكانية قيام إسرائيل بالتعاون مع دونالد ترامب لإصدار أمر تنفيذي يدعم انضمام السويداء إلى إسرائيل تستند إلى سابقة واقعية حدثت ومن خلال توقيع ترامب في 25 أذار 2019 على قرار الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل. هذا القرار، الذي أثار جدلاً دوليًا واسعًا واعتبر خرقًا للقانون الدولي، أظهر استعداد ترامب لدعم المطامع الإسرائيلية بقرارات “صاعقة” تخدم حلفاءه السياسيين، وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو.
في ظل عودة ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى، قد يرى في مثل هذه الخطوة فرصة لتعزيز تحالفه مع إسرائيل وترسيخ إرثه كـ “صانع صفقات تاريخية”. لكن هذا السيناريو يواجه تحديات جمة ومنها على سبيل المثال وليس الحصر :
أولاً، المجتمع الدولي، بما في ذلك حلفاء أمريكا التقليديون في أوروبا، قد يرفض مثل هذا القرار بشدة، معتبرًا إياه “قنبلة موقوتة” تهدد استقرار المنطقة.
ثانيًا، الدروز أنفسهم، سواء في السويداء أو الجولان أو في لبنان، أظهروا تاريخيًا مقاومة للاندماج الكامل في إسرائيل، حيث رفض معظمهم في الجولان قبول الجنسية الإسرائيلية، متمسكين بهويتهم السورية.
*تحليلنا الذي يندرج بين الطموح والواقع على الأرض:
إسرائيل قد تحلم بـ”ضم السويداء” كجزء من استراتيجية طويلة الأمد لتوسيع حدودها الفعلية، مستغلة الفوضى السورية وانشغال القوى الكبرى بصراعات أخرى. لكن هذا الطموح يصطدم بـ”صخرة الواقع”. الدروز، بتماسكهم الاجتماعي ورفضهم التاريخي للتبعية، ليسوا أداة سهلة في يد أي قوة خارجية. مشيخة العقل الدرزية في لبنان، بقيادة شخصيات مثل الشيخ وليد جنبلاط، قد تواجه ضغوطًا، لكنها أثبتت قدرتها على الصمود أمام محاولات النظام السوري نفسه لكسر إرادتها، فكيف بإسرائيل؟
أما ترامب، فإن أي أمر تنفيذي قد يصدره سيكون “سيفًا بلا غمد”، يثير ردود فعل عنيفة من روسيا وإيران، اللتين تريان في سوريا خطًا أحمر استراتيجيًا. هذا دون الحديث عن الشعب السوري نفسه، الذي قد يرى في مثل هذه الخطوة “خيانة للوطن”، مما يشعل انتفاضة جديدة تتجاوز السويداء إلى كل الأراضي السورية.
أن الرؤية مفعمة بالواقعية والزيارة الحالية قد تكون “طلقة استطلاع” لقياس ردود الفعل، لكن تحولها إلى استفتاء أو انضمام فعلي للسويداء إلى إسرائيل قد يبقى حلمًا إسرائيليًا بعيد المنال على الأقل بالنسبة لنا في الوقت الحالي في ظل الرفض الدرزي والمعارضة الإقليمية. إسرائيل قد تلعب على وتر “الترهيب والترغيب”، وترامب قد يمنحها “شيكًا على بياض”، لكن “إرادة الدروز” و”وعي المنطقة” هما الحصن الذي سيبقي هذه الأحلام مجرد “سراب في صحراء السياسة”. المستقبل قد يحمل مفاجآت، لكن التاريخ يعلمنا أن الدروز، بجذورهم العميقة في الأرض، لن يكونوا جسراً لأطماع الآخرين بسهولة وهذا ما نتمناه وان يكون مشايخ الدروز يقفون وقفة رجل واحد ضد الأطماع الإسرائيلي في توسيع حدود نفوذها المصطنع .