لن يرتقي الإقليم دون وعيكم وتضحياتكم فمن يغيّر نفسه يغيّر وطنه

لن يرتقي الإقليم دون وعيكم وتضحياتكم فمن يغيّر نفسه يغيّر وطنه
بقلم/ يحيى هركي ـ ألمانيا

أخوتي أخواتي أعزائي أحبتي في إقليم كردستان

لقد طال انتظاركم وقد ضاعت أحلامكم بين وعود الحكام وطول الانتظار. لقد تجرعتم مرّ الخيبات وتعبتم من طول الصبر. دعوني أقولها لكم بكل صدق وبلا مراوغات: مشكلتنا ليست في الحاكم بل فينا نحن قبل أن يكون هناك حاكم.

إن غيّرتم الحاكم ألف مرة فلن يتغير حالكم ما لم تغيّروا ما بأنفسكم. لن تنهض دولتكم ولن تزدهر مدنكم ولن يرتفع شأنكم ما دمتم ترفضون القانون وما دمتم تستخفون بالواجب وما دمتم تبررون الفساد وتلعنون الظلم فقط حين يمسكم. لن ترى عدالة ولن تعرفوا كرامة ولن تجدوا حكومة تحترمكم إذا كنتم أنتم أول من يستخف بالمحاسبة وينقض القيم ويستسلم للكسل واللامبالاة.

تريدون حكومات كحكومات أوروبا وأمريكا، لكن بعقلية لا تحترم الوقت ولا تقدس العمل ولا تؤمن بأن كل مسؤولية صغيرة أو كبيرة تُحسب. اعلموا أن كل شعب يحكمه من يشبهه، وكل حكومة هي انعكاس لمستوى وعيه وأخلاقه وتربيته.

التغيير الحقيقي لا يبدأ من القصر ولا من الخطابات ولا من القرارات العاجلة، بل يبدأ من البيت، ومن المدرسة، ومن الشارع، ومن قلب كل واحد منا ومن ضميرنا جمعاء.

تعلموا أن تحبوا لغيركم ما تحبونه لأنفسكم، وأن تحترموا كل من يعيش معكم من جميع الأعراق والأديان من العرب والتركمان والإيزيديين والمسيحيين والكاكئيين. فالأوطان لا تبنى بالكراهية، ولا تزدهر بالإقصاء، ولا تحمى بالظلم.

احملوا على أكتافكم المسؤولية، واحلموا بالمستقبل كما تحلمون لأنفسكم. ارضوا بالقليل لتستحقوا الكثير، واحذروا الطمع الذي يلتهم الخير ويعمي البصيرة ويهدم الأمل.

غيّروا أنفسكم نفسيًا، تحرروا من عقلية الضحية والمؤامرة.
غيّروا أنفسكم عقليًا، تعلموا أن تفكروا وتحللوا بدل التلقين والاتباع الأعمى.
غيّروا أنفسكم تربويًا، ربوا أبناءكم على الصدق والعمل والاحترام والحب والمسؤولية لا على التحايل والخداع والكراهية.

تعلموا الاقتصاد في كل شيء بما فيها الكهرباء والمحروقات ولا تبذروا.
قللوا الزيارات غير المهمة.
كونوا كل واحد مسؤولًا عن المشاكل التي يعيشها، ولا تحملوها على الحكومة.
الشعب في أوروبا على سبيل المثال كل شخص مسؤول عن الأمن والأمان والنظافة وحب الرخاء والتعامل الجميل فيما بينهم، ومراقبة كل ما يجري حوله، وفي حال الضرورة إبلاغ الحكومة بذلك.
تعلموا القانون، ولا تبحثوا عن الواسطات في الدوائر الحكومية.
وكل شخص مسؤول عن تربية أولاده قبل إرساله إلى المدرسة.

اجعلوا القيم نبراسكم والضمير دليلكم. اجعلوا كل يوم فرصة لتعلّم جديد، وكل لحظة لحظة بناء ونهوض. اجعلوا كل فكرة شعلة، وكل عمل خطوة، وكل قلب ينبض حبًا للوطن ولقيمه.

حينها فقط سينهض الإقليم وسيولد المستقبل بلا معجزة، وسيأتي الحاكم الذي يليق بشعب ناضج حكيم مسؤول وعادل.

أما إن بقيتم كما أنتم، فصوت الحقيقة وحده لن ينقذكم، ولن تفيكم التمنيات، لأن الأمم لا تنهض بالأماني بل بالوعي والعمل والتغيير الحقيقي الذي يبدأ من الداخل.

هذه صرخة حب ووعد بالمستقبل إلى وطن محتاج إلى أبنائه، ومن لا يحتمل الحقيقة لن يحتمل النهضة.