اعداد : العالم الجديد
ثلاث عمليات محاكاة للاقتراع أجرتها مفوضية الانتخابات، تركت شكوكا لدى جميع ممثلي القوى السياسية حول إمكانية سير العملية الانتخابية من دون مشاكل، إذ برزت قضية سجلات الناخبين و”سيرفرات الخارج” في مقدمة ما يثير القلق حول الانتخابات المحلية المقبلة.
ويستعد العراق لإجراء انتخابات مجالس المحافظات في كانون الأول ديسمبر المقبل، بسلسلة إجراءات حكومية ولوجستية تتعلق بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات على كافة الجهات، حيث جاءت عمليات المحاكاة لاختبار قدرتها وأجهزتها على تطبيق الخطة الموضوعة والنظام الانتخابي بحضور نخبة من القادة والزعماء السياسيين، فضلا عن رئيس الحكومة والوزراء، ومنظمات معنية داخليا وخارجيا بمراقبة عملية الاقتراع.
ويقول رئيس الفريق الإعلامي بالمفوضية، عماد جميل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تجارب المحاكاة كانت أولها لغرض تدريب موظفي المفوضية وفحص الأجهزة والتأكد من الإلكترونيات، كما تم في الثانية اختبار الوسط الناقل، بينما كانت التجربة الثالثة لمعالجة جميع المشاكل التي حصلت في عمليتي المحاكاة السابقتين”.
ويؤكد جميل، أنه “بعد التجارب الثلاث فكل التفاصيل جاهزة لإجراء الانتخابات”، مبينا أن “الأحزاب السياسية وجميع الحضور خلال التجارب لم يسجلوا أية ملاحظات”.
ويتابع، أن “المفوضية أكملت الكثير من جدول عملياتها حيث ستتم يوم 22 تشرين الأول أكتوبر الجاري قرعة اختيار موظفي الاقتراع لأن المتقدمين أكثر من مليون شخص والحاجة هي 250 ألفا من موظفي الدولة وخريجي الجامعات”، موضحا أن “البطاقة البايومترية سيتم استلامها نهاية الشهر الجاري وإعادة توزيعها بداية تشرين الثاني نوفمبر المقبل”.
يذكر أن المحاكاة الأولى نفذت بتاريخ 11 أيلول سبتمبر الماضي، في جميع المحافظات وبواقع 929 محطة انتخابية للتأكد من دقة الأجهزة الانتخابية الإلكترونية والاطلاع على واجهات البرامج، حيث تم التصويت من قبل عدد من الموظفين، ثم جرى شرح مبسط عن الأجهزة وإجراء العد والفرز اليدوي للمحطات والتي ظهرت نتائجها مطابقة، وفقا لبيان رسمي للمفوضية.
ودون أي تغييرات في المخرجات، جرت المحاكاة الثانية بتاريخ 29 من الشهر نفسه، والثالثة في 10 تشرين الأول أكتوبر التي شهدت اختبار الجاهزية في 906 محطات انتخابية فقط.
إلى ذلك، يرى النائب عن كتلة صادقون النيابية، محمد البلداوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “تجارب المحاكاة التي أجريت تعتبر صحية ومطلوبة لمعرفة جميع تفاصيل أجهزة الاقتراع”.
ويضيف البلداوي، أن “هناك مشاكل تقنية وفنية أثارت الشكوك لدى الكتل السياسية ومن حضر التجارب حيث تم العمل على تجاوز تلك الأخطاء في المحاكاة الثالثة”، موضحا أن “استمرار التجارب قد لا يعني ضمان عدم وقوع الإشكاليات يوم الاقتراع، لكن ما يحصل الآن هو وضع آليات لحصر جميع المشاكل وحلولها الكافية”.
ويشير إلى أن “المفوضية تعمل بجد واجتهاد لساعات طويلة لضمان إنهاء ملف المرشحين والمتطلبات لوضع الأسماء داخل البطاقات الانتخابية ليتم بعدها المحاكاة النهائية، فضلا عن توفير الأقلام والأحبار حتى الوصول لسجلات الناخبين وبياناتهم ومحطاتهم التي سيقترعون فيها وفقا لبطاقاتهم المحدثة”.
وتشمل الانتخابات 15 من أصل 18 محافظة عراقية، حيث لن تشارك فيها 3 محافظات ضمن إقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي، كما وتعتبر هي الأولى منذ انتخابات نيسان إبريل 2013، وقبلها 2009.
وبحسب البيانات الرسمية، سيشارك بالانتخابات أكثر من 296 حزبا سياسيا شكلت 50 تحالفا رسميا يتنافسون على 275 مقعدا كمجموع لمقاعد المجالس، فيما أصدرت المفوضية قرارا في وقت سابق بحذف الرقم “156” لحساسيته بالمجتمع العراقي وارتباطه بمادة قانونية تخص النصب والاحتيال.
ومن جانبه، يعرب القيادي في تيار الحكمة، والمرشح لانتخابات مجالس المحافظات، فهد الجبوري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، عن “خشية من تكرار المشاكل في يوم الاقتراع بعد حصولها في تجارب المحاكاة”.
ويؤكد في الوقت نفسه “وجود نقاط إيجابية في العلاقة بين المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والأحزاب السياسية سواء المنضوية في ائتلاف إدارة الدولة أو البقية من مختلف المكون لان عامل الثقة بات موجودا”.
ويفسر الجبوري، مخاوفه من “عدم تغيير نظام السيطرة على السيرڤرات التي تتواجد خارج العراق كما في الانتخابات الماضية”، مبينا أن “التطورات في عمل المفوضية موجودة لكنها تتطلب تطبيقا واقعيا، وحتى لو لم تحصل تغييرات بموضوع السيرفرات ربما من المطمئن كون القانون الجديد حافظ وجامع للأصوات بشكل جيد لا يقبل ضياعها مثل الانتخابات السابقة”.
ويكمل أن “الجهات السياسية ستبقى متنبهة لأي خطوة وتصرف وإجراء من أي شخص في المفوضية تجاه العلاقات المشبوهة التي تشوبها علامات استفهام لأن هناك حرية في الحركة لتنظيم الاستعدادات والصرف المالي، مع وجود الدعم الحكومي والسياسي الكبير”، معتبرا أن “الإبقاء على هذه المفوضية التي عملت في الانتخابات الماضية باستثناء رئيسها الجديد الذي تم انتخابه حديثا هو رسالة واضحة لتطمين القوى الناشئة والفتية والقديمة مضمونها أن الإطار التنسيقي لا يملك رغبة التصعيد والإقصاء”.
ويضيف القيادي في الحكمة، أن “قوى الإطار التنسيقي تماهت مع مشكلة السيرفرات التي في الخارج ولم تأخذها بعين الاعتبار لوجود ضمانات في قانون الانتخابات لن تهدر الاصوات الانتخابية”، مستدركا أن “كل شيء يتعلق بالانتخابات وهو خارج العراق يبقى مؤشر قلق بالنسبة للناخبين والقوى السياسية إذ يفترض حصر الإجراءات داخل البلاد فقط”.
يذكر أن الانتخابات النيابية السابقة في 2021، شهدت لغطا كبيرا، لاسيما ما يخص أجهزة تسريع النتائج والعد والفرز الإلكتروني، وجرى توجيه اتهامات باختراق الوسيط الناقل (السيرفرات) للتلاعب بالنتائج، وقد رفع تحالف الفتح برئاسة هادي العامري دعوى أمام المحكمة الاتحادية لإلغاء نتائج الانتخابات، لكن المحكمة ردتها وصادقت على النتائج.
يشار إلى أنه جرى اعتماد الدوائر المتعددة في الانتخابات التي جرت في عام 2021، وهو ما يحصل لأول مرة في الانتخابات العراقية، حيث كانت تجري سابقا باعتماد كل محافظة دائرة واحدة، وفق نظام سانت ليغو، وتختلف نسب تقسم الأصوات من انتخابات لأخرى وفق ما يقره البرلمان في حينها.
من جهتها، تبدي النائب عن حركة امتداد، وعضو لجنة حقوق الإنسان النيابية، نيسان زاير، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، “تخوفا كبيرا من استمرار الشكوك إزاء الفشل في تنظيم عملية الاقتراع وفقا للمحاكاة الثانية رغم الدعم الفني واللوجستي الأممي”.
وتؤكد زاير، أن “رصانة العملية الانتخابية غير مؤكدة خصوصا بعد الكشف عن عدم تحديث سجلات الناخبين بصورة صحيحة مع وجود أسماء أناس متوفين وآخرين تتجاوز مواليدهم عام 1900، فضلا عن قلة عدد المحدثين لبياناتهم، وعدم قدرة الأجهزة على قراءة بيانات البطاقات البايومترية، وإصدار أو توفير جميع الذين يحق لهم الانتخاب بالبطاقة البايومترية وفق ما أقرها القانون الانتخابي”.
وتشير إلى أن “الفشل حصل أيضاً بالاتصال الإلكتروني بين المحطات والأقمار الصناعية والسيرفرات الرئيسية وهو ما يعيد للأذهان شكوك التلاعب بنتائج الانتخابات كما حدث في انتخابات 2021″، مؤكدة أن “العديد من التقارير الدولية والوطنية من الاتحاد الأوربي، والمفوضية العراقية لحقوق الإنسان، والمنظمات المحلية لمراقبة الانتخابات، تضمنت آراء ومعالجات ضرورية”.
وعن تلك الآراء والمعالجات، تبين زاير، أن “بعضها يتعلق بالقانون الانتخابي، وآلية احتساب الأصوات، والمراقبة وإعلان النتائج، والنسب المقبولة للمشاركة الانتخابية، وضمان عدم التلاعب بالنتائج، وآلية الطعن، وبعضها فني يتعلق بإمكانية المفوضية ومجلس المفوضين من الحفاظ على الحيادية في إكمال مراحل العملية الانتخابية دون تمييز أو ميل سياسي أو حزبي”.
وعن القناعة بعمل المفوضية، ترى النائب أن “المعلن وفق الجدول العملياتي للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات لغاية الآن، مقبول بالحد الأدنى وفقا للمعايير الدولية والوطنية مع اهتمام ودعم القوى السياسية التقليدية والمدنية لإنجاح هذه الممارسة”، مؤكدة “عدم إمكانية إنكار السلبيات الموجودة وخاصة ما يتعلق بسجل الناخبين، وإصدار البطاقات البايومترية، انتخابات النازحين، ضعف المراقبة الانتخابية، عدم القدرة على منع استغلال موارد الدولة، غياب الخبرة الفنية والمهنية لأعضاء مجلس المفوضين، وعدم القناعة الدولية بقدرة المفوضية العليا للانتخابات في الحفاظ على استقلالية عملها”.
يشار إلى أن مجالس المحافظات تعنى باختيار وإقالة المحافظ، فضلا عن المسؤولين التنفيذيين لكل محافظة، كما تعمل على خطة إقرار المشاريع وفقا للتخصيصات المالية في الموازنات الاتحادية.