ديسمبر 3, 2024
3906bcb97

الكاتب : فاضل حسن شريف

عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عز من قائل “وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ” اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ” قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ” (الأعراف 164) “وإذ” عطف على إذ قبله “قالت أمَّة منهم” لم تصد ولم تنهَ لمن نهى “لم تعظون قوما الله مُهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا” موعظتنا، “معذرة” نعتذر بها “إلى ربِّكم” لئلا ننسب إلى تقصير في ترك النهي “ولعلَّهم يتقون” الصيد.

جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز من قائل “وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ” ﴿الأعراف 164﴾ “وإذ قالت أمة” أي: جماعة “منهم” أي: من بني إسرائيل الذين لم يصطادوا، وكانوا ثلاث فرق: فرقة قانصة (2)، وفرقة ساكتة، وفرقة واعظة، فقال الساكتون للواعظين، والناهين: “لم تعظون قوما الله مهلكهم” أي: يهلكهم الله، ولم يقولوا ذلك كراهية لوعظهم، ولكن لأياسهم عن أن يقبل أولئك القوم الوعظ، فإن الأمر بالمعروف، إنما يجب عند عدم الأياس من القبول، عن الجبائي، ومعناه: ما ينفع الوعظ ممن لا يقبل، والله مهلكهم في الدنيا بمعصيتهم “أو معذبهم عذابا شديدا” في الآخرة “قالوا” أي: قال الواعظون في جوابهم: (معذرة إلى ربكم) معناه: موعظتنا إياهم معذرة إلى الله، وتأدية لفرضه في النهي عن المنكر، لئلا يقول لنا: لم لم تعظوهم “ولعلهم” بالوعظ “يتقون” ويرجعون.

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز من قائل “وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ” ﴿الأعراف 164﴾ فأجابهم الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر: بأنّنا ننهى عن المنكر لأنّنا نؤدي واجبنا تجاه الله تعالى، وحتى لا نكون مسئولين تجاهه، هذا مضافا إلى أنّنا نأمل أن يؤثر كلامنا في قلوبهم، ويكفوا عن طغيانهم وتعنتهم “قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ”. ويستفاد من الجملة الحاضرة أنّ هؤلاء الواعظين كانوا يفعلون ذلك بهدفين: الأوّل: أنّهم كانوا يعظون العصاة حتى يكونوا معذورين عند الله. والآخر: عسى أن يؤثروا في نفوس العصاة، ويفهم من هذا الكلام أنّهم حتى مع عدم احتمال التأثير، فإنّهم كانوا لا يحجمون عن الوعظ والنصيحة في حين أن المعروف هو أن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروطين باحتمال التأثير. ولكن لا بدّ من الانتباه إلى أنّه ربّما يجب بيان الحقائق والوظائف الإلهية حتى مع عدم احتمال التأثير، وذلك عند ما يكون عدم بيان الأحكام الإلهية، وعدم إنكار المنكر سببا لتناسي وتنامي البدع، وحينما يعدّ السكوت دليلا على الرضا والموافقة. ففي هذه الموارد يجب إظهار الحكم الإلهي في مكان حتى مع عدم تأثيره في العصاة والمذنبين. إنّ هذه النقطة جديرة بالالتفات، وهي أنّ الناهين عن المنكر كانوا يقولون: نحن نريد أن نكون معذورين عند (ربّكم) وكأنّ هذا إشارة إلى أنّكم أيضا مسئولون أمام الله، وإنّ هذه الوظيفة ليست وظيفتنا فقط، بل هي وظيفتكم تجاه ربّكم في الوقت ذاته.

تكملة للحلقة السابقة عن شبكة الألوكة الشرعية مفهوم ومقومات الأمة في النص القرآني للكاتب الدكتور أسعد بن أحمد السعود: الأمة وقد خلا فيها النبي: إشارات بشكل بشائر وبشكل نُذرٍ، فلم تَخلُ سورة في القرآن العظيم مِن ذِكرها، ولَمَّا أطلق ربُّ العزة الاسم على أنبيائه ورسله (مبشرين ومنذرين)، فإن خاتم أنبيائه النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم احتفى بالاسم تكريمًا وتشريفًا له، وذلك لجسامة المهمة الإلهية التي بُعِث من أجلها، فَلْنَنْظُر كيف ظلَّت هذه المهمة العظيمة قائمةً بعد وفاته عليه الصلاة والسلام؟ وكيف أُلقيتْ على عاتق مَن آمَن به واتَّبعه ومَن حمَلها مِن بعده؟ وهل حملُها والعملُ بها هو العهد أو الإصر؟ وهل العهد أو الإصر مع ربِّ العزة من المؤمنين بدعوة محمد عليه الصلاة والسلام، هو ذاته قيامة واستمرار صيرورة الأمة؟ قال تعالى:” وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ” (محمد 2). في هذه الآية الكريمة تَظهرُ بُنودُ العهد جَليَّةً واضحة بالوعد والشرط، فإن مجموع المؤمنين الذين يؤمنون بدعوة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم قولًا وعملًا، سيُصْلِحُ لهم أمرَهم في الدنيا، وسيُكفِّر عن سيئاتهم فردًا فردًا في الآخرة، فكيف يأتي شكل الإيمان الفردي الذي يُؤسَّس عليه الركنُ الجماعي أو مجموع أركان الأمة؟

تكملة للحلقة السابقة عن علاقة المواطنة بالأمة جاء في المركز الاسترتيجي للدراسات الاسلامية التحديد المفاهيمي لمصطلحيّ الأمّة والمُواطَنة للسيد صادق عباس الموسوي: تطوّر مفهوم المواطنة: إنَّ حقَّ المُواطَنة للفرد وجعله عُنصراً في المجتمع المدنيّ بالشروط السالفة لم يتِّم بصياغة مباشرة ولا بتقنين باتٍ وتامٍ، إنَّما له صيرورة تاريخيَّة شهِدت مخاضات مُتعثِّرة ومحطَّات مُختلفة، وبُنيَت على هياكل أوصلتها إلى ما نحن عليه. وهذه العناصر والشروط المذكورة لم تنته عند محطّتنا الحاليّة، بل ستختلف مدّاً أو جزراً وكماً أو كيفياً بما سينسجه القدر لها مستقبلا وبما ستحيكه أناملُ روَّادٍ جُدُد. فليس هنا نهاية التاريخ بل هذه محطةٌ في السُنَن التاريخيّة التي يمكن تعقّبها بدراسة موضوعيّة للماضي. أوَّلاً: الغرب: يُشير المراقبون إلى أنَّ مصطلحَ المُواطَنة غربيّ، يعودُ في أصولِهِ إلى الفكر الإغريقيّ والرومانيّ، حيث كان يُشير إلى ساكن المدينة المُتمتّع بكامل الحقوق السياسيّة فيها، مقابل المحرومين من هذا الحقّ وعلى رأسهم النساء والعبيد والأجانب. وقد تطوّرَ مفهوم المُواطَنة في روما الامبراطوريّة ليشمل أعداداً من النُّخَب من خارج المدينة ولكنَّه أُفرِغ من مضمونه السياسيّ بحيث أصبحت للمواطن حقوق مدنيّة دون المشاركة الكامِلَة في السلطة كما كان الحال سابقاً. وبعد إندثارِ التجارُب الديمقراطيّة المحدودة في دائرتيّ الحضارتين اليونانيّة والرومانيّة، تراجعَ مبدأ المُواطَنة في الفكر السياسيّ الأوروبي طوال العصور الوسطى التي امتدَّت من 300 إلى 1300 (ب.م.). ويعودُ تاريخ إبداع مفهوم المُواطَنة في أوروبا ـ بعد اكتشافه ـ إلى بداية ظهور الفكر السياسيّ العقلانيّ التجريبيّ، وتزايد تأثير حركات النهضة والتنوير في الحياة السياسيّة. وقد قام هذا الفكر السياسيّ والقانونيّ الجديد في دائرة الحضارة الغربيّة منذ القرن الثالث وحتّى قيام الثورتين الأمريكيّة والفرنسيّة بصياغة مبادىء واستنباط مؤسّسات وتطوير آليّات وتوظيف أدوات حكم جديدة، أمكنت بعد ذلك من تأسيس وتنمية نظام حكم مقيَّد. ولا يُمكن إغفال بداية المشاركة السياسيّة التي يؤَّرَخ لها في العصر الحديث بـ(الماغناكارتا) عام 1215، وذلك حين أكّدَ الإعلان حقوق البارونات الإقطاعيين تجاه الملك. واستمرَّ الصراعُ بعد ذلك مع الملك حول الإصلاح السياسيّ حتّى توسّعت قاعدة المشاركة 1265 عندما دُعيَ مواطنان من كلِّ مقاطعة ونبيلان من كلِّ مديريَّة ليجلسوا في البرلمان مع الأشراف والأحبار. حدَثَ المنعطفُ الهام في تاريخ المفهوم عند إندلاع الثورة الفرنسيّة في القرن الثامن عشر، حيث اتَّسعت آنذاك الدائرة اليونانيّة والرومانيّة الضيقة بشكلٍ هام ومُفاجِىء تشمل عدداً كبيراً من أعضاء المجتمع، وبدأت تتحدَّد معالم جديدة للمُواطَنة كانت مجهولة سابقاً. يعتبر (روجرز بروباكر) أنَّ فهمَ المُواطَنة لن يكون كاملاً إذا لم نضعها في سياقِ الخصائص الأربعة للثورة الفرنسيّة، أي كونها ثورة برجوازيّة (تعلّقها بالملكيّة) وديمقراطيّة (التمرّد على الاستبداد) ووطنيّة (التصدّي للغزاة) وبيروقراطيّة (إدارة مباشرة وفْقَ هرم تنظيميّ). هذه الخصائص حدَّدت شروطاً للمواطنيَّة من حكمٍ مركزيّ يحمي ويحكم أفراداً مُنتمين إلى الدولة، ويتمتَّعون بحقوق عامَّة منها حقُّ الملكيّة والمشاركة السياسيّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *