نوفمبر 21, 2024
download

اسم الكاتب : ثامر عباس

لإعطاء فكرة مبسطة عن الغاية أو القصد المراد من طرح هذا الموضوع ، فقد آثرنا الابتداء بصيغة السؤال التالي : هل قراءة الكتب الثقافية توازي ثمن مكابدات القارئ ؟! . وقبل أن نعطي جوابا”على مثل هكذا سؤال حري بنا الإقرار بحقيقة ؛ أنه في معظم لغات الأمم وثقافات الشعوب لا يكاد يختلف اثنان إزاء معنى لفظة (القراءة) ، مثلما لن يختلفان إزاء ما تحمله هذه اللفظة من دلالات ايجابية واضحة وصريحة ، بحيث قلما تحتاج تينك اللفظتين الى إعمال العقل في التحليل أو التأويل أو التعليل لحيازة المعنى واستخراج الدلالة .

ولكن مثلما يقال ، فان لكل قاعدة شواذ ، أي بمعنى أن هذه القاعدة العامة في معناها والشاملة في مغزاها ، لا تسري أو لا تنطبق على البعض من المجتمعات التي فقدت حصانتها وأهدرت كرامتها وانتهكت حقوقها وأعيقت حضارتها ، حيث يحمل فعل (القراءة) – بالنسبة للمنخرطين في هذا النشاط الثقافي – نوعين من الدلالات ؛ الأولى (ايجابية) تشي بكم وكيف المردودات الفكرية والمعرفية ذات القيمة الاعتبارية العالية التي يجنيها الفاعل الاجتماعي على المستويين الشخصي والجماعي . والدلالة الثانية (سلبية) تضمر للمتجرأ – المغامر محاذير جمّة ليس أولها الوقوع في مغطس الهامشية الاجتماعية ، والخضوع للمعاناة الاقتصادية ، والتجرع للمكابدات النفسية فحسب ، بل وكذلك التعرض للمطاردات البوليسية والتهديدات الأمنية التي قد تستهدف ذات الفاعل ككيان اجتماعي وكوجود إنساني ، لاسيما في ظل ظروف سياسية وأوضاع تاريخية وسياقات حضارية غالبا”ما تتسم بالشذوذ والانفلات ، كما هي حال غالبية هذا النمط من المجتمعات .

والحال هل يعني ذلك أن على من يرغب ممارسة فضيلة (القراءة) من أفراد وجماعات البلدان المستباحة بمظاهر التخلف والتشظي والتشرذم ، أن يقتلعوا هذه الفكرة من أذهانهم نهائيا”، وينصرفوا للبحث عن مجالات وأنشطة أخرى لا تسبب لهم الأذى ولا تلحق بهم الضرر ، بقدر ما تحقق لهم الكسب المادي وتمنحهم الراحة النفسية ؟! . الحقيقة ان أبعد ما يكون عن مرامي هذه المقالة هي الدعوة الى هجر الكتاب أو الترويج لترك القراءة من قبل الراغبين باغناء معارفهم الفكرية وتوسيع آفاقهم الثقافية وتطوير ملكاتهم الذهنية ، بدعوى ان (المواطن) في مثل تلك المجتمعات المستباحة يكفيه ما يعانيه من صنوف القهر السياسي ، ومظاهر الظلم الاجتماعي ، وأساليب الحرمان الاقتصادي ، وأشكال الاستعباد الثقافي ، وضغوط الاحتقان النفسي . وبالتالي لا حاجة له بزيادة الأعباء الاقتصادية ومفاقمة المعاناة النفسية ومضاعفة المكابدات الاجتماعية . ذلك لأن (القراءة) – في كل الأحوال والظروف – هي المدخل الوحيد والشرط الأساسي الذي يستطيع الإنسان من خلاله الولوج الى عالم الثقافة الرحيب والتجوال في رحاب الفكر الواسع ، حيث الضمان الأكيد للتخلص من كل ما يكبل العقل ويغل الروح ويشل الإرادة .

وإذا ما تبين لنا ان فعل (القراءة) ، ليس فقط كونه (مرغوب) و(مطلوب) بحيث يراد له يمارس على نطاق واسع من لدن الجميع ، نظرا”لما يحمله من مكاسب اعتبارية (ثقافية وأخلاقية وإنسانية) فحسب ، بل وكذلك هو (ضروري) و(مصيري) لإحداث التغييرات الجذرية والتحولات النوعية الواجب إجرائها على صعيد إنضاج الوعي الحضاري للفاعل الاجتماعي من جهة ، وتنمية إحساسه بقيمته الذاتية من حيث هو إنسان متفرد من جهة ثانية ، وتعظيم شعوره بانتمائه للأنا الجمعي الذي يحمل نمط شخصيته ووشم هويته من جهة ثالثة .

ومع كل ذلك ، فان سؤالا” يبقى بحاجة الى إجابة ؛ هل أن مجرد الانغماس بفعل (القراءة) قمين بانتشال القارئ من وهدة الجهل الثقافي ، وتحسين مستواه الفكري ، وتهذيب سلوكه الاجتماعي ؟! . بالطبع كلا . ذلك لأن هذا الأمر لا يتعلق (بكم) الكتب التي تقرأ ، بقدر ما يتصل (بنوع) الأفكار التي تطرحها ، والقيم التي تحملها ، والفكرة التي تسوقها ، الرسالة التي تروجها . إذ لا يخفى ان الكثير من الكتب حملت بين متونها الكثير من الخرافات والمغالطات والعصبيات ، التي ساهمت – وستساهم – في الحطّ من قيمة الإنسان وهدر كرامته ، عبر تشويه وعيه ومسخ شخصيته ووأد إنسانيته ، مثلما كانت – وستكون – عاملا”من عوامل صيرورته كائنا”متوحشا”لا يعرف سوى قوانين الغاب وشرائع الافتراس ! .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *