اسم الكاتب : مؤسسة الحوار الانساني / أميل كوهين
تستضيف مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 15 فبراير 2017 الاستاذ اميل كوهين في امسية ثقافية يقدم فيها لمحة تاريخية عن التطور الثقافي ليهود العراق ويتحدث فيها عن مدارس الأليانس اليهودية ودورها في المجتمع العراقي.
الاستاذ أميل كوهين من مواليد البصرة سنة 1943. أنهى دراسته في بغداد بإعدادية شماش وقدم الى بريطانيا لدراسة الهندسة المدنية ومارس الهنسة المدنية لمدة 42 عاما. أهتم بالموسيقى التراثية العراقية واشتهر بتنظيم حفلات كبيرة في SOAS وفي Queen Elizabeth Hall وال Barbican والمركز الثقافي العراقي ، كما اهتم بالبحوث والدراسات المختصة بتاريخ العراق وبشكل خاص تاريخ يهود العراق في القرن العشرين ، ساهم في إعداد بعض الكتب العراقية التي نشرت عن يهود العراق كما شارك في بعض برامج القنوات العربية للحديث عن يهود العراق.
The Alliance Jewish schools in Iraq
HDF in London will host on Wednesday, 15th February 2017 Mr Emile Cohen at the cultural evening. He will talk about the Alliance Jewish schools in Iraq and their role in Iraqi society.
Emile Cohen was born in Basra in 1943. He completed his studies in Baghdad- Shamash School. He studied civil engineering in UK and worked as a civil engineer for 42 years. He is interested with Iraqi music heritage. He managed and organized large concerts in SOAS, the Queen Elizabeth Hall, the Barbican and the Iraqi Cultural Centre in London, also he is interested in research about Iraq history and, in particular, the history of Iraq’s Jews in the twentieth century, contributed to the preparation of some of the Iraqi books published about Iraq’s Jews and also participated in some Arab television programs to talk about the Jews of Iraq.
مدارس الأليانس اليهودية في العراق
أميل كوهين
قبل أن نبدأ بالتحدث عن مدارس الأليانس من الجدير أن نستعرض تاريخ التعليم اليهودي في العراق. في العهد البابلي وما تلاه في العصر العربي انشأت عدة مدارس أو أكاديميات يهودية أشتهرت منها السورا وبومبديثا ونهردعة وكانت على العموم ذات بعد ديني تدرس فيها التوراة والتلمود الذي كان يتناول أيضا علم الطب والفلك والفلسفة والمنطق واللغة. أزدهرت هذه المدارس على الأخص في العصر العباسي وصارت القِبلة التي يقصدها اليهود من طالبي العلم في العالم وكان عميد هذه المدارس يسمى بالغاعون ويعتبر المصدر الأعلى للفتاوى اليهودية في العالم, فضلا عن كونه المسؤول عن تعيين القضاة اليهود في العالم الأسلامي. يعتبر الغاعون رجلا مهما بالنسبة للسلطة الحاكمة وكانت له علاقة وطيدة مع الخلفاء العباسيين وساهم اليهود في إحياء النهضة الفكرية والعلمية بالأخص في عهد خلافة هارون الرشيد والمأمون.
عند مجئ المغول الى العراق حطمت الخلافة العباسية وحدث تراجع حضاري وانتكاس علمي شمل جميع مكونات المجتمع العراقي ومن ضمنهم اليهود وانقرضت هذه الأكاديميات ولو أنها كانت في فترة إنحطاط نسبيا قبل مجئ المغول لقلة المؤهلين. أحدث الفتح العثماني تغييرا في أحوال اليهود وتمتعوا بحرية ممارسة طقوسهم الدينية وانبرى بعض الحاخامين بتأسيس مدارس دينية بصورة بدائية للأطفال تسمى بالحيدرعلى مستوى التعليم الديني التقليدي المرتبط بدور العبادة من تلاوة مقاطع من التوراة والصلاة والأدعية. كان الحد الأقصى في الدراسة هو 9 سنوات والتعليم يكون في دار الأستاذ الذي كان يخصص غرفة صغيرة للتدريس ولا يملك حتى سبورة ليكتب عليها ولم تكن هذه المدرسة ذات فائدة قيمة للأطفال. لهذا تأسس المدراش سنة 1832بقصد تطوير مستوى التعليم الديني في العراق ويعتبر المدراش أقدم مدرسة ثقافية يهودية في بغداد له مبنى خاص وصفوف تعليمية وإدارة مركزية وتلقى دعما من أهل التبرعات والأوقاف والتحق به الكثير من الطلبة لتعلم القراءة العبرية والعربية والوعظ الديني والدراسة الأبتدائية. وهو في الواقع لم يختلف عن المدارس الدينية الأسلامية في النجف وغيرها. بما أن اللغة العبرية لم تكن لغة الكلام وإنما لغة الصلاة فقط فكان الطلاب يكتبون باللغة العربية بحروف عبرية.
يعتبر يهود بغداد من أهم الطوائف في الشرق ويعتبر حاخاموهم المرجع الديني لكل الطوائف الشرقية رغم تضاؤل أهميتها نسبيا في العصر العثماني ولهذا قرر الحاخام الأكبر عبدالله سوميخ فتح مدرسة اليشيبا في بغداد سنة 1840 لتعليم الحاخامين ولتؤهلهم لإداء واجباتهم الدينية. ويقضي طلاب اليشيبا حياتهم في المدرسة التلمودية وهم يتلقون طعامهم ونفقاتهم البسيطة من اليشيبا وكانت دراساتهم تعتمد على الحوار والمناقشة في القضايا الدينية مما يؤهل الطالب لأن يكون حاخاما. بقيت هذه المدرسة تعتبر الأولى في الشرق الأوسط حتى افتتاح مدرسة ثانية في بغداد لمئير الياهو سنة 1908 وثمئذ مدارس يشيبا في كردستان ولكن المدرسة الأصلية التي اسسها الحاخام عبد الله سوميخ توقفت بعد وفاته 1889 لعدم وجود من يدعمها ماليا.
تجدر الاشارة الى أن العصر العثماني كان مظلما من ناحية التعليم في العراق لكافة العراقيين والشئ الوحيد الذي يجدرذكره بخصوص التعليم هو المدارس المسيحية التبشيرية التي أسست اولاها سنة 1721 على نمط أوروبي من قبل الآباء الكرمليين ودرست فيها العلوم الصرْفة والعلوم الدينية الى جانب اللغة الفرنسية والعربية ولكن عددها كان قليلا حتى اواسط القرن التاسع عشر حيث التحقت بها المدارس التبشيرية الكرملية والكاثوليكية والأرمنية والبروتستانت الأنكليزية. وبالطبع نجحت هذه المدارس في تنصير عدد من اليهود.
تمهيد عن حركة الأليانس الأسرائيلية في فرنسا:
حققت الثورة الفرنسية ثورة فكرية في المجتمع الفرنسي والأوروبي وخاصة بعد أعتلاء نابليون بونابارت الحكم حيث منحت الأقليات حقوق مواطنة متساوية مع الشعب الفرنسي والشعوب الأوروبية الخاضعة له. أثرت هذه التغييرات السياسية على اليهود أجتماعيا وثقافيا واقتصاديا مما شجعهم على الأندماج في المجتمع الفرنسي مما ادى الى تفكك الروابط الدينية التي كانت تجمع بعضهم ببعض. لم يقتصر النشاط على الأندماج فحسب وإنما ظهرت معارضة للفكرة الصهيونية وكان هناك من رفضوا فكرة أن اليهود في أوروبا يعيشون في المنفى ودعوا الى الأصلاح الديني. شكل تدخل الدول الأوروبية خلال القرن التاسع عشر لحماية الطوائف المسيحية في العالم العثماني حافزا للعمل على حماية اليهود في الدول خارج فرنسا والدفاع عنهم ضد الحرمان والأضطهاد. ولهذا نشأت الأليانس كجمعية تعمل في سبيل تطوير قدرات اليهود في العالم بما يؤمن أندماجهم كليا في مجتمعاتهم.
في هذا الوقت أي منتصف القرن التاسع عشرحصلت عدة مناوشات ضد اليهود في سوريا ولبنان ومصر مما حفز يهود فرنسا على العمل الجاد في البحث عن السبل لرفع مستوى اليهود في العالم الشرقي ونشر التوعية الثقافية والفكرية بين يهود العالم مما يحسن مكانتهم الأجتماعية التي تأثرت كثيرا بسبب السلوك المادي الذي عرف عنهم خلال تاريخهم.
وافقت السلطات الفرنسية على ممارسة الأليانس نشاطها ومنحتها الأجازة بشرط أن يكون المركز الرئيس في فرنسا وأن يكون احد اهدافها نشر الثقافة الفرنسية مما يعني أن تستفيد فرنسا أيضا من هذا النشاط. وفي عام 1860 جرى أنتخاب هيئة إدارية وبدأت بالعمل في البلقان والمغرب واتسع نشاطها وأصبحت أكبر جمعية خيرية في أوروبا وركزت اهتمامها المباشر على رفع المستوى الفكري والثقافي لليهود في العالم بدون التدخل في القضايا السياسية ومدت شبكتها الى أكثر من سبعين ولاية.
تم أفتتاح مدارس الأليانس في أسطنبول سنة 1862, تطوان في المغرب 1862, تونس 1863, بغداد 1864, أدرنه 1867, القدس1870, دمشق 1875, القاهرة 1890, طهران 1898, أصفهان 1905
واجهت الرؤية التي خلقتها الأليانس معارضة شديدة من عدة جهات أولها الحاخامون اليهود الذين عارضوا فكرة الأندماج بالمجتمعات التي يعيشون فيها خشية ان يؤدي ذلك الى التخلي من دياناتهم. كما ظهرت معارضات أخرى لأسباب سياسية تتعلق بالسيطرة على مناطق النفوذ فأعلن فرع لندن أنفصاله سنة 1870 وأسس The Anglo Jewish Association وكذلك أنفصل فرع برلين وفرع فينا سنة 1872ولو أنهم حافظوا على مراكزهم كمكونات في جمعية الأليانس متمثلة الآن في الأمم المتحدة والمجلس الاوروبي ويونيسكو. لكن على الرغم من الأنشقاقات والتحديات أستمرت الحركة بنجاح كبير وتم تأسيس هيئة تشريعية مركزها في باريس وتضم ممثلين من كافة يهود العالم وإدارة مركزية في باريس أيضا تعمل على تعيين مديري المؤسسات التعليمية والأشراف والتوجيه.
بقيت الأليانس تعارض الفكرة الصهيونية وتمنع ممثليها في الدول العثمانية من التدخل في المناقشات حول هذا الموضوع وجابهت تهجما صارخا من القوى الصهيونية وبقيت كذلك حتى أنتهاء الحرب العالمية الثانية حيث أخذت تجد رواجا كبيرا في الدول الاوروبية والأمريكية فتراجعت عن موقفها وتقبلت الفكرة.
الأليانس في العراق:
لقد شاهد القرن التاسع عشرصراعا قويا بين فرنسا وبريطانيا في كسب النفوذ في العراق ونجحت فرنسا في أرسال بعثات عديدة الى العراق للتبشير الامر الذي جعل بريطانيا تخشى أن يتحول المسيحيون الى المذهب الكاثوليكي فقامت أيضا بإرسال مبشريها وعززت سيطرتها السياسية والأقتصادية في العراق. وجدت فرنسا في يهود العراق فرصة لزعزعة النفوذ البريطاني أما من ناحية التبشير فقد حصلت بريطانيا على الأولية ونجحت في تنصير عدد من اليهود واعتناق الدين المسيحي البروتستاني وبهذا أدرك رؤساء الدين اليهود في العراق أن نجاح التبشير ناتج عن جهل اليهود ومن المهم تطوير مستوى التعليم الديني في العراق. ولكن الأغنياء اليهود عارضوا ذلك وأتفقوا على أن حماية اليهود من هذا الخطر لا تنجح الا عن طريق الأرتقاء بهم إجتماعيا وثقافيا ولهذا لا بد من الأستعانة بخدمات الأليانس.
في10 كانون الأول سنة 1864 أفتتحت مدرسة الأليانس الأولى في بغداد وقررت أن يكون منهجها علمانيا فقط بعيدا عن التعليم الديني وشغلت مبنى صغيرا في محلة تحت التكية وكانت أول مدرسة أليانس في المشرق العربي ( سبقتها في المغرب بسنتين) وكلف مسيو نريسون من فرنسا بإدارة المدرسة وكانت اللغة الفرنسية اللغة الأساس في التدريس واتبعت المدرسة النظم الفرنسية الحديثة.وجابهت فورا تحديات من الهيئة الدينية ومدارس المدراش احتجاجا على البرامج العلمية التي أعتبرت بدعة تضعف تمسك الطلاب بتعاليم دينهم وتضعف سطوة رجال الدين وأخذت الجهات الدينية تعارض المدرسة بكل قوة. أثار ذلك صراعا حادا بين التيار التقليدي والتيار المستنير وأصدر الحاخام يوسف حييم فتوة دينية دعمها أكثر الحاخامين اليهود تمنع الأسر الدينية من أرسال أولادهم للدراسة في المدرسة مما ادى الى اغلاق المدرسة وعودة مديرها الى فرنسا.
بعد محاولات فاشلة لأفتتاح المدرسة ثانية حصلت القوى المستنيرة بدعم غير متوقع من رئيس اليشيبا الحاخام عبد الله سوميخ الذي اعلن تأييده لموقف جمعية الأليانس وعزز قراره بالحاق ابنه بالمدرسة التي افتتحت ثانية في تشرين الأول 1865 وعين مسيو ماركس مديرا للمدرسة وافتتحها بحضور عبد الله سوميخ الذي كان موقفه هو الحافز الأول في التحاق اليهود بالمدرسة.
في سنة 1874 تضاعف عدد الطلاب عدة مرات (من 45 الى225) بحيث أصبحت غير ملائمة بمبناها هذا وأنتقلت الى مبنى جديد تبرع به المحسن ألبيرداود ساسون (ولد سنة 1818 ت 1896), وكان المبنى يضم أثنى عشر صفا الى جانب الغرف الأدارية الأخرى وباحة واسعة وحديقة يمكن للطلاب استنشاق الهواء النقي فيها. وفي سنة 1902 تبرع مناحيم صالح دانيال ببناء ملحق لمبنى المدرسة لتستوعب عددا أكبر من الطلاب وفي عام 1906 بني جناحا آخر لها.
لكن المعارضة الدينية استمرت والدعاية روجت ضدها الى أن قامت الأليانس ببناء معبد بجوارها وكسبت رضى الهيئات الدينية.
تمتع العراق ببعض التقدم العلمي والثقافي في عصر مدحت باشا 1869-1872 الذي قام باصلاحات كثيرة في فترته الوجيزة وافتتح أول مدرسة حكومية ولكن يمكن القول بأن مدرسة الأليانس كانت أول مدرسة علمية غير دينية في العراق.
مدرسة الأليانس كانت للبنين فقط ولم تحظ المرأة بالتعليم وعاشت كشأن باقي العراقيين تحت وطأة العادات والتقاليد التي تمنعها من التعليم. والمثل العراقي يقول ألف طفل مجنون ولا بنت خاتون. كانت أول مدرسة للبنات افتتحها الأرمن الأورثودكس سنة 1853. بدأ مدير الأليانس مسيو ماركس بالتفكير عن فتح مدرسة للبنات خاصة وأن الأرساليات التبشيرية قد وجدت رواجا بين البنات اليهود في بغداد. لكن هذه كانت خطوة جريئة تحتاج الى مساندة مالية ومعنوية من الأغنياء والقوى المستنيرة. بعد بعض التلكؤ أفتتحت مدرسة مهنية للبنات سنة 1890 لتعليم الخياطة والتطريز وغيرهما من الأعمال المنزلية وكان التدريب يجري وفق مناهج اوروبية بواسطة معلمات أجنبيات. وفي عام 1886 أفتتحت مدرسة الراهبات التقدمية الأمريكية في بغداد مشغلا ملحقا يعلم البنات التفصيل والخياطة.
شهدت الفترة الأخيرة من القرن التاسع عشر صحوة ثقافية بسبب مدارس الأليانس وتمكن المتخرجون من الحصول على وظائف حكومية وممارسة مهنة التعليم والتحقوا أيضا بالمهن الحرة واندمجوا في حياة الدولة.
في مطلع 1893 أفتتحت مدرسة الأليانس لتعليم البنات على طراز مدرسة البنين وتولت أدارة المدرسة زوجة مدير الأليانس مدام دانون والتحق بها عدد من المعلمات من فرنسا وبعد أنتهاء المرحلة الأولى وظفت بعض الخريجات لتدريس اللغة العربية واللغة العبرية . بقيت هذه المدرسة لمدة عقدين على أساس مدرسة أبتدائية ولكنها شهدت توسعا في عملها فتبرع السير ايلي خضوري سنة 1911 ببناء مبنى كبير في محلة التوراة وسميت مدرسة لورا خضوري على اسم زوجته. كانت البناية كبيرة تضم 29 صفا أضافة الى الغرف الأدارية ومستوصف ومختبرات علمية وقد حققت هذه المدرسة نجاحا نظيرا لنجاح مدرسة البنين حيث ازداد عدد طالباتها خلال عشرين عاما من 79-500 .
أصبحت الأليانس قبيل الحرب العالمية الأولى من أهم المدارس شأنا في العراق وأرقاها وأبعدها شهرة وصيتا. بدأت كمدرسة أولية يدرس الطالب فيها أربع سنوات يعقبها ما يسمى بالمرحلة الرشدية لمدة سنتين على المنوال العثماني تؤهل الطالب للمرحلة المتوسطة ولكن أدمجت المرحلتين بعدئذ بأسم مرحلة أبتدائية يدرس الطالب فيها ستة سنوات وسرعان ما فتحت روضة للأطفال سنة 1899 وثمئذ المتوسطة حيث تبرع الثري مناحيم دانيال بمبنى وسميت بإسمه في مطلع 1906,وكانت تطبق المدرسة بالأضافة الى المنهج الدراسي الرسمي المقرر منهجا خاصا في تعليم اللغة الفرنسية يحصل بموجبه الطالب في نهاية السنة المتوسطة على شهادة خاصة بالدراسة في الأعداديات الفرنسية. اعترفت الحكومة العثمانية سنة 1908 بشهادتها التي تؤهل المتخرج للألتحاق بالكليات في تركيا.وتبرع مناحيم دانيال أيضا ببيته الكبير القريب من مدرسة الأليانس ليكون روضة خصوصية.
بعد أن رسخت الأليانس جذورها في بغداد قامت بتوسيع شبكتها الى المدن الأخرى ففتحت أول مدرسة في البصرة سنة 1903 وبعد 3 سنوات فتحت المرحلة المتوسطة واتخذت الأدارة قرارا جريئا بجعل المدرسة مختلطة وسمحت بالتحاق الفتيات بها ولكن لوحظ أن الأقبال كان شديدا وافتتحت مدرسة خاصة للبنات سنة1912 . نالت المدرسة دعما ماليا من الجبهات البريطانية عند دخول الجيش البريطاني بشرط أن تقوم بتدريس الأنكليزية بشكل أوسع. كذلك حظى هذا الأقتراح برضاء الطائفة اليهودية التي توقعت ان يكون لها إتصال واسع ضمن االمؤسسات العراقية الخاضعة لادارة الأنتداب التي تكون أكثر فائدة من الأرتباطات المتينة مع فرنسا. ومن الغريب أن جميع المؤسسات التعليمية الحكومية والأجنبية أغلقت أبوابها عند دخول الجيش البريطاني الى بغداد سنة 1917 عدا الأليانس في بغداد التي أستمرت في التدريس بدون أنقطاع.
أحتوت الأليانس في سنة 1921 على 975 من البنين و420 من الفتيات. وساهمت جهود الأليانس في البصرة في إحداث نهضة علمية ثقافية وفتحت لهم آفاقا جديدة للعمل.
بعد هذا فتحت مدارس اليانس في الموصل 1906 وفي الحلة 1907والعمارة 1910 وخانقين 1911 وكركوك 1912 ولكن لم تتجاوز هذه المدارس المرحلة الأولية والأبتدائية وافتقرت هذه المدارس الى التقاليد التربوية التي تميزت بها مدارس بغداد والبصرة. بلغ عدد الطلاب في هذه المدارس 2800 طالب سنة 1913.
أفتتحت أيضا مدارس أخرى مستقلة تحت رعاية الأليانس وحسب برامجها ولكنها تقوم هي بتعيين مدرسيها مثل مدرسة رفقة نورائيل 1902 ومدرسة التعاون الأبتدائية أو ما سميت أيضا مدرسة راحيل شحمون 1909 ونوعم وطوبا نورائيل الأبتدائية للبنات 1924 ومدرسة شماش الأعدادية للبنين 1928 التي كان التدريس فيها باللغة الأنكليزية ومدرسة مسعودة شنطوب الأبتدائية للبنين 1930 ومدرسة مناحيم دانيال التي ذكرناها سابقا والتي تحولت الى مدرسة مختلطة 1928 حتى انفصالها عن رعاية الأليانس سنة 1947 . كما وتشجعت الطائفة اليهودية في فتح مدارس أخرى وبناء مدارس علمانية حديثة مستقلة عن الأليانس مثل المدرسة الوطنية ومنشي صالح للبنين والأعدادية الأهلية وغيرها وبمرور الزمن قلت المدارس الدينية واغلقت مدارس المدراش في ثلاثينات القرن العشرين.
واخيرا يمكننا ان نقول بأنه كان لمدارس الأليانس تأثير شامل على اليهود العراقيين ليس من الناحية العلمية والثقافية والفنية فحسب وإنما من الناحية الحضارية ايضا. مثلا كان غطاء الرأس للبنين هو العمامة التي تحولت الى الطربوش وبعدها بغير غطاء. كان الابناء يسرحون الشعر فوق جبهة الرأس مثل ما يسمى تفتة وتربية اللحى كانت شائعة ولكن الأليانس حرمت هذا الأسلوب ولباس الزبون وأرغمت الطلاب على حلق الذقون وبعدها صار الطراز الأوروبي متبعا في المظهر. كما نلاحظ أن الملابس التقليدية للبنات تغيرت من العباءة وغطاء الرأس الى السفوروالملابس الأوروبية ولهذا دام الصراع بين القوى التقليدية والقوى المتحررة مدة طويلة.
الأحصائيات تدل على أنه كان 12 مدرسة يهودية في العراق سنة 1920 ستة منهم في بغداد وعدد الطلاب كان 5500 طالبا من بنين وبنات وازداد الى 7000 في سنة 1930 و10000 في سنة 1942 و16000 في بغداد سنة 1949 ومنهم 4000 في مدارس الأليانس و500 في الدراسات العليا. وكان مجموع الطلاب اليهود في المدارس اليهودية والحكومية يبلغ 18000 وثلثهم فتيات وهذا يدل أن مستوى الأمية كان واطئا عدا في كردستان.
من الجدير الأشارة هو التطور الواسع في أواخر الثلاثينات للفتيات حيث توجه عدد منهن لمواصلة الدراسة العالية وتخرجت الدفعة الأولى من الفتيات اليهوديات من كلية الحقوق سنة 1941, وفي الفترة من 1941-1950 تخرجت 60 يهودية من كليات الهندسة والطب والحقوق.
المناهج الدراسية:
مرت المناهج المطبقة في الأليانس على مراحل عدة تعكس مستوى التطور الفكري والأجتماعي. نهجت الأليانس خلال سنوات عملها الأولى تدريس الحساب والمحاسبة والعلوم المهنية والتاريخ والجغرافيا أضافة الى تعليم اللغة العبرية والفرنسية والعربية. وفي المتوسطة تضاف اللغة الأنكليزية واللغة التركية وبعد الحرب العالمية الأولى تقلصت هذه الى اللغات الرئيسة وهي الفرنسية والعربية والأنكليزية.
ولكن بمرور الوقت بدأ يتصاعد مستوى البرنامج التعليمي بما يناسب التطور الأجتماعي والأقتصادي وأخذت تدرس علم الجبر والهندسة والفيزياء والكيمياء والرياضيات والأحياء ومع التطور الثقافي لاحقا قامت بتغطية الأنشطة الفنية كالمسرح والموسيقى والغناء والرياضة.
كانت اللغة الفرنسية هي لغة التدريس ولو أن اللغة العربية كانت تدرس أيضا وتعتني بها المدرسة لكونها لغة البلاد. ولكن وزارة المعارف العراقية أصرت على أن اللغة العربية تكون لغة التدريس ولهذا صار تراجعا باللغة الفرنسية ورجع عدد من المدرسين الفرنسيين الى بلادهم. ونظرا لأزدياد النفوذ البريطاني وتحت الحاح السفير البريطاني حظت اللغة الأنكليزية أهتماما أكبر بالدراسة بعد الفرنسية والعربية ولكن أصرت الأليانس أن تدفع بريطانيا حصة تدريس اللغة الأنكليزية وقامت جمعية ال Anglo Jewish Association بفتح مدرسة شماش سنة 1928.
لم يتوقف تميز الأليانس عند هذه الحدود بل ابتدعت الأمتحانات الفصلية فضلا عن الأمتحان النهائي ليتمكن الطالب الترقي الى صف أعلى ومن الشهادات التي كانت تمنح هي شهادة الCertificat وثم شهادة البريفيه تابعة لأمتحانات برامج المؤسسات الفرنسية عند المتوسطة ونلاحظ أن مدرسة شماش تمنح شهادة الMatriculation عند الثانوية تابعة لبرامج المؤسسات البريطانية. بالطبع بعد تأسيس الدولة العراقية وتنظيم بعدئذ منهاج التعليم لوزارة المعارف العراقية الذي يتطلب شهادات البكالوريا في الأبتدائية والمتوسطة والثانوية أضطر طلاب الأليانس الى التحول الى مدرسة شماش الثانوية أو الأعدادية الأهلية أو الدراسة المسائية للحصول على شهادة البكالوريا لعدم وجود مرحلة دراسية للثانوية فيها. وكانت هذه الشهادة مهمة جدا للحصول على وظائف محترمة في الدولة كما أن المتخرج كان يعفى عن الخدمة العسكرية أو كما يصطلح “يحال الى الخدمة المقصورة”.
وفي نهاية السنة الدراسية تعقد المدرسة حفلا تدعو إليه كبار الشخصيات الحكومية واليهودية. واشتهرت الأليانس بمستواها الراقي الذي طغى على باقي المدارس الحكومية والأجنبية مما حفز بعض الأسر البغدادية غير اليهودية للألتحاق بها وتخرج منها شخصيات عراقية التي صار لها لاحقا دورا فعالا في الحقل السياسي والأجتماعي مثل رئيس الوزراء توفيق السويدي ووزير المالية يوسف رزق الله غنيمة والوزير العلامة محمد بهجت الأثري إضافة الى الشخصيات اليهودية مثل ساسون حسقيل وأنور شاؤول ومير بصري.
في ثلاثينات القرن العشرين قطع المقر الرئيسي في باريس المعونة المالية من الأليانس وبدأت المدرسة تفرض رسوما دراسية وقلصت القبول المجاني لأبناء العوائل الفقيرة مما دفع البعض الألتحاق بالمدارس الحكومية. وقامت الطائفة اليهودية بتمويل المدرسة وكذلك أستلمت منحة سنوية من وزارة المعارف حتى إغلاقها سنة 1951 واستولت الحكومة العراقية على البناية وأسكن فيها اللاجئيين الفلسطينيين.حتى الهجرة الجماعية. كان هناك حوالي 26 مدرسة يهودية أفتتحت 10 مدارس جديدة منها في العقد الأربعين ولم يبق بعد الهجرة الا مدرسة مناحيم دانيال ومدرسة فرنك عيني التي أفتتحت سنة 1949 وأعدادية شماش التي أندمجت مع فرنك عيني وأغلقت في عقد السبعين عند تأميمها الى المدرسة النظامية.
كانت مدارس الأليانس ومدرسة شماش يستوردون مدرسي اللغة الفرنسية من فرنسا ولبنان ومدرسي اللغة الانكليزية من بريطانيا ولكن إمتازا باختيار أدباء لتعليم اللغة العربية مثل محمد شرارة وحسين مروة وعبد الحميد الراضي ومحمد حسن الصوري.
بالطبع لا نتمكن أن نتكلم عن التعليم في العراق بدون ذكرمدير المعارف التربوي القومي ساطع الحصري الذي كان يناوئ الأليانس حيث حاول التدخل في شؤونها بتبديل مناهجها ففرض عليها أن يكون معلمو اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والدروس الوطنية ممن تعينهم وزارة المعارف, ورفض تقديم المنحة الحكومية لها على أساس أنها مدرسة أجنبية وصارت له مناوشات عديدة مع وزير المالية في ذلك الحين ساسون حسقيل أستمرت لمدة الى أن سحب أعتراضه تحت ضغوط مجلس الوزراء. ولم يحظ طلاب المدارس اليهودية بالبعثات الى الخارج في عصره عدا خريجي الكليات بصورة محدودة حتى قدوم عبد الفتاح ابراهيم لأدارة المعارف في منتصف الأربعينات حيث حصل نسيم داود ونورية بار موشيه بالبعثة الى لندن لدراسة اللغة الأنكليزية وبعد 1948 ألغيت البعثات الحكومية للطلاب اليهود حتى التي بعد الدراسة العالية ولكن كانت مدرسة الأليانس ترسل عددا محدودا للدراسة في فرنسا أما مدرسة شماش فكانت تبعث أثنين كل عام من طلابها المتفوقين الى المملكة المتحدة عند إكمال المرحلة الثانوية على حساب ال Anglo Jewish Association .
وبالخاتمة نمكن أن نقول أن الأليانس نجحت في تحقيق أهدافها في العراق حيث رفعت مستوى التعليم اليهودي وأبعدته من قيود التعاليم الدينية وأخرجت نخبة مثقفة مؤهلة للعمل في معظم مجالات الدولة وحققت هدفها الأول وهو أندماج اليهود في المجتمع العراقي عوضا عن حياة العزلة والأنفراد الذي كان في عدد من الدول الأخرى. ويعتبر يهود العراق أكثر أندماجا في مجتمعاتهم المدنية من كثير من اليهود في العالم الشرقي. ومن أهم منجزات الأليانس أنها ساعدت في تحرير المرأة اليهودية وساهمت في النهضة النسوية في العراق حيث أزاحت الحجاب الفكري للمرأة العراقية ولربما لم تنجح الأليانس كاملا في خلق مجتمع مبني على الحضارة الفرنسية الأوروبية ولكنها نجحت باهرا في بناء مجتمع علمي يضاهي أحدث مجتمعات اليهود في الشرق الأوسط وأكثر إندماجا ولكن ليس بذوبانه حيث بقي يحتفظ بخصوصته وبهويته وهنا أستعير قول خلدون ناجي معروف أن نورا بهيا أشرق على يهود العراق من تلك المعاهد العلمية التي أسستها جمعية الأليانس.