ديسمبر 7, 2024
2024-11-21_16-13-48_461532

الكاتب : عبد الباري عطوان

مُذكّرتا الاعتقال اللّتان أصدرتهما محكمة الجنايات الدوليّة اليوم باعتقال بنيامين نتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال ووزير حربه يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضدّ الإنسانيّة خلال حرب الإبادة في قطاع غزة، خطوة شجاعة يعود الفضل الأكبر فيها لرئيسها القاضي كريم خان الذي لم يرضخ لكُلّ التّهديدات والضّغوط الأمريكيّة والصهيونيّة الجبّارة وحملات الابتِزاز القانوني والأخلاقي، ومضى قُدُمًا في إصدار المُذكّرتين في أسرعِ وقتٍ مُمكن.

نتنياهو باتَ الآن السياسي ورئيس الوزراء الوحيد الذي جرى تجريمه بالجرائم نفسها التي ارتكبها أدولف هتلر، وباتت إسرائيل الدّولة التي يترأس حُكومتها تتساوى مع ألمانيا النازيّة، إن لم تكن قد تفوّقت عليها، ومن مِثل محكمة أسّسها حُلفاؤها وداعموها في الغرب لاعتبارها مُمثّلًا لهم و”حضارتهم”.

قرار المحكمة كانَ واضحًا ومُستَنِدًا إلى القواعد القانونيّة الدوليّة حرفيًّا وليس الاعتبارات السياسيّة، فأهم جريمة ارتكبها نتنياهو وفق ما جاء في المُذكّرة ولم تُوجّه لهتلر، استخدام التّجويع كأُسلوبٍ من أساليبِ الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة المُتمثّلة في القتل والاضطهاد وتوجيه هجمات مُتعمّدة ضدّ المدنيين، ومنع وصول الإعانات الإنسانيّة، والأدوية للمُحاصَرين المُجوّعين، وللمُستشفيات حتّى أنّ الأطبّاء فيها اُضطرّوا لإجراء عمليّاتٍ للأطفال الجرحى دون تخدير.

هاتان المُذكّرتان تُؤرّخان بداية الانهيار لأساليب الهيمنة، والغطرسة، والابتزاز الصّهيوني للعالم ومُؤسّساته الدوليّة، وتمزيق كُل الأقنعة عن الوجه الصّهيوني الإجرامي البَشِع المُتعطّش لسَفكِ الدّماء، واغتصاب أراضي الغير، وبدعم وحماية من يدّعون أنّهم حُماة حُقوق الإنسان والكرامة والإنسانيّة.

إدانة حرب الإبادة الإسرائيليّة في قطاع غزة من قبل محكمة الجنايات الدوليّة هو إدانة أيضًا للولايات المتحدة الأمريكيّة، وجميع الدّول الأوروبيّة التي وفّرت أدوات القتل والإبادة لإسرائيل ومجازرها في قطاع غزة ولبنان، كما وفّروا الغطاء لها باعتبارها حقّ الدّفاع عن النّفس في تواطؤٍ فاجرٍ لقتل أكثر من 44 ألفًا مُعظمهم من الأطفال والنساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود مُعظمهم تحت الأنقاض، وتدمير 95 بالمئة من القطاع.

قرار المحكمة الجريء الشّجاع سيهبط بردًا وسلامًا على قُلوب الشّهداء من أبناء قطاع غزة والضفّة ولبنان واليمن، لأنّه جاءَ قصاصًا من مُجرمي الحرب الذين اعتبروا أنفسهم فوق جميع القوانين الوضعيّة والدوليّة والإلهيّة.

بنيامين نتنياهو سيعيش ما تبقّى من حياته، هذا إذا لم يتم اغتياله في الأسابيع والأشهر القليلة المُقبلة، سواءً على يد رجال المُقاومة، أو برصاص من الذين ضلّلهم وتسبّب في نُزوحهم أو قتل أبناءهم، سيقضي ما تبقّى من حياته مُطارَدًا مرعوبًا خائفًا من الاعتقال، أو خلف قُضبان محكمة الجنايات الدوليّة مِثل المُجرم الصّربي راتكو ملاديتش، ولا ننْسَ في هذه العُجالة أنّه لم يعد إلى بيته في قيساريا مُنذ وصول صاروخ حزب الله إلى غُرفة نومه، وباتَ يعيش في ملجأ مُحصّن على عُمُق 70 مترًا تحت الأرض.

هذا القرار سيكون صدمةً وإدانةً ودرسًا وصفعةً، لكُلّ القادة العرب وحوارييهم الذين طبّعوا العلاقات مع مُجرم الحرب المُدان نتنياهو، أو الآخرين الذين يقفون في طابور التّطبيع ويتطلّعون إلى مُصافحته واحتِضانه بحرارةٍ مثلما فعل السّابقون.. احتضان مُجرم حرب وضدّ الإنسانيّة وقاتل الأطفال؟

إنّها قمّة المسخرة أن تعتبر الحُكومة والمُعارضة في دولة الاحتلال “الحضاريّة” قرار المحكمة “مُعادٍ للساميّة”، ووصمة عار في تاريخ المحكمة، فالعار هو جرائم الإبادة والتّطهير العِرقي وقتل الأطفال جُوعًا، فـ”الساميّة” المُزوّرة التي يختبئون خلفها هي التي تتباهى بجرائم الحرب، والإبادة والقتل، ولهذا نقول مبروكة عليكم، بعد أن أصبحت تُصنّف في قائمة النازيّة والإبادة الجماعيّة، وبضاعتكم رُدّت إليكُم.

ختامًا ننحني احترامًا وتقديرًا للقاضي خان وزملائه في المحكمة الجنائيّة الدوليّة الذين انتصروا للعدالة وللإنسانيّة وللشّهداء الأبرياء، أو لمَن تبقّى على قيد الحياة من ذويهم في القطاع المنكوب الذين خذلتهم الإنسانيّة ومُعظم أبناء عقيدتهم، وتركوهم يُواجهون الموت شهادة، ويرفضون الاستِماع، مُجرّد الاستِماع لنداءات إنقاذهم، وكأنّهم من كوكبٍ آخَر.

حاولوا تشويه صُورة القاضي خان وابتزازه، بتلفيقِ تُهمٍ بالتحرّش والاغتصاب، ولكنّه كانَ فارسًا في صُموده، وانتِصاره للمُستَضعفين الذين يُواجهون الموت جُوعًا أو بصواريخ المُجرمين المُدانين، إنّه فخرٌ للإنسانيّة، وليس للعقيدة الإسلاميّة التي ينتمي لها فقط.. فتحيّة من القلب له من مُواطنٍ فِلسطينيٍّ عربيٍّ لاجئٍ يعتبر كُلّ الضّحايا والشّهداء والمُصابين، والمُدمّرة منازلهم في فِلسطين ولبنان واليمن أهله وعشيرته، ويقف في خندق العدالة والإنسانيّة مِثله، إنّه رجلٌ في زمنٍ سادَ فيه أشباهُ الرّجال وحُكمهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *