الكاتب: كيث جونسون / ترجمة : زينب منعم
كيف تحوّلت مجموعة غير منظّمة ومخصّصة من الدول إلى دول ثورية عالمية، ولمَ قد يسترعي هذا الأمر اهتمام الغرب؟
مجلة “فورين بوليسي” الأميركية تنشر تقريراً للصحافي كيث جونسون، وهو الذي يغطي شؤون الجغرافيا الاقتصادية والطاقة في المجلة، يتحدّث فيه عن مجموعة “بريكس”، وأهدافها، ويسأل عمّا إذا يمكنها التغلّب على الغرب وهيمنة الدولار.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرّف:
تعقد دول البريكس هذا الأسبوع قمّتها الرئيسة في مدينة قازان الجذّابة في روسيا، على ضفاف نهر الفولغا. وستكون أول قمة تنعقد بعد انضمام كل من إيران ومصر وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة إلى التكتل بشكل رسمي، وسيتضمّن جدول أعمالها لهذا العام الحديث المعتاد عن إنشاء نظام عالمي متعدّد الأقطاب لتحدّي الهيمنة الأميركية والغربية. وستسعى هذه القمة إلى بذل جهود للتوصّل إلى بدائل قابلة للتطبيق للهيمنة العالمية للدولار الأميركي، لمساعدة الأعضاء المتضرّرين بشكل خاص مثل إيران وروسيا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هذا العام ما إذا كانت المجموعة المتباينة بشكل مطرد قادرة على صياغة بديل فعلي للنظام الدولي الذي يقوده الغرب أم أنها ستصبح مجرّد نادي قتال للطامحين؟
وفي هذا الصدد، قال أوليفر ستونكل، الخبير في شؤون “بريكس” في مؤسسة “Getulio Vargas Foundation“، وهي جامعة ومركز أبحاث في البرازيل: “تعدّ روسيا هذه الفرصة مهمة لكي تثبت للغرب أنها ليست معزولة”.
إن مجموعة “بريكس” الموسّعة هي في الواقع مجموعة متنوّعة. ويشمل الأعضاء الجدد دولاً ترزح تحت المظلة الأمنية الأميركية وأخرى خاضعة للعقوبات الأميركية. وقد يشمل الأعضاء المحتملون دول حلف شمال الأطلسي مثل تركيا ودولاً أخرى على مستوى العالم مثل كوريا الشمالية وسوريا. أما الغرب، فيميل إلى رفض المجموعة باعتبارها مزيجاً غير متماسك.
وبعيداً عن واشنطن ومجموعة السبع والاتحاد الأوروبي، يصعب تقدير مدى الاستياء الموجود من النفاق والهيمنة الغربية، وكلها أمور تساعد على ربط العضوية الفضفاضة في مجموعة “بريكس”. وقد أصبح هذا الأمر واضحاً بشكل خاص في ما يتعلق بقضايا مثل الصراع في الشرق الأوسط، والتكلفة الضخمة التي تتحمّلها البلدان المتوسطة الدخل نتيجة للامتياز الباهظ الذي يوفّره الدولار.
وفي هذا السياق قالت أسلي أيدينتاسباس من معهد “بروكينغز”: “إنها ليست كتلة متماسكة، لكنها رسالة متماسكة، حول الرغبة في نظام عالمي بديل، وهي رغبة نابعة من اقتصادات كبيرة”.
لقد استغرق الأمر ثماني سنوات حتى تتمكّن دول البريكس من تحويل اسمها المختصر إلى تجمّع مناسب، وستة أعوام أخرى للبدء في إرساء أسس نظام عالمي بديل. وبحلول عام 2015، أصبح لدى مجموعة “بريكس” مصرفاً خاصاً، يُدعى بنك التنمية الجديد (NDB)، والذي كان من المفترض أن يقدّم بديلاً للمقرضين الذين يهيمن عليهم الغرب مثل البنك الدولي. وقد نجحت هذه الخطة إلى حد ما. فقد تراوحت قيمة القروض التي قدّمها بنك التنمية الجديد بين 8 و10 مليارات دولار العام الفائت، مقارنة بمبلغ 73 مليار دولار الذي قدّمته وسيلتا التمويل التابعتان للبنك الدولي.
وفي السنوات التي تلت ذلك، قامت الدول الأعضاء بنسج علاقات مهمة للغاية من خلال اجتماعات مستمرة متوسطة المستوى لتعميق العلاقات في مجالات التجارة والاستثمار والدبلوماسية والقانون والمالية وغيرها من المجالات.
وترغب بلدان عديدة، ولا سيما تلك الأعضاء في مجموعة “بريكس” التي تتمتع بثقل اقتصادي أكبر من النفوذ الجيوسياسي، في إصلاح الطريقة التي يُدار بها العالم، وهذا يعني مراجعة الكيفية التي تعمل بها الأمم المتحدة، والحصص والقيادة في المؤسسات المالية متعددة الأطراف مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما من المؤسسسات.
وهذه الدول تتشارك جميعاً، بدرجة أكبر أو أقل، فكرة إعادة التشديد العميق على السيادة باعتبارها المبدأ المنظّم للعلاقات الدولية. كما أنّ التدخّل الغربي، وخاصة الولايات المتحدة، في مجالات مثل حقوق الإنسان، وسيادة القانون، والسياسة الداخلية، والدبلوماسية يثير الغضب لأنه غير مرحّب به ولأنه غالباً ما يكون منافقاً.
وجميعها يتشارك، بشكل أو بآخر، رغبة مفهومة في الهروب من طغيان الدولار؛ فحتى حلفاء الولايات المتحدة الأقوياء خارج مجموعة “بريكس”، مثل فرنسا وألمانيا، تحسسوا من قيود الدولار.
كما أنّ هذه الدول تتصوّر عالماً لا يكون فيه الغرب المتدهور القوة الوحيدة على الساحة، ما يجعل الاستعداد لهذه المرحلة إن لم يكن استعجالها أمراً ضرورياً.
وفي هذا الإطار قالت أيدينتاسباس: “تتمتع مجموعة بريكس بشعبية كبيرة لأن الدول تقوم بالتحوّط في رهاناتها من أجل نظام ما بعد أميركا. وتُعدّ بريكس بمثابة بوليصة تأمين للكثير من هذه البلدان”.
لقد سعت مجموعة “بريكس”، منذ قيامها، إلى إنشاء نظام عالمي جديد ينشط في مجالات متنوّعة وأهمها المجال المالي. فشكّلت الإطاحة بالدولار هدفاً مركزياً للمجموعة. وبالنسبة للبعض، مثل الصين وروسيا وإيران، فإنّ البديل للدولار يعني وسيلة لحماية اقتصاداتها من العقوبات. فروسيا وإيران تقبعان تحت الحصار فعلياً، وقد أمضت الصين الأعوام الماضية في دعم أسوارها المالية. ويظل تجميد الغرب لحيازات البنك المركزي الروسي في الخارج واحتمال استيلائه عليها في أوائل عام 2022 بمثابة قصة مؤلمة وتحذير للدول التي تخشى أن تكون التالية.
ولأن الدولار لا يزال العملة الأكثر استخداماً في التجارة عبر الحدود، والعملة الرئيسة في خزائن البنك المركزي، ولأن البنوك الأميركية تشارك في كل معاملة بالدولار تقريباً، فإن نطاق العقوبات الأميركية بات عالمياً وساحقاً.
كما أنّ أعضاء مجموعة “بريكس” الآخرين يشعرون بالانزعاج إزاء هيمنة الدولار، ولكن ليس لأنهم يخشون العقوبات في حد ذاتها، بل لأنّ ما يقلقهم هو هيمنة الدولار على حياتهم الاقتصادية من دون أن يكون لهم أي رأي فيها. فالكثير من هذه الدول تصدّر السلع الأساسية وليس لديه خيار سوى التعامل بالدولار، لأنّ أسواق السلع الأساسية لا تزال مقوّمة بالدولار. وقد يؤدي نقص الدولارات إلى شلّ التجارة وإضعاف المالية العامة. وجميع هذه الدول معرّضة لتقلّبات قرارات سعر الفائدة التي يتخذها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والتي يمكن أن تجعل قيمة أموالها أقل، وتؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخّم، وتعيد تحديد أرصدة رأسمالهم، وتجعل ديونهم غير مستدامة.