الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن يرغب ورغبا “وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ” ﴿البقرة 130﴾ يرغب فعل، الرغبة: الإرادة و الكراهة. رغب عنْ: يزهد و ينصرف عن. سفه فعل، سفه نفسه: سَفَّهها و امتهنها. أو جهلها و استخف بها. أو أهلكها و أوبقها، و في الأصل: سَفِه نفسَه: جهل قدرها، سَفِهَ نَفْسَهُ: ظلم نفسه بسوء تدبيره، إلا من سفه نفسه: جهل أنها مخلوقة لله يجب عليها عبادته أو استخف بها وامتهنها، ولا أحد يُعرض عن دين إبراهيم وهو الإسلام إلا سفيه جاهل، ولقد اخترنا إبراهيم في الدنيا نبيًّا ورسولا وإنه في الآخرة لمن الصالحين الذين لهم أعلى الدرجات،. قوله عز وعلا “لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ” ﴿النساء 127﴾ وَتَرْغَبُونَ: وَ حرف استئنافية، تَرْغَبُ فعل، ونَ ضمير. يطلب الناس منك أيها النبي أن تبين لهم ما أشكل عليهم فَهْمُه من قضايا النساء وأحكامهن، قل الله تعالى يبيِّن لكم أمورهن، وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تعطونهن ما فرض الله تعالى لهن من المهر والميراث وغير ذلك من الحقوق، وتحبون نكاحهن أو ترغبون عن نكاحهن، ويبيِّن الله لكم أمر الضعفاء من الصغار، ووجوب القيام لليتامى بالعدل وترك الجور عليهم في حقوقهم. وما تفعلوا من خير فإن الله تعالى كان به عليمًا، لا يخفى عليه شيء منه ولا من غيره. قوله جل جلاله “يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ” ﴿التوبة 120﴾ ما كان ينبغي لأهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَن حولهم من سكان البادية أن يتخلَّفوا في أهلهم ودورهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يرضوا لأنفسهم بالراحة والرسول صلى الله عليه وسلم في تعب ومشقة، ذلك بأنهم لا يصيبهم في سفرهم وجهادهم عطش ولا تعب ولا مجاعة في سبيل الله، ولا يطؤون أرضًا يُغضِبُ الكفارَ وطؤهم إياها، ولا يصيبون مِن عدو الله وعدوهم قتلا أو هزيمةً إلا كُتِب لهم بذلك كله ثواب عمل صالح. إن الله لا يضيع أجر المحسنين. قولع عز من قائل “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ” ﴿الأنبياء 90﴾ رغبا اسم، خاشعين اسم، خَاشِعِينَ: متذللين، خاضعين، خائفين، فاستجبنا له دعاءه ووهبنا له على الكبر ابنه يحيى، وجعلنا زوجته صالحة في أخلاقها وصالحة للحمل والولادة بعد أن كانت عاقرًا، إنهم كانوا يبادرون إلى كل خير، ويدعوننا راغبين فيما عندنا، خائفين من عقوبتنا، وكانوا لنا خاضعين متواضعين.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى “ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه” (التوبة 120) أمروا بصحبة رسول الله صلى الله عليه وآله على البأساء والضراء، وبأن يكابدوا معه الشدائد برغبة ونشاط. وجاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: قال تعالى: “أحسب الناس أن يتركوا” (العنكبوت 52) والترك على ضربين أحدهما مفارقة ما يكون الانسان عليه، والآخر ترك الشئ رغبة عنه من غير دخول كان فيها كما قال تعالى: “تركت ملة قوم لا يؤمنون” (يوسف 37) أي رغبت عنها. قوله تعالى “نصرف الآيات” (الانعام 46) (الأنعام 65) (الانعام 105) (الاعراف 57) أي نكررها تارة من جهة المقدمات العقلية، وتارة من جهة الترغيب والترهيب، وتارة من جهة التنبيه والتذكير بأحوال المتقدمين.
قوله تعالى ” وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ” (الأنبياء 90) جاء في مدارج السالكين: والفرق بين الرغبة والرهبة، هو: أن الرغبة رجاء خاص، فالرجاء طمع، والرغبة طلب، فإذا قوي الطمع صار طلبًا، أما الرهبة فهي: خوف خاص ووَجَلٌ خاص، فالرغبة نوع من الرجاء، وهي: أعلاه، والرهبة نوع من الخوف، وهي: منتهاه، فالرغبة والرهبة كل منهما ملتئم من الرجاء والخوف، والرجاء على الرغبة أغلب، والخوف على الرهبة أغلب. ومن الأعمال الصالحة إدخال الفرح على البنات من الذرية. ومن القصص القرآنية ان زكريا عليه السلام اراد من الله له ولد وكانت زوجته عاقر فوهب الله له ولد لانهما كانوا يسارعون في الخيرات”فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ” (الانبياء 90). وجاء في الحديث (لا رهبانية في الإسلام). والله جل جلاله هو الوحيد صاحب الرهبة، والمطلوب من عباده الإخلاص في طاعته. قال الله عز وجل “وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ” (النحل 51)، و”وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا” (الأنبياء 90).
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: وقال تعالى “وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ” (البقرة 130) أي لا يترك مقتضيات الفطرة إلا من فسد عقله فسلك غير سبيله. لا يكون السفيه امام التقى اشارة إلى قوله تعالى “وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ” (البقرة 130-131)، فقد سمى الله سبحانه الرغبة عن ملة ابراهيم وهو الظلم سفها، وقابلها بالاصطفاء، وفصر الاصطفاء بالاسلام. مدح الله تبارك وتعالى بيت زكريا بقوله “إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ” (الانبياء 90) وهم يحيى وأبوه وأمه.
جاء في موقع طريق الحق عن ادعية الصالحين في القرآن الكريم للكاتب محمد صالح المنجد: إنك تجيب سائليك، إنك تسمع أصواتهم مهما كانت ضعفاً وخفاءً، وأنت تعطي ولا تحرم، لأنك كريم منان، ولذلك لما سأل، وهب الله له يحيى كما قال سبحانه: “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ” (سورة الأنبياء 90)، فهو أعطاه أكثر مما سأل، أصلح الله زوجته بعدما كانت عاقراً لا يصلح رحمها للولادة، فأصلح الله رحمها للحمل لأجل نبيه ودعائه، فبشرته الملائكة بذلك. ان الله لا يضيع عمل عامل الصالحات ولا ينسى دعاءه ولو بعد حين فكما ان محصول زرع قد تحصده بعد سنة وزرع اخر بعد سنوات فان جزاء العمل ايضا قد يطول لحصاده في الدنيا و يكون حاضرا بعد الممات وفي الاخرة، و ان زكريا عليه السلام واهله استجاب دعوتهم بيحيى عليه السلام لانهم يسارعون في الخيرات ويدعون الله تعالى “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ” (الانبياء 90). اما محمد واله عليهم السلام فهم اكثر الخليقة مسارعين في الخيرات والدعوات فكانوا هم أهل الخيرات و ببركاتهم يستجيب الله دعوات العباد ومن هؤلاء الال الحسين واخيه العباس وابنه السجاد عليهم السلام الذين يحتفلون بميلادهم هذه الأيام.