الكاتب : جمال الناصري
لا ضوء ينبض في احياء المدينة بعد ان اقفلت أبوابها عند المساء، هرب الناس جميعا الى بيوتهم المحصورة في الازقة الضيقة، كذلك اختفى حراس المدينة الواحد تلو الآخر بعد اطلاق آخر صفارة انذار، فاصبحت الشوارع هي الاخرى مقفرة خالية من كل شيء الا الجماد باستثناء الجرذان التي تخرج ليلا بعد انجلاء الحركة والضياء، كان المطر يهطل بغزارة شديدة حتى سال على الارض المسطحة بعد ان تكدس جزء منه في فتحات تصريف المياه ، ينظر الى المطر في ذهول، وهو يخط سهامه بزاويا حادة على اسطح النوافذ يكاد ان يخرقها، اغرق السيل الجارف ذلك المكان الذي اتخذ منه بحبوحة كي يمضي تلك الليلة الحزينة، انسحب بجسده الى زاوية تركن بين اضلاع عمارة شاهقة ، فجلس القرفصاء، فشد رجليه بقوة الى بطنه، فتقوس ظهره، ثم ادار كلتا يديه حول ساقيه المشدودتين على بطنه، فبدا شبه كائن كروي، يتلصص من خلال عينين خائفتين ، وجسد نحيف يهتز من شدة الخوف والبرد، وضع راسه في حجره في محاولة يائسة لأستراق النوم، ضعفت قواه ، فأستسلم الى ومضة نعاس خفيف، تتدرج به الوسن شيئا فشيئا حتى صار في عمق النوم ، نام ليلة هانئة، فراى احلام لم يراها من قبل، أطلق العنان لصوت شخير قوي صادر من داخل جوفه التنفسي، لم يصح حتى الصباح حيث فز مرتعبا، بعد أن ايقظه جرذ كبير وهو يعض بأسنانه أبهام قدمه اليمنى ..
جمال الناصري
اوترخت- هولندا