الكاتب : سلمان رشيد الهلالي
اطرح على نفسي بين الحين والاخر هذا السؤال : لماذا لم يظهر عندنا في العراق مثلما ظهر في بلاد الشام كتاب ومثقفون ومفكرون مثل ادونيس وعلي حرب وحسين مروة وجورج طرابيشي وفراس السواح ومحمد شحرور ومطاع صفدي وغيرهم ؟ ولماذا لم يظهر عندنا مثلما ظهر في ايران عبد الكريم سروش ومحمد مجتهد شبستري ودارويش شايغان (وحتى في المجال الديني مثل علي شريعتي)؟ ولماذا لم يظهر عندنا مثلما ظهر عند المغاربة محمد اركون ومحمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن وعبد الله العروي وعبد الاله بلقزيز ؟ وكذا الامر في مصر لماذا لم يظهر عندنا مثلما ظهر عبد الرحمن بدوي وفؤاد زكريا وزكي نجيب محمود وحسن حنفي ونصر حامد ابو زيد والسيد القمني وغيرهم ؟. ان المتتبع البسيط في حال الثقافة العراقية يجد التخلف الواضح في المسارات الفكرية والمعرفية والفلسفية بالقياس الى المسارات الاتية :
1 – بالقياس الى العهد الملكي شبه الليبرالي والديمقراطي . فلم يظهر عندنا كتاب ومثقفون معرفيون مثلما ظهرت النخبة المثقفة (الانتلجنسيا) في العهد الملكي التي اكملت دراستها بالخارج وعززت عندها القيم الليبرالية والمعرفية ,من قبيل علي الوردي وجواد علي وعبد الجليل الطاهر وطه باقر وعبد الفتاح ابراهيم ومصطفى جواد وغيرهم .
2 – بالقياس الى بلاد الشام وايران ومصر والمغرب العربي (واخشى ان ياتي يوم واقول حتى في الخليج) .فالحراك الفكري والمعرفي والفلسفي للنخبة المثقفة في هذه الدول متقدم باشواط عديدة عن الحراك الفكري في العراق , بحسب الاسماء التي برزت في تلك الدول التي ذكرناها في مقدمة المقال .
3 – بالقياس الى المناهج الحديثة لما بعد الحداثة , بل وحتى مناهج الحداثة . فحتى الان لم يتم استعارة المناهج المعرفية والفكرية والفلسفية الغربية وتطبيقها او دراستها على المجتمع العراقي . فهل درسنا منهج هيغل في تحولات الوعي عبر التاريخ على المجتمع العراقي او ظاهريات هوسرل او حفريات فوكو او وبنى شتراوس او مناهج بورديو او ليوتار او دولوز ؟؟.
ان المتتبع المعرفي يجد ان الانتلجنسيا العراقية عندها قصور واضح ليس في ندرة الدراسات المعرفية والفكرية والفلسفية فحسب , بل وفي غياب المشروع الفكري عند تلك الانتلجنسيا وتحوله الى نسق شامل من حيث تنظيم الافكار وترابطها في سلسلة كلية وكما بين هيغل (ما لم تشكل الفسفة نسقا فانها لن تكون نتاجا علميا) او تعريف كانت له في كتابه (نقد العقل الخالص) بانه (وحدة انواع مختلفة من المعرفة تندرج تحت فكرة واحدة) . بمعنى ان الانتلجنسيا العراقية عندها تاخر مضاعف او مزدوج في :
الاول – غياب الدراسات المعرفية والفكرية والفلسفية , او ندرتها على المستوى الفردي .
الثاني – غياب المشروع الفكري والمعرفي المتكامل الذي يحوي نظاما ونسقا من التصورات المعرفية لتلك الكتابات . والمشروع الفكري هو الخطاب الثقافي الذي يحوي تعددا في الرؤى والحلول والمعالجات للاشكالات المستعصية في البنى المعرفية لمجتمع معين , وهو عبارة عن مؤلفات ودراسات تطرح افكارا وتصورات محددة للنقد والاصلاح , وتقوم على اسس رصينة من التحليل والتركيب والعلمية . فالمتتبع الى مؤلفات محمد اركون ومحمد عابد الجابري وادونيس وحسن حنفي ونصر حامد ابو زيد وعبد الكريم سروش وعلي شريعتي وغيرهم يجد انهم يمتلكون مشروعا فكريا ومعرفيا متكاملا للتنوير والحداثة والاصلاح . فيما ان الانتلجنسيا العراقية لم تصل بعد الى مرحلة الدراسات المعرفية الفردية المنقطعة او المتفرقة , ناهيك عن الشمولية والتعددية .
واستطيع ان اقول ان المعرقلات الاساسية للثقافة الفكرية والمعرفية والفلسفية في العراق التي ادت الى ترسيخ هذه الظاهرة السلبية هى (الادب والسياسة والايديولوجيا) .
الاول : الادب : ان الادب في العراق يعرقل الثقافة المعرفية والفكرية من خلال مسارات عديدة لايمكن طرحها كلها ,ولكن يبقى اهمها :
1 – ان الادب قد بلور او صنع عند العراقيين ما اطلق عليه الدكتور علي الوردي تسمية (التفكير الشعري) , وهو التفكير المثالي والاستعراضي والكاذب والمبالغ والزائف والعاطفي والانغماس باللغة والالفاظ والصور والاستعارات في مقابل التفكير المعرفي والعقلاني والموضوعي , لذا تجد اغلب العراقيين – وخاصة في الوسط والجنوب – خضوعهم لهذا النوع من التفكير في الكتابة والنشر والجدال والنقاش الذي لاينتهي سوى الى التباهي والتذاكي والتلاعب بالمفرادات والمزايدات والتدليس وخلط الاوراق , حتى اصبح العراقيون ظاهرة صوتية اكثر من العرب انفسهم .
2 – الانغماس بالشعر والرواية والقصة والمسرحية والتقديس والتقدير والتبجيل والاحترام والشهرة لمن ينشر بهذا المجال , فيما على النقيض من ذلك التهميش الاهمال والاقصاء والانزواء لمن ينشر في المسار الفكري والمعرفي . ويكفي ان ترى الاف الدواوين الشعرية والروايات التي تطبع سنويا في العرق , حتى اصبح البلد كله شعراء وروائيين , واعينهم ترنو للامارات بحثا عن الجوائز والمغانم . ويكفي ان تعرف مقدار التقدير للشعراء ان التماثيل الوحيدة في العراق هى لشعراء فقط (المتنبي والجواهري والرصافي والحبوبي والسياب والكاظمي) فيما لايوجد اي تمثال لمفكر واحد (عدا تمثال للمنظر الماركسي عزيز السيد جاسم في مدينته النصر/الناصرية) , وبالطبع لايوجد تمثال لعلي الوردي او غيره من الكتاب والمفكرين المعرفيين . الامر الذي يخلق ضمن اللاوعي عند الانسان والفرد والشاب العراقي انبهارا وتقديرا للشعر والرواية والمسرحية والقصة ,وتقديسا لهؤلاء الشعراء والروائيين ومحاولة تقليدهم ومسايرتهم والحصول على الجوائز والتكريم والاضواء مثلهم .
3 – تشجيع الانظمة الاستبدادية بعد انقلاب شباط 1963 للادب بعامة والشعراء والروائيين بخاصة , ودعمهم وتقريبهم من اجل تحييدهم وشراء ذممهم اولا وتبييض صفحة تلك الانظمة الشمولية ومدحها ثانيا . فالانظمة الاستبدادية – كما هو معروف – تخشى الفكر والمعرفة وتروج للايديولوجيا والادب , وقد نجحت في ذلك نجاحا باهرا . فاغلب الشعراء تم شراؤهم وكسبهم بالمناصب والاموال والاعلام للترويج الى تلك الانظمة الاستبدادية ومدحها وتبييض صفحتها وتبرير اعمالها – وخاصة القوميين منهم والشيوعيين – ولاحاجة لذكر اسماؤهم . وهذا النمط ليس بالجديد على الثقافة العربية او عند الانظمة الاستبدادية , فالخلفاء الامويين والعباسيين قد كسبوا الشعراء بهذه الطريقة وقربوهم واجزلوا لهم العطاء , فيما اضطهدوا الفلاسفة والمفكرين . والحكام القوميين في العراق – كما يبدو – قلدوهم كليا بهذا المسار .
الثاني : السياسة : وهى تعرقل الثقافة المعرفية والفكرية من خلال مسارات عدة :
1 – الانشغال بالصراع والنقاش والجدال والكتابة السياسية والحزبية واستهلاك الوقت والجهد بهذا العمل , وبما ان الانسان طاقته محدودة , فانه سيهدرها في هذا المسار. كما ان الطموح السياسي والرغبة بحيازة السلطة والمناصب والتملك وفرض الايديولوجيا من خلالها على المجتمع , ساهم في الابتعاد عن الدراسات المعرفية والمشاريع الفكرية . فالمنصب السياسي والحكومي في العراق بعد ثورة تموز 1958 اصبح نوعا من الغنيمة والاستحواذ على مقدرات الدولة ,وسلما نحو الارتقاء والبروز الاجتماعي والثقافي عند ابناء الصعاليك , حتى نسب القول للدكتور علي الوردي (ان ثورة 1958 حولت العراقي الى حيوان سياسي) .
2 – الغرض السياسي البعيد عن الموضوعية والعقلانية والمعرفة والنزاهة والحيادية . فكلنا يعلم ان الحقل السياسي قائم على البرغماتية والاداتية والانتهازية واستغلال الفرص وركوب الموجة وخلط الاوراق والتدليس, وهو عامل ساهم بصورة او باخرى بتزييف الوعي وغسل ادمغة الناس لاغراض سياسية , وعندنا في العراق اليوم دليل قاطع على انتشار تلك الظاهرة , ليس عند العامة والقطيع البشري فحسب , بل وعند الكتاب والادباء والمثقفين , حيث غياب الموضوعية والعقلانية والروح الوطنية والاخلاق في طرح اي موضوع , والسبب هو السياسة والصراع السياسي . كما ان الغرض السياسي اخذ يتمدد على اغلب جوانب الثقافة الاخرى في العراق , في التاريخ والفكر والاجتماع والفلسفة والجغرافية والدين , وبما ان السياسة ما ان دخلت بشيء الا افسدته – كما قال محمد حسين كاشف الغطاء – فان هذه المسارات الثقافية تعرضت للتزييف والتدليس والافتراء والكذب , وغابت عنها الحيادية والمعرفية والموضوعية , وبالتالي اصبح الحراك الثقافي تحركه السياسة من خلف الستار ,وليس الثقافة هى من توجه السياسة .
3 – الاختراق السياسي للثقافة العراقية من قبل الانظمة الشمولية القومية (الناصرية والبعثية) التي حكمت العراق بين عامي (1963-2003) , القت بظلالها القاتمة على المشهد الثقافي والمعرفي والفكري , حيث تسلط الاحزاب القومية والغاء التعددية السياسية وتقييد الحريات العامة والاستهداف الطائفي والترويج للفكر القومي الاحادي والاستبداد الحكومي والاستحواذ على مقدرات الدولة الثقافية والاعلامية والتعليمية , كلها عوامل ساهمت بالترويج للكتابات الثورية واليسارية والقومية والاشتراكية ,وتغييب الكتابات المعرفية والفكرية والفلسفية .
ثالثا : الايديولوجيا : الايديولوجيا هى فكر دون واقع . والمعرفة هى تطابق الفكر مع الواقع . والايديولوجيا هى الحكم المسبق على المفاهيم والاحداث والتصورات دون معرفة او تحقيق . والمعرفة لاتحكم على الاحداث مقدما او تنطلق من يقينيات وعقائد مسبقة . والايديولوجيا غايتها الهيمنة والسلطة وتزييف الوعي , والمعرفة غايتها التنوير والوعي . وكما قال ماركس (الايديولوجيا وجدان كاذب وحجاب عن الواقع) . والثقافة العراقية تورطت بعد ثورة تموز 1958 وانقلاب شباط 1963 بهيمنة الايديولوجيات الثورية واليسارية (الشيوعية والقومية) – وبعدها الاسلامية السياسية – على المشهد الثقافي . واذا كان علي الوردي يقول ان ثورة تموز 1958 حولت العراقي الى (حيوان سياسي) فاني اقول ان ثورة تموز 1958 حولت العراقي الى (حيوان ايديولوجي) . اذا صارت الادلجة والغرض الايديولوجي تهيمن على جميع مفاصل الثقافة والتربية والتعليم , وعلى جميع الافكار والتصورات والمفاهيم وغيرها , الامر الذي قوض المعرفة والفكر . وصار الكتاب والمثقفون يتنافسون في تبني الايديولوجيات الثورية والترويج لها في المجتمع ,وعملوا بجهد منقطع النظير على تزييف الوعي وغسل الادمغة في رؤى وتصورات بعيدة عن الواقع , هدفها الاساس التملق للسلطة وترسيخ سلطتها . وبما ان الايديولوجيات تطرح حلولا نظرية ويوتوبية جاهزة , فقد تاثر بها العراقيون بقوة وتماهوا معها , عسى ان تشكل مسارا للخلاص من التراجيديا المزمنة التي يعانون منها , الا انها بالعكس من ذلك , زادت من معاناتهم واغترابهم وضياعهم . ويكفي ان تعرف قوة الايديولوجيا وسطوتها في العراق هو العدد الهائل من الكتاب الايديولوجيين الذين برزوا بعد انقلاب شباط 1963 للتوجهات القومية والماركسية والاسلامية ابرزهم :
– التوجه القومي : عبد العزيز الدوري وسعدون حمادي وفؤاد الركابي وحازم طالب مشتاق وياسين خليل وخير الدين حسيب وميض جمال عمر نظمي وعلي حسين الجابري ومحي الدين اسماعيل وعبد الله سلوم السامرائي وعبد الرحمن البزاز .
– التوجه الماركسي : عزيز السيد جاسم وابراهيم كبة ونوري جعفر وفيصل السامر وهادي العلوي وزهير الجزائري وحسين قاسم العزيز وكاظم حبيب وعقيل الناصري وصفاء الحافظ وطعت الشيباني .
– التوجه الاسلامي : محمد باقر الصدر ومحمد رضا المظفر وعبد الكريم زيدان وعبد العزيز البدري ومحسن عبد الحميد ومحمد مهدي الاصفي وعبد الهادي الفضلي واحمد الوائلي ومحمد طاهر الحسيني وصلاح عبد الرزاق واحمد الكاتب وامجد الزهاوي وعماد الدين خليل وعبد الله النعمة وعلي المؤمن وصائب عبد الحميد ومحمد الصدر وعرفان عبد الحميد .
ولاتقتصر الايديولوجيا على التيارات الثورية الثلاث (الماركسية والقومية والاسلامية) , وانما هناك ادجلة من نوع اخر تعرقل التفكير المعرفي على الساحة الثقافية بالعراق , كأن تكون ايديولوجيا علمانية او وطنية او طائفية . وهى منتشرة بصورة كبيرة وظاهرة , ويمكن رؤيتها من خلال المقالات والدراسات التي ينشرها اصحاب هذه التوجهات في الانترنت .
وحتى لانبخس الناس اشياؤهم ,فان الواجب علينا ان نذكر ان هناك العديد من الدراسات المعرفية والفكرية اخذت بالظهور بعد السقوط عام 2003 لكتاب عراقيون تركوا ايديولوجياتهم الثورية السابقة ,سواء اكانت قومية او ماركسية او اسلامية واصبحوا ليبراليين ومعرفيين (وبعضهم بالاصل لم يمتلك ايديولوجيا) . والملاحظ بانه كلما ابتعد المجتمع عن القيم الليبرالية والديمقراطية كلما ابتعد عن الكتابات المعرفية والفكرية , واقترب اكثر من الايديولوجيا , والعكس كلما تماهي مع الايديولوجيات والجزميات اليقينية ابتعد اكثر عن الدراسات المعرفية والحيادية ,لان التلازم بين الليبرالية والمعرفية هو ظاهر لااحد ينكره , فالليبرالية ليست ايديولوجية جزمية – شمولية , او وصفة جاهزة , وتسمح بالتالي لحرية الراي والدراسة والجدل المعرفي والنتاج الفكري العقلاني بالظهور ,فيما ان اهم سمات الايديولوجية الذي ادرجه الكاتب جوردن بيتسون في كتابه (خرائط المعنى) هو اختيارها لمجموعة معينة من الحقائق والمعلومات وعزل مجموعة اخرى تمشيا مع رؤية الانسان او المجموعة للوجود والعالم . بمعنى ان الايديولوجيات لاتقوم على الاكاذيب الواضحة , وانما على تزييف الحقائق وتشويه الواقع من جانب او على تاويل الاحداث والتاريخ من جانب اخر . واما اهم الكتاب العراقيين الذين ادرجوا كتابات معرفية واعدة يمكن ان تتحول لدراسات او مشاريع فكرية متميزة على المستوى العربي فهم :
1 – فالح عبد الجبار : وله العديد من الدراسات المعرفية ذات الصبغة الليبرالية نشرها بعد تركه الايديولوجية الماركسية . والمؤسف له ان تحوله هذا قد حصل وهو بعمر متقدم , وبالتالي حالت وفاته عام 2018 من اكمال دراساته المعرفية ومشروعه الفكري الاجتماعي – السياسي .
2 – عبد الجبار الرفاعي : وله العديد من الدراسات المعرفية ذات الصبغة التنويرية والانسانية (وصفته برائد النزعة الانسانية في العراق) . ويمكن القول ان الرفاعي يمتلك رؤية لمشروع معرفي وفكري تنويري للدين الاسلامي ,وبلورة تاويل معرفي جديد يقوم على اسس رصينة من العقلانية والموضوعية لاتغفل المعطى الروحي للاديان , وانما تجمع بينهما في بوتقة واحدة من الثراء المعرفي والانساني . ولم يكن الرفاعي علمانيا استعراضيا او طائفيا مهاجما ,ولم تثيره المنازعات والمجادلات والاضواء التي تحصل عادة عند الانتلجنسيا العراقية ,وانما كان يعتمد الحرص والتعالي والسمو , حتى يمكن انه من النوادر الذي جمع الاكاديمية والمعرفية مع الجانب الاخلاقي .
3 – سيار الجميل : وظهرت له العديد من الدراسات المعرفية والفكرية التاريخية ذات التوجه الليبرالي الصريح , (وكنت ممن تاثر بها كثيرا) وكان يمكن له ان يكون رائد الليبرالية في العراق ومنظرها الاول ,لانه الوحيد من الكتاب العراقيون الذي مدح الليبرالية صراحة وباسمها الصريح في مقاله (الليبرالية العربية الجديدة) التي اختارها منظر الليبرالية العربية الحديثة المرحوم شاكر النابلسي في كتابه (الليبراليون الجدد جدل فكري) , فيما ان الاخرين يخشون ذلك لما ارتبط اسمها في الادبيات الثورية والايديولوجية بمطارحات الاستعمار والاحتلال والتبعية للغرب. حتى اني سالت المرحوم فالح عبدالجبار عن توجهه الليبرالي ؟ فرفض اطلاق هذه الكلمة عليه وقال : انه ديمقراطي وليس ليبرالي . الا ان المؤسف له ان سيار الجميل ارتكس في السنوات الاخيرة وبصورة ظاهرة اثارت الكثير الى اتون الطائفية والصراع السياسي والاحتراب الثقافي في منطقة الشرق الاوسط ,والارتماء باحضان مايعرف بالمحور العربي المعتدل المتضاد للمشروع الثوري الايراني , وغيرها من الامور الذي اخذت تقربه اكثر واكثر نحو الايديولوجيات القومية والطائفية ومن ثم تلاشي الدراسات المعرفية . (وقد فصلت ذلك في مقالتي (سيار الجميل من التصورات الليبرالية الى المطارحات الطائفية) التي سوف تنشر قريبا) . واعتقد بانه للزمن بقية – كما يقولون – ويمكن للدكتور الجميل ان يعود لسيرته المعرفية والفكرية الاولى ويترك الطائفية والسياسة وصراع المحاور في المنطقة جانبا , ويتفرغ لاكمال دراساته المعرفية وتطويرها حتى تصبح مشروعا فكريا كاملا تنفع المجتمع العراقي نحو افق الليبرالية والديمقراطية .
4 – محسن الموسوي : وهو شقيق المنظر الماركسي عزيز السيد جاسم . وكان سابقا يتبنى التوجه الايديولوجي القومي واليساري ,وبعد تغييب شقيقه السيد جاسم وهجرة الموسوي الى خارج العراق , اخذ ينشر العديد من الدراسات المعرفية والليبرالية .
5 – ابراهيم الحيدري : الكاتب المعرفي الاجتماعي وتلميد الراحل علي الوردي وله العديد من الدراسات المعرفية والرائدة عن المجتمع العراقي .
6 – حسن العلوي : وله العديد من الدراسات المعرفية بعد هجرته من العراق في اواخر السبعينات وتركه التوجه القومي البعثي ,واخذ يتبنى التصور الليبرالي الصريح , ونشر العديد من المؤلفات المعرفية التي تناولت الطائفية السياسية في العراق وتفكيك القومية العربية وتعريتها ونقدها . واستمرت دراساته بهذا المجال حتى التحول الكبير الذي حصل في المنطقة بعد اسقاط النظام البعثي عام 2003 حيث ارتمى العلوي باحضان السعودية وانحاز للمحور العربي المعتدل صاحب الامكانات المالية والامية الكبيرة , واخذ بالتملق لها علانية وصراحة ,ويكتب ماكانت تريد منه . وقد فصلت ذلك في مقالاتي في موقع الحوار المتمدن (حسن العلوي الظاهرة التي سقطت) .
7 – علي السعدي : وله العيد من المؤلفات التاريخية والاجتماعية والسياسية ذات التوجه المعرفي الرصين والموضوعي .
8 – ثامر عباس : وله العديد من الدراسات المعرفية والفكرية المختصة بالشان العراقي .
9 – ماجد الغرباوي : وله ايضا العيد من الدراسات والمقالات ذات التوجه المعرفي المختص بالقراءة الانسانية والعقلانية للدين وتحرير الخطاب الديني من سطوة التراث .
10 – عصام الخفاجي : وله العديد من الدراسات التاريخية والفكرية في المسار الاقتصادي .
11 – عبد الله ابراهيم : وله تمايز واصح في الدراسات المعرفية وخاصة في مجال دراسة السرديات العربية .
12 – عامر عبد زيد الوائلي : وله نشاط كبير في الدراسات المعرفية الفلسفية ونشرها في الكتب والدراسات الاكاديمية .
وبالطبع لايمكن اغفال العديد من الكتاب الاخرين الذين اخذوا يتلمسون الكتابة المعرفية والابتعاد عن الايديولوجيا من قبيل سعيد الغانمي وهيثم الجنابي وعلي حاكم صالح وفلاح رحيم وسعد محمد رحم وشيركو كرمانج وعبد الرزاق جبران ومحمد غازي الاخرس وكنعان مكية وفاضل الربيعي وفالح مهدي .