![Dr Fadhil Sharif](https://iraqination.net/wp-content/uploads/2024/11/Dr-Fadhil-Sharif.jpg)
فاضل حسن شريف
جاء في كتاب الأديان والمذاهب من مناهج جامعة المدينة العالمية: يستطرد الكتاب مبينا موقف اليهود من الإيمان بالكتب: إذن فهم مع الكتب يحرفون الكتب متعمدين هذا التحريف هذا فيما آمنوا به من كتب، ودعواهم الإيمان بما أنزل عليهم فقط كقوله تعالى: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” (البقرة 91)، فهنا نجد اليهود فيما آمنوا به من كتب حرَّفوها وزيفوها، وكتموا الكثير منها. وأما ما لم ينزل عليهم فقد كفروا به، فهم يؤمنون بما أنزل عليهم فقط، ويكفرون بما وراءه؛ ولذلك لما جاء سيدنا عيسى عليه السلام كفروا به وبنبوته وبالإنجيل الذي أنزل عليه، فهم لا يؤمنون بالإنجيل الذي أنزل على عيسى، وكفرهم بكتاب واحد هو كفرهم بكل الكتب، وإن ادعوا أنهم لا يؤمنون إلا بما أنزل عليهم فقط. لقد كفروا بعيسى عليه السلام وبرسالته وكتابه، فنذكر هذا في معتقداتهم عند الكلام عن الإيمان بالكتب من عدم الإيمان ليس هذا فقط، بل كفروا بالقرآن أيضًا، وبالنبي الخاتم محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- فهم لا يؤمنون بالقرآن كما أنهم لم يؤمنوا بالإنجيل، وكتب كثيرة لم يؤمنوا بها، وعلى رأسها الإنجيل والقرآن الكريم إنهم لا يؤمنون بالقرآن قطعًا، كما لم يؤمنوا بالنبي عليه الصلاة والسلام لذلك قال الله عز وجل عنهم: “وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُو َ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” (البقرة 89 -91) ولذلك قال الله عز وجل في صفاتهم: “إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ” (آل عمران 21). فهذا يدل على اختلال عقيدتهم خاصة في الإيمان بالكتب؛ ولذلك خاطبهم الله بقوله: “قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ” (آل عمران 98-99). فأي إيمان هذا؟ إنه الكفر؛ لأن الكفر بكتاب كالكفر بسائر الكتب، وقد كفروا بالكتب التي لم تنزل على أنبيائهم، أما الكتب التي أنزلت على أنبيائهم؛ فقد حرفوها وزيفوها، وكتموا الكثير منها، فهذا عن عقيدة اليهود في الإيمان بالكتب، الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، ماذا يقال عن الإيمان بالرسل في عقيدة اليهود -عليهم لعنة الله والملائكة، والناس أجمعين؟ إنه الكفر برسل الله، والوقاحة الدائمة مع رسل الله، واتهام رسل الله، وتقتيل رسل الله، إنهم كما قال الله: “لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ” (المائدة 70) تأمل فريقًا كذبوا وفريقًا يقتلون كما قال الله عنهم: “أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ” (البقرة 87). لاحظ هنا استعمال أداة العموم، والتكرار كلما تعبيرًا عن اطراد اليهود على التكذيب، أو القتل للرسل إذا جاءهم بما لا تهوى أنفسهم الضالة فكم من رسل قتلوهم، وكم من رسل كذبوهم، وكم من رسل شنعوا عليهم واتهموهم، وهذا سيدنا عيسى عليه السلام نال منهم حظًّا وافرًا حين اتهموه عليه السلام بأنه ابن زنا -والعياذ بالله- اتهموه مع أمه اتهموا مريم الطاهرة البتول بأنها زانية، وأن عيسى عليه السلام هو ابن زنا، فنعى الله عز وجل عليهم هذا في قوله سبحانه: “وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا” (النساء 156-157). سبحان الله ما هذا الافتراء على الله، وما هذا الكذب على رسل الله، بل قتل الأنبياء ما هذه الاتهامات؟ ما هذه الخسائس، وتلك الشناعات؟
عن الديانة المسماة بالنصرانية، وكذا بالمسيحية: فالنصرانية هي الاسم القديم لأتباع عيسى عليه السلام ولا يعني هذا أنه الدين الذي نزل على عيسى عليه السلام فقد علم سلفًا أن الدين الذي أنزله الله عز وجل على كل الأنبياء والرسل هو الإسلام؛ لأن الله عز وجل قال: “إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ” (آل عمران 19) والرسل رسله والخلق خلقه؛ فأرسل رسله إلى خلقه بالدين الذي عنده: “إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ” (آل عمران 19) فعيسى عليه السلام ما جاء إلا بالإسلام وذلك في قوله تعالى: “فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ” (آل عمران 52) والحواريون شهدوا بذلك أيضًا في قول الله تعالى: “وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ” (المائدة 111). لكن كلمة “النصرانية” -وإن كانت قديمة- ترجع في تسميتها لسبب أو لآخر؛ فهل ستعود إلى قولة الحواريين: “نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ” كما في قوله تعالى: “كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ” (الصف 14) لكن يكون هذا على غير القياس لغة، والأصح من هذا أن التسمية نسبة إلى قرية الناصرة، وقد أطلق القرآن الكريم عليهم هذه التسمية في قوله تعالى: “وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ” (التوبة: 30) وفي قوله تعالى أيضًا: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” (البقرة 62). إذن الناصرة هي النسبة التي منها كلمة نصرانية، وليست دينًا منزلًا من السماء؛ كما أن هؤلاء القوم عرفوا أيضًا بالمسيحيين والديانة عرفت بالمسيحية: والمسيحية نسبة إلى المسيح عليه السلام والمسيح عليه السلام سمي بهذا الاسم الذي معناه الصديق، وقال بعض أهل اللغة: لا يعرف هذا؛ ولعله كان يستعمل في بعض الأزمان، فدرس فيما درس من الكلام، وقد درس من كلام العرب كثير. قال ابن سيده: والمسيح عيسى ابن مريم -على نبينا وعليه الصلاة والسلام- سمي بذلك لصدقه؛ وقيل: سمي بذلك لأنه كان سائحًا في الأرض لا يستقر. وقيل: سمي بذلك؛ لأنه كان يمسح بيده على العليل والأكمه والأبرص فيبرئه الله، أو لأنه مسح بالبركة، وقيل: سمي مسيحًا؛ لأنه كان يمسح الأرض، أي يقطعها؛ أو لأنه كان أمسح الرِّجل؛ ليس لرجله أخمص، قيل: سمي مسيحًا لأنه خرج من بطن أمه مسموحًا بالدهن، والله تعالى أعلم بذلك؛ لكنه يسمى بالمسيح، وقد قال تعالى مبشرًا مريم رضي الله عنها: “إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ” (آل عمران 45).
وعن الكتاب المقدس لدى النصرانية أو المسيحية: وهو يشتمل على التوراة والأناجيل ورسائل الرسل وأعمالهم، ورسائل بولس إجمالًا، فالتوراة تعتبر المصدر الأساسي للتشريع عندهم؛ لأن عيسى عليه السلام أعلن أنه غير ناسخ للتوراة فقال: “لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة من الناموس حتى يدعى الكل”. ولقد كان المسيح عيسى ابن مريم مصدقًا للتوراة في العقيدة والشريعة؛ ولذلك جاء في التوراة: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد. فكل ما ذكر في التوراة عن الله عز وجل يقال في عقيدة النصارى: أنهم لم يعتقدوا نسخه، ولا ذكروا كذبه، ولا قالوا ببطلانه؛ فهي عقيدتهم إذن في الله -جل وعلا- مضافًا إليها ما قالوه بأن الله سبحانه وتعالى تنزل من عليائه وحل في مريم، وتربى في بطنها جنينًا وتغذى من دم حيضها، ثم نزل من رحمها؛ فتغذى من ثديها، ثم تربى على حجرها؛ حتى كبر وصار فتى يافعًا بعد أن كان طفلًا ثم شابًّا قويًّا؛ فلما بلغ مبلغ الرجال، وقام بواجب دعوته كذبه اليهود وآذوه واضطهدوه، وفي نهاية الأمر أمسكوه ووضعوا الشوك على رأسه، وبصقوا في وجهه ولكموه، ثم حكموا عليه وصلبوه “كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا” (الكهف 5).
وعن ثبوت تحريف الأناجيل: وصدق الله العظيم إذ يقول: “فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ” (البقرة 79) وكما قال تعالى: “يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (المائدة 13). هذا؛ وتحريف هذه الأناجيل واضح لكل ذي عينين، ومع ذلك يتعصب لها النصارى، والتناقض الذي في هذه الأناجيل ليس فيما بين إنجيل وإنجيل! لا؛ ولكن في الإنجيل الواحد نفسه؛ بل في الإصحاح الواحد، ولا أكون مبالغًا إن قلت: إن التناقض والتحريف يبدو واضحًا في الصفحة الواحدة ما بين أولها وآخرها، وربما وسطها أو ذات سطرها، ولا يقف حد التحريف عند متنها فقط؛ بل يتعداه إلى السند أيضًا.