فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله تبارك وتعالى “مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ” (الفتح 29) كَزَرْعٍ: كَ حرف جر، زَرْعٍ اسم، ركعا اسم، سجدا اسم، ركعا سجدا: حالان. سيماهم: علامتهم و سحنتهم و هيأتهم، سيماهم في وجوههم اي علامتهم السمت الحسن في وجوههم. محمد رسول الله، والذين معه على دينه أشداء على الكفار، رحماء فيما بينهم، تراهم ركعًا سُجَّدًا لله في صلاتهم، يرجون ربهم أن يتفضل عليهم، فيدخلهم الجنة، ويرضى عنهم، علامة طاعتهم لله ظاهرة في وجوههم من أثر السجود والعبادة، هذه صفتهم في التوراة. وصفتهم في الإنجيل كصفة زرع أخرج ساقه وفرعه، ثم تكاثرت فروعه بعد ذلك، وشدت الزرع، فقوي واستوى قائمًا على سيقانه جميلا منظره، يعجب الزُّرَّاع، ليَغِيظ بهؤلاء المؤمنين في كثرتهم وجمال منظرهم الكفار. وفي هذا دليل على كفر من أبغض الصحابة رضي الله عنهم، لأن من غاظه الله بالصحابة، فقد وُجد في حقه موجِب ذاك، وهو الكفر. وعد الله الذين آمنوا منهم بالله ورسوله وعملوا ما أمرهم الله به، واجتنبوا ما نهاهم عنه، مغفرة لذنوبهم، وثوابًا جزيلا لا ينقطع، وهو الجنة.
وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تبارك وتعالى “مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ” (الفتح 29) “محمد” مبتدأ”رسول الله” خبره والذين معه” أي أصحابه من المؤمنين مبتدأ خبره”أشداء” غلاظ”على الكفار” لا يرحمونهم،”رحماء بينهم” خبر ثان، أي متعاطفون متوادون كالوالد مع الولد،”تراهم” تبصرهم”ركعا سجدا” حالان”يبتغون” مستأنف يطلبون”فضلا من الله ورضوانا سيماهم” علامتهم مبتدأ”في وجوههم” خبره وهو نور وبياض يُعرفون به في الآخرة أنهم سجدوا في الدنيا”من أثر السجود” متعلق بما تعلق به الخبر، أي كائنة وأعرب حالا من ضميره المنتقل إلى الخبر،”ذلك” الوصف المذكور”مثلهم” صفتهم مبتدأ”في التوراة ” خبره”ومثلهم في الإنجيل” مبتدأ خبره”كزرع أخرج شطأه” بسكون الطاء وفتحها: فراخه،”فآزره” بالمد والقصر قواه وأعانه،”فاستغلظ” غلظ،”فاستوى” قوي واستقام”على سوقه” أصوله جمع ساق،”يعجب الزراع” أي زرَّاعه لحسنه، مثل الصحابة رضي الله عنهم بذلك لأنهم بدأوا في قلة وضعف فكثروا وقووا على أحسن الوجوه،”ليغيظ بهم الكفار” متعلق بمحذوف دل عليه ما قبله، أي شبهوا بذلك،”وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم” الصحابة ومن لبيان الجنس لا للتبعيض لأنهم كلهم بالصفة المذكورة “مغفرة وأجرا عظيما” الجنة وهما لمن بعدهم أيضا في آيات.
جاء في كتاب التكافل الاجتماعي في مدرسة اهل البيت عليهم السلام للمؤلف عباس ذهيبات: كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله يحثّ على صون كرامة الأخ المؤمن وعدم إراقة ماء وجهه بعدم تكليفه الطلب عند حاجته، لذلك يدعو إلى المبادرة بقضاء حوائجه بمجرّد الشعور بحاجته إلى المساعدة، وهذه توصية حضارية في غاية الأهمية، قال صلى الله عليه وآله: (لا يكلّف المؤمن أخاه الطلب إليه إذا علم حاجته). ونسجت مدرسة أهل البيت عليهم السلام: على هذا المنوال بأقوال عديدة تعكس حالة التضامن والتكافل التي ترغب في إشاعتها بين أفراد المجتمع، فعن الإمام علي عليه السلام قال: (خير الاخوان من لا يحوج إخوانه إلى سواه). وقال أيضاً: (خير اخوانك من واساك). ورسم لنا أمير المؤمنين عليه السلام مقياساً للتفاضل الاجتماعي يقوم على المنفعة المتبادلة، عندما قال: (خير الناس من نفع الناس). في حين أن حفيده الإمام الصادق عليه السلام يرسم لنا معادلة إلهية، هي: (إنّ الله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه). وعنه عليه السلام: أن (من قضى لأخيه المؤمن حاجة، قضى الله عز وجل له يوم القيامة مئة ألف حاجة). ويقول أيضاً: (من كان في حاجة أخيه المؤمن المسلم كان الله في حاجته، ما كان في حاجة أخيه) وقال عليه السلام: (قضاء حاجة المؤمن أفضل من ألف حجّة متقبّلة بمناسكها، وعتق ألف رقبة لوجه الله، وحملان ألف فرس في سبيل الله بسرجها ولجامها). نتيجة لكل ذلك ما انفك إمامنا الصادق عليه السلام يوصي بمبدأ الأخوة في مختلف الأحوال والظروف، عن محمد بن مسلم، قال: أتاني رجل من أهل الجبل، فدخلت معه على أبي عبدالله عليه السلام، فقال له عند الوداع: أوصني. فقال: (أوصيك بتقوى الله وبرّ أخيك المسلم، وأحب له ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لنفسك، وإن سألك فأعطه… فوازره وأكرمه ولاطفه، فإنّه منك وأنت منه). ويظهر على ضوء ما تقدم من أحاديث أهل البيت عليهم السلام: أن التكافل من أروع أنواع عبادة الله، بل ويضاهي العبادات الأخرى، ويفوقها ثواباً، قال الإمام الباقر عليه السلام: (لأن أعول أهل بيت من المسلمين أسدّ جوعتهم وأكسو عورتهم، فأكفّ وجوههم عن الناس، أحبّ إليّ من أن أحجّ حجّة وحجّة (وحجّة)، ومثلها حتى بلغ عشراً، حتى بلغ عشرة، ومثلها حتى بلغ السبعين). وهناك إشارات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام: على أن قبول الأعمال العبادية متوقف على قضاء حوائج الإخوان المؤمنين، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه السلام: (من مشى في حاجة أخيه المؤمن يطلب بذلك ما عند الله حتى تقضى له، كتب الله عزّ وجل له بذلك أجر حجّة وعمرة مبرورتين، وصوم شهرين من أشهر الحرم واعتكافهما في المسجد الحرام، ومن مشى فيها بنيّة ولم تقضى كتب الله له بذلك من حجّة مبرورة). وعنه عليه السلام: (إنّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكّل الله عزّ وجل به ملكين: واحدا عن يمينه وآخر عن شماله، يستغفران له ربّه ويدعوان بقضاء حاجته).
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تبارك وتعالى “مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ” (الفتح 29) شطء النبات أفراخه التي تتولد منه وتنبت حوله، والإيزار الإعانة، والاستغلاظ الأخذ في الغلظة، والسوق جمع ساق، والزراع جمع زارع. والمعنى: هم كزرع أخرج أفراخه فأعانها فقويت وغلظت وقام على سوقه يعجب الزارعين بجودة رشده. وفيه إشارة إلى أخذ المؤمنين في الزيادة والعدة والقوة يوما فيوما. وجاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: قوله سبحانه “شطئه” (الفتح 29) فراخه وصغاره، يقال: أشطا الزرع إذا أفرخ، وهذا مثل ضربه الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وآله إذ خرج وحده ثم قواه الله تعالى بأصحابه.
جاء في شبكة المعارف الاسلامية الثقافية عن نهج أهل البيت عليهم السلام في إعانة المحرومين: ضمن هذا الباب تؤكد تعاليم مدرسة أهل البيت: على استحباب قناعة السائل ودعائه لمن أعطاه، وزيادة إكرام السائل القانع الشاكر، فبإسناد ينتهي إلى مسمع بن عبد الملك قال: كنّا عند أبي عبدالله عليه السلام بمنى وبين يدينا عنب نأكله، فجاء سائل فسأله، فأمر له بعنقود فأعطاه، فقال السائل: لا حاجة لي في هذا، إن كان درهم، فقال عليه السلام: (يسع الله لك ولم يعطه شيئاً. فذهب ثمّ رجع فقال: ردّوا العنقود، فقال عليه السلام: يسع الله لك ولم يعطه شيئاً، ثمّ جاء سائل آخر فأخذ أبو عبدالله عليه السلام ثلاث حبّات عنب فناولها إيّاه، فأخذ السائل من يده، ثم قال: الحمد لله رب العالمين الذي رزقني. فقال أبو عبدالله عليه السلام: مكانك فحثا مل ء كفّيه عنباً فناولها إيّاه، فأخذها السّائل من يده ثمَّ قال: الحمد لله ربّ العالمين، فقال أبو عبدالله عليه السلام: مكانك يا غلام، أي شيء معك من الدّراهم؟ فإذا معه نحو من عشرين درهماً فيما حزرناه أو نحوها، فناولها إيّاه فأخذها ثم قال: الحمد لله هذا منك وحدك لا شريك لك. فقال أبو عبدالله عليه السلام: مكانك، فخلع قميصاً كان عليه، فقال: إلبس هذا، فلبس ثمّ قال: الحمد لله الذي كساني وسترني يا أبا عبدالله، أو قال: جزاك الله خيراً، لم يدع لأبي عبدالله عليه السلام إلا بذا، ثمّ انصرف فذهب، قال: فظننا أنّه لو لم يدع له لم يزل يعطيه لأنّه كلّما كان يعطيه حمد الله (على ما) أعطاه). هكذا كان نهج آل البيت: مع السائل ضمن دائرة التكافل، وهكذا كان أدبهم الرَّفيع في العطاء معهم. فهو يريد من السائل أن لا يغفل عن الله تعالى الذي هو مصدر الرّزق والعطاء، وأن يدرك بأن الإنسان المنفق، وأن سمت مكانته وعلا شأنه ليس إلاّ مجرّد وسيلة للفيوضات الإلٰهية.