رياض سعد
ورثت حكومة الجولاني سوريا وهي في أسوء حال ؛ وقد صرح وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال السورية محمد أبا زيد للجزيرة بما يؤكد ذلك , اذ قال : ((إن الدين الأجنبي للبلاد يتراوح بين 20 و23 مليار دولار، فضلا عن مليارات الديون المحلية … ؛ وأضاف الوزير : أنهم ورثوا “دولة متهالكة ذات خزائن فارغة وديون ضخمة”، وأنه لم تكن لدى نظام الأسد “أي سجلات يمكن العودة إليها”... ؛ وأكد أن الحكومة “لا تملك عصا سحرية لحل مشكلات سوريا الاقتصادية”، مشيرا إلى أنهم ورثوا قطاعا عاما 70% منه شركات خاسرة... )) .
من جهتها نقلت وكالة رويترز عن وزير التجارة السوري في حكومة تصريف الأعمال ماهر خليل الحسن قوله إن دمشق غير قادرة على إبرام صفقات لاستيراد الوقود أو القمح أو البضائع الرئيسية الأخرى بسبب العقوبات الأميركية الصارمة على البلاد، وذلك رغم رغبة كثير من الدول -ومنها دول الخليج- في توفير هذه البضائع لسوريا... ؛ وأشار الوزير إلى أن الإدارة الجديدة -التي تحكم البلاد- تمكنت من جمع ما يكفي من القمح والوقود لبضعة أشهر، لكنه أوضح أن سوريا ستواجه “كارثة” في حالة عدم تجميد العقوبات أو رفعها قريبا.
وبسبب تدمير قطاعات الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة وهبوط قيمة العملة السورية ؛ ارتفعت وتيرة الفقر والبطالة و زادت معدلات التضخم , بل ان هنالك اكثر من ستة ملايين سوري يعانون من الفقر المدقع وفقًا للأمم المتحدة ؛ حيث لا يتجاوز دخلهم اليومي دولارا واحدا , بالإضافة الى تضرر قطاعات الطاقة والكهرباء والبنى التحتية الحيوية وشحة الوقود , و انعدام الخدمات الاساسية , وانتشار الفوضى وعمليات القتل والسرقة والثأر والعنف ؛ مما وضع ملايين الأسر السورية أمام تحديات يومية لتأمين أبسط احتياجاتهم مثل الغذاء، والماء والكهرباء والدواء والامن والامان ، والطاقة التي أصبحت ترفًا بعيد المنال... ؛ فالحرب لم تدمر المدن فحسب، بل ألحق دمارًا هائلًا بـالبنية التحتية، بما في ذلك شبكات المياه، والكهرباء، والنقل، مما جعل الوصول إلى الخدمات الأساسية تحديًا يوميًا… ؛ و وفقًا لـ اليونيسف، تضرر نحو 60% من مرافق المياه والصرف الصحي في سوريا، ما أدى إلى ارتفاع حاد في الأمراض المنقولة عبر المياه مثل الكوليرا؛ ونتيجة لذلك، اضطرت الأسر لشراء المياه من مصادر غير موثوقة، مما فاقم الأعباء المالية وزاد من وطأة الفقر... ؛ أما الكهرباء، فقد تعرضت شبكات التوزيع لأضرار جسيمة، خاصة في المناطق التي شهدت معارك طاحنة؛ و وفقًا لـ البنك الدولي، فإن القدرة الكهربائية المتاحة لا تتجاوز 25% من الحاجة الفعلية للسكان ؛ وهذا النقص أدى إلى انقطاعات يومية طويلة، مما أثر بشدة على الحياة اليومية للسوريين، حيث لجأت العديد من الأسر لاستخدام مولدات كهربائية خاصة، ما رفع التكاليف وأثقل كاهل المواطنين الذين يعانون أصلًا من أزمات اقتصادية خانقة ؛ ولا يوجد بريق أمل لحل مشكلة الكهرباء المزمنة في الوقت الراهن او المستقبل القريب … ؛ وبسبب هذه الاوضاع المأساوية فضلا عن أزمة المهجرين والمهاجرين والنازحين وسكان المخيمات البائسة ؛ اصبح غالبية السكان يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية، التي أصبحت شريان الحياة الوحيد، ولكنها لا تكفي لتلبية الطلب الهائل، مما ترك ملايين السوريين في صراع يومي للبقاء وسط ظروف اقتصادية وإنسانية قاسية... .
ومما زاد الطين بلة هيكلة الوزرات والدوائر الحكومية ومطاردة الكفاءات السورية بحجة موالاة نظام الاسد من قبل عصابات الجولاني , وهروب الخبراء من سوريا , واستلام الجهلة وانصاف المتعلمين من الارهابيين والقتلة المجرمين والاجانب والغرباء زمام الامور العامة في البلاد , وحل الجيش السوري واجهزة الامن السابقة , واحراق واتلاف اغلب الملفات الحكومية السابقة , فضلا عن الضربة القاصمة التي وجهها الكيان الصهيوني لمعدات واليات ومقرات واسلحة الجيش السوري ؛ حيث دمرها بالكامل , ولم يبق منها شيء ؛ وما هو موجود بحوزة عصابات الجولاني وشراذم الفصائل المسلحة والبالغ عددهم وفقا لأعلى التقادير 50 الف مرتزق ؛ اسلحة بائسة ومتواضعة واغلبها يعود للقرن العشرين ؛ فالأليات العسكرية المستهلكة القديمة على قلة عددها لا تفي بالغرض ولا تصمد امام اضعف الجيوش ؛ فلا تنفع عصابات الجولاني الدبابات القليلة المتهالكة ورشاشات الكلاشنكوف العادية , والقاذفات القديمة المحمولة , والطائرات المسيرة البسيطة , وسيارات الدفع الرباعي والدراجات النارية ؛ ولولا وقوف الاتراك معه ومن خلفهم الامريكان والصهاينة , لسقطت حكومته بضربة حجر , و لأرجعه الشعب السوري الى الحدود التركية من حيث جاء .
إعادة بناء البنية التحتية في سوريا تُعد من التحديات الكبرى بل والمستحيلة التي تواجه البلاد في المرحلة الراهنة ، حيث تسببت سنوات النزاع في تدمير واسع لأهم مرافق البنية التحتية من طرق ومباني ومدارس ومستشفيات وشبكات مياه وكهرباء؛ و وفقًا لتقرير البنك الدولي، تتجاوز التكلفة اللازمة لإعادة الإعمار أكثر من 250 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم يتطلب شراكات وتعاونًا دوليًا فعالًا ؛ ومن الواضح ان الدول الاقليمية وغيرها قد تنفق مئات المليارات من اجل تدمير الدول واسقاط الحكومات الا انها لا تدفع دولارا واحدا لإعمارها وترميمها فيما بعد ؛ وان اجبرت على ذلك , فإنها تدفع دراهم معدودة وتقوم بمشاريع وهمية , وتربط مصير البلاد بها , وتستغل الشعب ابشع استغلال ؛ كما فعلت تركيا ولا تزال تفعل في سوريا ؛ اذ سرقت الموارد الوطنية والمصانع والمعامل السورية , وقطعت المياه ودمرت قطاعات الزراعة والتجارة و السياحة , واستغلت العمال السوريين استغلالا بشعا , وحولت سوريا الى سوق استهلاكية للمنتجات التركية … الخ .
وعليه يجب على الحكومات العراقية والاحزاب والنخب السياسية من استغلال نقاط الضعف السورية ؛ وتجييرها لصالح العراق والامة العراقية , من خلال استخدام مبدأ المقايضة والتنازلات ؛ ومحاولة اغراء الجانب السوري بتقديم المساعدات لقاء استرجاع الاراضي العراقية التاريخية التي سلخت من بلاد الرافدين ودمجت في الاراضي السورية , او قيام الحكومة السورية بكل ما يحقق مصالح العراق والعراقيين ويحفظ أمنهم واستقرارهم … ؛ كما ينبغي للمفاوض العراقي وتبعا للواقع السوري الراهن من التكلم مع الجانب السوري من موقع القوة , او التحدث مع اسياد حكومة الجولاني بشكل مباشر كالأتراك والقطريين وغيرهم ؛ وفرض المطالب العراقية عليهم فرضا ؛ فهم الاضعف والاحوج والافقر والاقل ؛ ونحن الاقوى والاشد والاغنى والاكثر .
وكل البرامج الاعلامية التكفيرية والقصص البطولية الزائفة والمسرحيات المفبركة لحكومة الجولاني وعصاباته ؛ والدعم الاعلامي واللوجستي المقدم من الانظمة الاقليمية ؛ لا يغير في الواقع شيئا , ويبقى الجولاني بوقا اجوفا للظلام والرجعية والتخلف والجهل والتخبط , وأمره مرتهن بالخارج , وستبقى فلوله وشراذمه تعاني من التشرذم والضعف والتفرق والصراعات الداخلية , ولن تلتزم بالنظام والانضباط ابدا , ولا تسير وفقا للقانون , ولا تنزع عباءتها الارهابية ولم ولن تجنح الى السلم والامن قط … ؛ وبالمختصر المفيد : هذه الحكومة الهجينة عوامل خرابها وسقوطها معها ؛ وسوف تسقط عاجلا ام اجلا , وتجربتها لا تشبه تجربة حكومة طالبان مطلقا ؛ فالشعب السوري يختلف اختلافا جذريا عن الشعب الافغاني ؛ فما نجح في افغانستان خلال سنوات قد يسقط في سوريا خلال اشهر معدودة .