رياض سعد
شهدت العلاقات المعاصرة بين مصر والعراق وخلال القرن المنصرم وهذا القرن ؛ تقلبات وتحولات كبيرة ؛ تبعًا للتحولات السياسية والإقليمية والدولية ؛ ولطالما كانت العلاقة بين مصر والعراق علاقة معقدة ومتشابكة ومتوترة ؛ تحمل في طياتها تاريخًا طويلًا من التفاعلات السياسية والاجتماعية السلبية , فهذه العلاقة المشؤومة في أغلب الأحيان، كانت سلبية بامتياز، حيث اتسمت بعدم التوازن في المصالح والنتائج بين الطرفين , فقد كانت المصالح المصرية هي المحرك الأساسي لهذه العلاقة ، بينما تحمل العراق والامة العراقية ، وخاصة أبناء الطائفة الشيعية، العبء الأكبر والاخطر من تبعاتها السلبية.
اذ استغل ساسة وقادة مصر العراق استغلالا بشعا , والحقوا افدح الاضرار بالعراق والامة والاغلبية العراقية , وقد تركت التدخلات المصرية في الشؤون الداخلية والخارجية العراقية ؛ آثارًا مدمرة على البلاد ؛ فقد ساهم هذا التدخل في تفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وألحق أضرارًا جسيمة بالاقتصاد العراقي ؛ فلم تكن تلك التدخلات المصرية تصب في صالح العراق والعراقيين , بل تهدف إلى تعزيز النفوذ المصري في المنطقة والعراق ، دون مراعاة للوضع الداخلي المعقد في العراق او الاخذ بالاعتبار المصالح الاقتصادية العراقية ؛ فالأضرار التي لحقت بالعراق، وخاصة بالشيعة الذين يشكلون جزءًا كبيرًا من نسيجه الاجتماعي، كانت أفدح من أن يتم تجاهلها ؛ فقد أدت هذه التدخلات المنكوسة إلى زيادة الانقسامات الطائفية والسياسية، مما أضعف الوحدة الوطنية وعرض البلاد لمزيد من التحديات الأمنية والاقتصادية .
و الخلفية التاريخية للتدخلات المصرية في الشؤون العراقية تعود الى بدايات احتلال الانكليز للعراق وتشكيل الحكومات الهجينة والغريبة في العراق ؛ وقد عقد مؤتمر القاهرة المشبوه عام 1921 برئاسة (ونستون تشرشل) وكان من جملة القرارات التي اتخذها هذا المؤتمر فيما يتعلق بالعراق، ترشيح الأمير فيصل بن الحسين (ملكا على العراق) بعد أن كانت بريطانيا قد رفضت مرشح الامة والاغلبية العراقية الاصيلة الامير العراقي الشيخ خزعل الكعبي ؛ والطامة الكبرى ان هنالك أسماء اخرى منها أحد أفراد الاسرة المالكة في مصر من الذين رشحوا ايضا لحكم العراق وقتذاك وكأن العراق يخلو من الرجال …!!
وبعد الثورة المصرية عام 1952 ومجيء جمال عبد الناصر ؛ ارتفعت وتيرة التدخلات المصرية في شؤون دول المنطقة بما فيها العراق بذريعة محاربة الاستعمار وتحت شعار الامة والقومية العربية ؛ علما ان نسبة العرب في مصر حسب بعض الدراسات التي تتعلق بفحوصات الحمض النووي لا تزيد عن 17% , وبدأ جمال عبد الناصر بحياكة المؤامرات والاتصال بالضباط العراقيين , لقلب نظام الحكم في العراق , وقد تحقق له ذلك في عام 1958 ؛ وبسبب دعايات ذيول القومجية وشعارات اتباع جمال عبد الناصر الاذلاء الترويجية , من المحسوبين على الفئة الهجينة والطائفة السنية والامة العراقية ؛ ارتفعت شعبية الرئيس المصري جمال عبد الناصر في العراق في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم , وأصبحت صوره ترفع في كل مكان , و بسبب تعاون مئات الضباط والساسة العراقيين من الخونة والمرتزقة والذيول والاتباع والمنكوسين مع المخابرات المصرية ؛ اصبح لمصر دورا كبيرا في حدوث الانقلابات واخراج التظاهرات واندلاع الاضطرابات والنزاعات الداخلية , ونهب الخيرات الوطنية والمقدرات العراقية , وبقيت شعبية عبد الناصر إلى عام ١٩٦٧ عندما دمرت إسرائيل الجيش المصري في ساعات قليلة , واحتلت القدس الشرقية و باقي فلسطين وصحراء سيناء في ٥ أيام فقط , عندها أدرك هؤلاء الحمقى والسذج والبسطاء والمغرر بهم من ابناء الامة العراقية أن جمال عبد الناصر بطل من ورق , ومجرد اداة من ادوات الاستعمار ؛ وانخفضت شعبيته في العراق .
وقد حاول الزعيم عبد الكريم اعادة العلاقات مع مصر , بما يحقق مصالح الطرفين وبصورة عادلة , وبسبب مواقف عبد الكريم الوطنية وتقريبه للشيوعيين العراقيين , وانصافه للأغلبية العراقية , وسعيه الدؤوب لتحقيق مصالح العراق والعراقيين , واهماله للقضايا الخارجية والشعارات القومية واهتمامه بالشؤون الوطنية الداخلية والنأي بالعراق والعراقيين عن الصراعات الاقليمية والتحالفات العربية والاسلامية … الخ ؛ تدهورت العلاقة بين الدولتين مجدّداً، فساندت مصر الحركات المعارضة والمشبوهة ضدّه، وخصوصاً ما تسمى بثورة الشواف في العام 1959 في الموصل , وكذلك قدمت حكومة عبد الناصر الاسلحة والدعم للأكراد الانفصاليين في شمال العراق للفتك بالجيش العراقي وقتل العراقيين؛ مما أدى إلى قيام ما يسمى بالثورة الكردية عام 1961, ثم تحركت المخابرات المصرية وحكومة عبد الناصر داخل العراق مرة اخرى , من خلال التواصل مع الذيول والعملاء والخونة امثال الطرطور عبد السلام عارف ومن لف لفه من سقط المتاع وحثالة العراق , وقد كان تابعا ذليلا وذيلا طائفيا عنصريا حقيرا , بخلاف الزعيم عبد الكريم الذي رد الوفد المصري ورفض الاتحاد مع مصر البائسة وسوريا الفقيرة وقتذاك , وقال مقولته المشهورة : (( لن اكون تابعا لاحد )) , وقد اكتشف عبد الكريم نوايا المصريين وعرف خطورة مخططاتهم على العراق والسياسة العراقية ؛ اذ قال : (( لن اذهب إلى القاهرة ربما سيتم خطفي او قتلي )) , واكد عبدالكريم على وجود مؤامرة من دولة الاتحاد المصري السوري لتخريب العراق والاضرار به , خلال تصريحات كثيرة ومتعددة , وقد نجحت مصر بتدمير العراق مرة اخرى , من خلال دعم الانقلاب الاسود للمجرم الطائفي والذيل القومجي عبد السلام عارف واغتيال الزعيم عبد الكريم عام 1963 , وقبل هذا الانقلاب دعموا محاولة الاغتيال الفاشلة التي قام بها المجرم صدام والذي هرب الى مصر على اثرها وتم تجنيده هناك لإهلاك الحرث والنسل في العراق فيما بعد , وأصبح الطرطور عبد السلام عارف رئيسا رمزياً للجمهورية و المجرم احمد حسن البكر رئيساً للوزراء ؛ وتم تشكيل اول حكومة جمهورية هجينة طائفية حاقدة ؛ ومليشيا الحرس القومي سيئة الصيت والسمعة , والتي تم تسليحها من قبل مصر ب 20 الف رشاش من ماركة بور سعيد المصرية , وقد احتوت تلك ” الحرس القومي ” المليشيا على عناصر مهمشة ومنبوذة وطريدة وهجينة في المجتمع ؛ اذ كانت فلول الحرس القومي تضم شقاوات ومجرمين وسفلة وارباب سوابق , وفتحوا اوكار ارهابية لهم ومقرات اعتقال وتعذيب في عموم العراق , واغلب عناصر المليشيا من البعثيين والطائفيين والعنصريين , وقد ارتكب الحرس القومي ابشع الجرائم والمجازر والانتهاكات بحق ابناء الاغلبية والامة العراقية , و سقط الاف الضحايا الابرياء من العراقيين الاصلاء ؛ اذ اثارت استياء الناس ، نظرا لما كانت تقوم به من التجاوزات والاعتداءات وهتك الاعراض والابتزازات والاعتقالات المزاجية من قبل الاشقياء وحتى اعمال الاغتيالات السرية مع ممارسات غير قانونية بتعذيب المعارضين واعدام ابرياء والسطو على الاسلحة المتوسطة والذخائر من خلال الاعتداءات على الثكنات العسكرية ومراكز الشرطة مع الاهانات للموظفين الصغار والكبار ، فضلا عن الاعمال الانتقامية من الشيوعيين والقاسميين وحتى من بعض بقايا النظام الملكي القديم ومن بعض شيوخ العشائر .. وقد ذهبت حقوق وانتهكت اعراض وتيتم اطفال وتشتت عوائل كثيرة … . (1)
نعم انتقمت مليشيا الحرس القومي وحكومة الذيل الذليل الطرطور عبد السلام من ابناء الاغلبية العراقية الاصيلة وجموع الجماهير الوطنية التي كانت تهتف للزعيم , قائلة : (( ماكو زعيم الا كريم , كواويد بعثية )) والتي كانت ترفض تحويل العراق الى ضيعة تابعة لمصر او جزء صغير يسمى بالقطر العراقي يسير في فلك الدول العربية , ولا زالت شعاراتهم يتردد صداها في تاريخ الوطنية والكبرياء والعنفوان العراقي الاصيل : ((شلون ترضه يا زعيم الجمهورية أصير إقليم؟!))
ولم يجانب الصدق الكاتب العراقي رشيد الخيون عندما وصف جمال عبد الناصر , قائلا : (( يحتفل الناصريون بذكرى جمال عبدالناصر المئوية… , من حقهم وحق أهل مصر ذلك، ولكن أنا العراقي كان عبد الناصر جحيما على بلدي، فما إن ساهم ببشاعة بإسقاط وتشويه عهدنا الملكي حتى صار نظامه كالأفعى الرقطاء على عهدنا الجمهوري… , من بركته غزتنا عشرون ألف رشاش بورسعيد والحرس القومي وقائمة المأساة تطول … )) .
وللحديث بقية
………………………………………………
- الحرس القومي : ميليشيا سيئة الصيت في العام 1963 / سيار الجميل .