
صباح البغدادي
تدخل إيران بالمحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة في عمان بمزيج محسوب من المرونة الدبلوماسية والإصرار على حماية مصالحها السيادية، وسط ضغوط اقتصادية خانقة تُلقي بظلالها على المشهد الداخلي. لسنوات، عانت طهران من عقوبات دولية أضعفت اقتصادها، أدت إلى تدهور قيمة الريال، وأججت التضخم، مما أثار موجات من السخط الشعبي. في هذا السياق، تسعى إيران إلى تحقيق أهداف استراتيجية عبر التفاوض، تتمحور حول رفع العقوبات لإنعاش اقتصادها المتراجع، وإعادة إحياء صادراتها النفطية لضمان تدفق العائدات، واستعادة مكانتها في النظام المالي العالمي. وفي جولة تفاوضية تُعد الأولى من نوعها منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ومع إعلانه عن طموحه لإبرام اتفاق جديد يُنهي الأزمات الدولية، يواجه ضغوطاً إقليمية متزايدة، خاصة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يطالب برد حاسم على إيران وفي تصريحات أدلى بها أمس الجمعة على متن الطائرة الرئاسية، جدد ترامب تهديداته لطهران، محذراً من “ثمن باهظ” إذا رفضت التخلي عن طموحاتها النووية. وقال للصحفيين: “أتمنى أن تكون إيران دولة مزدهرة وسعيدة، لكن امتلاكها سلاحاً نووياً غير وارد”. ويسعى ترامب إلى اتفاق أكثر صرامة من سابقه، يفرض قيوداً دائمة على البرنامج النووي الإيراني، ويحد من تطوير الصواريخ الباليستية التي يراها تهديداً مباشراً. كما يضع نصب عينيه تقليص دعم إيران لجماعات مسلحة في سوريا واليمن والعراق، في إطار استراتيجية لكبح نفوذ طهران الإقليمي، وهي شروط تتجاوز بكثير نطاق اتفاق 2015. وفي المقابل، تراقب إسرائيل المشهد بحذر شديد، خاصة بعد تصعيد غير مسبوق شهدته علاقتها بإيران خلال 2024، تخللته هجمات متبادلة أدت إلى مواجهة مفتوحة. وتتمسك تل أبيب بموقف صلب، رافضة أي اتفاق لا يؤدي إلى تفكيك كامل للقدرات النووية والصاروخية الإيرانية. لكن ترامب، بطباعه كصانع صفقات، يعتمد نهجاً براغماتياً يقوم على موازنة المكاسب والخسائر، مما يثير تساؤلات حول التوجه الذي سيسود هذه المحادثات وتداعياتها على التوازنات الإقليمية. وتتعدد أولويات طهران لتشمل مطالب سياسية وأمنية جوهرية. فهي تطالب بحذف الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية التي أدرجته فيها إدارة ترامب عام 2019، معتبرة ذلك خطوة ضرورية لتأكيد سيادتها. كما تؤكد على حقها الثابت في برنامج نووي سلمي لتوليد الطاقة والأغراض العلمية، مشددة على ضرورة الاعتراف الدولي بهذا الحق. وفي ظل تجربة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي عام 2018، تُلح إيران على الحصول على ضمانات ملزمة قانونياً تمنع تكرار هذا الخرق، بهدف تعزيز الثقة في أي تفاهم جديد.
في الوقت ذاته، تسعى طهران إلى ترسيخ نفوذها الاقتصادي والسياسي في العراق، الذي تراه امتداداً استراتيجياً لمصالحها. من خلال تعزيز هيمنتها على القطاعات الاقتصادية العراقية، تطمح إيران إلى تعويض بعض الخسائر التي تكبدتها جراء عقوبات استمرت عقوداً. هذه الرؤية تعكس نهجاً إيرانياً طويل المدى لتدعيم مكانتها الإقليمية، فيما تواجه تحديات داخلية وإقليمية تختبر قدرتها على تحقيق توازن بين طموحاتها التفاوضية ومتطلبات استقرارها الداخلي.
وعلى الرغم من الصعب التنبؤ بنص البيان الأول بعد انتهاء المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في عمان اليوم، لأن ذلك يعتمد على نتائج المحادثات وطبيعتها السرية. ولكن بناءً على السياق السياسي الحالي نستطيع ان نستنتج و يمكن توقع سيناريوهات محتملة لشكل البيان الأول:
*إذا تم إحراز تقدم محدود:
من المرجح أن يصدر بيان مشترك من وسطاء (مثل عمان أو طرف ثالث) أو بيانات منفصلة من إيران والولايات المتحدة، تُبرز “أجواء إيجابية” أو “حواراً بنّاءً” دون تفاصيل محددة. قد يُشير البيان إلى “التزام الأطراف بمواصلة الحوار” لتجنب إعلان فشل المفاوضات، مع التركيز على قضايا مثل البرنامج النووي أو تخفيف العقوبات. على سبيل المثال: “تمت مناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك في أجواء صريحة، وستستمر المشاورات لتعزيز الاستقرار الإقليمي.”
*إذا لم يُحرز تقدم:
قد لا يصدر بيان مشترك على الإطلاق، بل تصريحات منفردة من كل طرف. إيران قد تؤكد على “تمسكها بحقوقها السيادية” وترفض أي ضغوط أمريكية، بينما قد تصدر الولايات المتحدة بياناً يدعو إيران إلى “التعاون الجاد” مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. مثال محتمل:
من إيران: “أكدنا رفض أي شروط مسبقة تُمسّ سيادتنا، ونطالب برفع العقوبات غير القانونية.”
من الولايات المتحدة: “حثثنا إيران على اتخاذ خطوات ملموسة لإثبات التزامها بالتفاوض بنية حسنة.”
*إذا حدث اختراق غير متوقع:
في حالة نادرة، إذا تم التوصل إلى توافق مبدئي (مثل تجميد أنشطة نووية مقابل تخفيف عقوبات جزئي)، قد يصدر بيان يُلمّح إلى “خطوات أولية” مع تحديد موعد لجولة مفاوضات أخرى. سيكون البيان غامضاً لتجنب ردود فعل داخلية أو إقليمية، مثل:
“اتفق الطرفان على إطار عمل لمواصلة الحوار، مع التزام بخطوات تهدف إلى تعزيز الثقة المتبادلة.”
*العوامل المؤثرة على البيان:
الوضع الإقليمي: أي تصعيد في المنطقة (مثل التوترات في لبنان أو اليمن) قد يدفع إلى بيانات حذرة لتجنب الظهور بموقف ضعف.
الضغوط الداخلية: إيران قد تُصدر بياناً يُبرز “القوة” لجمهورها الداخلي، بينما الولايات المتحدة قد تُركز على “الدبلوماسية” لإرضاء حلفائها.
ردود فعل إسرائيل والسعودية: البيانات ستُراعي حساسيات الحلفاء الإقليميين، خاصة إسرائيل التي عبرت عن قلقها من التقارب مع إيران، والسعودية التي قد تراقب التوازن الإقليمي.