
الكاتب : غالب الحبكي
—————————————
بقلم.ا. غالب الحبكي /العراق
(الجزء الأول)
المس بيل (جيرترود بيل ) من مواليد لندن 1868م من عائلة اسقراطية والدها من أشهر منتج للحديد حيث يملك أكبر مصانع لصهر الحديد في إنكلترا ، تخرجت بيل من جامعة أكسفورد ، حيث كانت تدرس التاريخ وتعكف على دراسة الآثار ،تعشق الشرق وتدرس تاريخ الشعوب في الشرق الأوسط ، اتجهت إليه فكانت محطاتها الاولى هي طهران ، حيث انطلقت منها الى جولات عديدة في أنحاء إيران خصوصاً للاماكن الأثرية أتقنت اللغة الفارسية وآدابها بأمتياز ، قرأت الأدب الفارسي فترجمت من ديوان الحافظ الشيرازي 30 قصيدة ونقلتها الى الإنجليزية فكانت من هواة الشعر والادب، فإنها هي أول من ترجم التراث الأدب الفارسي الى الإنجليزية .
“بيل” الفتاة الشقراء من بلاد الـفــرس الى صحراء الـعـرب.
سافرت من طهران الى فلسطين ذلك في أواخر الخريف عام 1899م حيث استقرت هناك في مدينة القدس ، عكفت خلالها الى دراسة اللغة العربية ودراسة اللهجات العربية في بلاد الشام ، وفي شهر مارس من عام 1900م سافرت عبر صحراء الأردن في رحلة إلتقت خلالها بالعديد من القبائل البدو ، كما أنها أخذت عايشت حياة البدو الصحراء، ورست تقاليدهم عن كثب ، تمكنت خلال فترة وجودها في الصحراء بالتعرف على عادات البدو و القبائل العربية وشيوخها وزعمائها ، فكانت تجالس الرجال والنساء الى ساعات طويله تمتد الى ساعات متأخرة من الليل تسامر و تتحدث مع الرجال والنساء ، تعلمت خلال تلك الفترة من أن تصنع طعامها بيدها كما يصنع البدوي طعامه في الصحراء ، وبالرغم قساوة العيش في الصحراء تحت حرارة الشمس اللاهبة ورمال الصحراء و ساعات نهار الصيف الطويلة ورغم المصاعب أنها تغلبت على تلك الصعوبات واتمت مهمتها بكل ثقة وجدارة .
أتقنت “بيل” اللهجة العرب الصحراء العرب فكانت تنطق اللهجه البدوية بشكل جيد أخذت تتزين كأنها تلك البدوية بنت صحراء العرب، و تزينت وأرتدت لباس المرأة العربية ، فقويت بذلك علاقاتها وكما أثمرت صداقاتها في قلب صحراء العرب بالصداقة الحميمه الطيبة، فكان لها المقام الرفيع وسط شيوخ البادية في مجالس بدو الصحراء ، أثمرت بذلك مجاورتها ومجالستها مشايخ جبل الدروز في سوريا ، اتجهت الى دمشق وزارت مدينة تدمر الأثرية، و لبنان وكانت محطتها الاخيرة خلال رحلتها الطويلة ومنها عادت الى إنكلترا.
“المس بيل” بين الـقدس وبلاد الشام دراسـة وتـقـارير سـريـة.
عادت الى عشق الصحراء العربية عام 1903م فسكنت مدينة القدس لمدة عام كامل، وأكملت بها دراستها للغة العربية وآدابها، انتقلت منها في بداية عام 1905م انتقلت الى دمشق ، ورسمت وأكملت تقريراتها ومعلوماتها الدقيقة ونقلتها الى لندن، ونقلت بذلك مدونات واتمت و اكملت دراستها حول جغرافيا بلاد الشام وهي ، فلسطين ، لبنان ، سوريا ، والأردن ، والصحراء المحيطة بالمنطقة ، وأصدرت أول دراسة، و الكتاب الأول المفصل الذي يوضع التفاصيل التامه حول هذه المنطقة المهمة يحمل عنوان ( سوريا – الصحراء والأرض الزراعية) فكان لهذه الدراسة المفصله صدى واسع في الغرف السياسية المغلقه، و وجدت به أروقة جامعة أكسفورد البريطانية الترحيب، المادة الدسمة المهمه لدراسة هذه المنطقه بشكل واسع، حيث تناولت احوالها وتقاليدها وطريقة العيش وثرواتها.
حصلت على الميدالية الذهبية من الجمعية الملكية العليا في الجغرافيا السياسية ، ذلك تقديراً لدورها، وشجاعة المرأة البريطانية التي جالت الصحراء ، وتمكنت من إقامة العلاقات والتعاملات والصداقات الوطيدة، كان الحضور، والنفوذ المؤثر في قلب الصحراء البعيدة الممتدة من دمشق الى صحراء الاردن، و حائل، و مدينة تدمر ، و بغداد ، و كربلاء ، و بابل ، و الموصل ، كما أنها رسمت الخرائط السرية المهمة ذات الاهمية البالغة، و خصوصاً للأماكن القبيلية وتواجد القبائل ، والمدن وطبيعة السكان وتقاليد المجتمعات العربية و تضمنت من وضع خطوط تضاريس الصحراء والمناطق الجبيلية، و تناولت تلك الخرائط التفاصيل الدقيقة ، حول السكان وطبيعة العيش و القبائل البدو، و أسمائها ، عنونت بالتفصيل، المناطق التي يجهل الوصول إليها تسميات خاصة، خاصة لها بأسماء القبائل وشيوخ القبائل ، ومن خلال جولاتها الميدانية ورحلاتها المتكررة تناولت بتلك الخرائط والرسائل سرد التفاصيل والأحداث بكل دقة ومهنية .
المس “بيل” وجغرافيا بلاد العرب.
كانت هذه الخرائط والدراسات الإستراتيجية والخرائط الجغرافية والتقارير المفصلة الاهمية البالغة ، وهي السبب الذي فتح الباب أمامها لدخول غرف السياسة الخارجية الملكية العليا للسياسية البريطانية ، فإن خبرتها الطويلة، وزخم المعلومات الإستراتيجية للمنطقة وعلمها، بالتفاصيل الكبيرة و الصغيرة في المنطقة العربية ، الفضل في دخول مسرح الأحداث في تغيير ورسم الخارطة السياسية البريطانية في الشرق الأوسط.
ارتبطت شخصية المس بيل (جيرترود بيل) دورها على مسرح الأحداث السياسية في الشرق الأوسط وخصوصاً في العراق ، فكان لها الدور الاكبر في رسم خارطة الحدود العراقية كما هي اليوم ، فكان إسمها اللامع يرتبط في مع تقدم العمليات العسكرية البريطانية نحو احتلال العراق، أذ كان مشروع الاحتلال البريطاني للعراق، المعتمد في العمليات الحربية في العراق بأدق التفاصيل على تلك الخرائط التي ارسلت مسبقاً الى المخابرات المركزية البريطانية .
غابت عن التاريخ والباحثين الكثير من الحقائق لهذا كانت رسائلها هي المصدر الوحيد الأساسي لهذه لمادة التاريخ ، فهي لم تدون غير هذه الرسائل ولا نعرف لماذا لم تكتب مذكراتها ، حيث كانت الطريق الوحيد للوصول اليها الإ عن طريق تلك الرسائل، و التي تصل الى عائلتها هي مصدرنا الاول والوحيد للباحث في تاريخ و دراسة هذه الشخصية.
حيث نشرت لها وذلك في عام 1927م عن طريق زوجة والدها ( ليدي بل) ولأول مرة المجموعة الإولى من هذه الرسائل ، ثم جاءت بعدها مجموعة أخرى من تلك المدونات التي كتبتها (المس بيل) ولكن الأمر الذي إثار الاستغراب والغموض حيث لم تلبث أن اختفت وحذفت تلك الرسائل ، وهذا الأمر الذي وضع الناشر في موقف محرج أمام الصحافة، و الرأي العام حيث اختفت على وجه السرعة، تلك الحقائق التي احرجت السياسية الخارجية الملكية العظمى انذاك .
وفي محاولة أخرى عادت الى ساحة الجدل مرة أخرى (رسائل بيل ) وذلك في عام 1958م ، حيث نشرت الكاتبة الانگليزية ( إليزابيث بيرجن) كتابها الأول الذي يتناول شخصية ( جيرترود بيل ) مكون من جزئين صدر الجزء الاول منه في أوائل عام 1958م ، تناولت به تاريخ السياسية الخارجية البريطانية أهمية هذه الرسائل و القيمة التاريخية والثقافية وتأثيرها في العلاقات السياسية الدولية ، وأن رسائلها هي كانت تدور حول الوقائع والاحداث والتقلبات السياسية ، والتي كانت تشغل الجزء الأكبر من حياتها اليومية ، وبدأت رسائل (جيرترود بيل) ترد على عائلتها من عام 1889م ، وتوالت تلك الرسائل الى عام 1941م قد تمكنت الكاتبة (إليزابيث بيرجن ) من الخوض بعمق الغموض الذي اكتنف حياة “بيل” حيث استطاعت من كتابة وإصدار الجزء الثاني من ( رسائل جيرترود بيل) في عام 1961م وكان الجزء الثاني والأخير يتضمن شرح تفاصيل حياة بيل من عام 1914م الى وفاتها التي كانت في أواخر عام 1936 م.
حيث أسهبت ( بيرجن) في تفاصيل الأحداث والوقائع السياسية في الجزء الثاني وكان يحمل أدق التفاصيل والحوادث قد غاب من الجزء المهم من تلك التفاصيل الخطيرة والاسرار الغامضة، و الكثير منها دفنت ولا يوجد طريق لتلك الاسرار الخطيرة التي تتعلق الجزء المهم والاكبر بتاريخ العرب السياسية الدوليه المنطقة العربية، و العراق ، ماتت ألمس بيل دفنت في بغداد وكانت هذه هي وصيتها الاخيرة ، “المس بيل “عبقرية السياسية الخارجية الملكية العظمى في قارة آسيا والمنطقة العربية ، العراق، و بلاد الشام، وشبه الجزيرة العربية ، لعبت الدور الأساسي في رسم الخارطة العراقية حدودها وساهمت في تشكيل الحكومة الملكية ، فهي أول من قامت بتزوير للانتخابات الاولى ف لتشكيل أول حكم الملكي في العراق تحت رعاية الاحتلال البريطاني في المنطقة العربية.