الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز وجل “قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” ﴿يونس 49﴾ “قل” يا محمد جوابا لهم “لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا” أي: لا أقدر لنفسي على ضر أونفع “إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ” أن يملكني أويقدرني عليه فكيف أقدر لكم لأني إذا لم أقدر على ذلك كنت عن إنزال العذاب وعن معرفة وقته أعجز أويكون معناه إذا لم أملك لنفسي شيئا من ذلك إلا ما ملكنيه الله تعالى فكيف أملك تقديم القيامة وتعجيل العقوبة قبل الوقت المقدر له “لكل أمة أجل” أي: لكل أمة في عذابها على تكذيب الرسل وقت معلوم “إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُو” فلا يتأخرون عن ذلك الوقت ولا يتقدمون عليه بل يهلكهم في ذلك الوقت بعينه.
وعن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عز وجل “قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ” لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ” إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ” وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” (يونس 49) “قل لا أملك لنفسي ضرا” أدفعه “ولا نفعا” أجلبه “إلا ما شاء الله” أن يقدرني عليه، فكيف أملك لكم حلول العذاب، “لكل أمة أجل” مدة معلومة لهلاكهم، “إذ جاء أجلهم فلا يستأخرون” يتأخرون عنه “ساعة ولا يستقدمون” يتقدمون عليه.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز وجل “قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” ﴿يونس 49﴾ فإذا فقهوا هذا الكلام وتدبروه بأن لهم أن لكل أمة حياة اجتماعية وراء الحياة الفردية التي لكل واحد من أفرادها ولحياتها من البقاء والعمر ما قضى به الله سبحانه لها ولها، من السعادة والشقاوة والتكليف والرشد والغي والثواب والعقاب نصيبها، وهي مما اعتنى بها التدبير الإلهي نظير الفرد من الإنسان حذو النعل بالنعل. ويدلهم على ذلك ما يحدثهم به التاريخ ويفصح عنه الآثار من ديارهم الخربة ومساكنهم الخالية، وقد قص عليهم القرآن أخبار بعضهم كقوم نوح، وعاد قوم هود، وثمود قوم صالح، وكلدة قوم إبراهيم وأهل سدوم وسائر المؤتفكات قوم لوط والقبط قوم فرعون وغيرهم. فهؤلاء أمم منقرضة سكنت أجراسهم وخمدت أنفاسهم ولم ينقرضوا إلا بعذاب وهلاك، ولم يعذبوا إلا بعد ما جاءتهم رسلهم بالبينات ولم يأت قوما منهم رسوله إلا واختلفوا في الحق الذي جاءهم فمنهم من آمن به ومنهم من كذب به وهم الأكثرون. فهذا يدلهم على أن هذه الأمة – وقد اختلفوا في الحق لما جاءهم – سيقضي الله بين رسوله وبينهم فيأخذهم بما أخذ به من خلت من قبلهم من الأمم وإن الله لبالمرصاد. وعلى الباحث المتدبر أن يتنبه لأن الله سبحانه وإن بدأ في وعيده بالمشركين غير أنه هدد في أثناء كلامه المجرمين فتعلق الوعيد بهم، ومن أهل القبلة مجرمون كغيرهم فلينتظروا عذابا واصبا يفصل به الله بينهم وبين نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ولينسوا ما يلقيه الشيطان في روعهم أن أمتهم هذه أمة مرحومة رفع الله عنهم عذاب الدنيا إكراما منه لنبيهم نبي الرحمة فهم في أمن من عذاب الله وإن انهمكوا في كل إثم وخطيئة وهتكوا كل حجاب مع أنه لا كرامة عند الله إلا بالتقوى وقد خاطب المؤمنين من هذه الأمة بمثل قوله:”ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به” النساء 123. وربما تعدى المتعدي فعطف عذاب الآخرة على عذاب الدنيا فذكر أن الأمة مغفور لهم محسنهم ومسيئهم فلا يبقى لهم في الدنيا إلا كرامة أن لهم أن يفعلوا ما شاءوا فقد أسدل الله عليهم حجاب الأمن ولا في الآخرة إلا المغفرة والجنة. ولا يبقى على هذا للملة والشريعة إلا أنها تكاليف وأحكام جزافية لعب بها رب العالمين ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون تعالى عما يقولون علوا كبيرا. فهذا كله من الإعراض عن ذكر الله وهجر كتابه، وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عز وجل “قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” ﴿يونس 49﴾ “قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا ولا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ”أي انكم تسألونني عن شيء لا أملك من أمره شيئا، بل ولا من أمر نفسي، فبالأولى غيرها. وتقدم نظيره في سورة الأعراف الآية 187. “ولِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً ولا يَسْتَقْدِمُونَ”. تقدم مثله في سورة الأعراف الآية 33، وتكلمنا عن الأجل مفصلا في ج 2 ص 171 فقرة “الأجل محتوم”عند تفسير الآية 145 من سورة آل عمران.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز وجل “قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” ﴿يونس 49﴾ “قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ” فإنّي لست إلاّ رسوله ونبيّه، وإِنّ تعيين موعد نزول العذاب بيده فقط، وإِذا كنت لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً، فمن باب الأُولى أن لا أملكهما لكم. إِنّ هذه الجملة في الحقيقة إِشارة إِلى توحيد الأفعال حيث يرتبط كل شيء في هذا العالم بالله سبحانه، وكل الحركات والافعال معلولة لارادته ومشيئته، فهو الذي ينصر المؤمنين بحكمته، وهو الذي يجازي المنحرفين بعدالته. من البديهي أنّ ذلك لا ينافي أنّ الله قد أعطانا قوى وطاقات نملك بواسطتها جلب النفع ودفع الضرر، ونستطيع أن نختار ما يتعلق بمصيرنا، وبتعبير آخر فإِنّ هذه الآية تنفي الملكية بالذات لا بالغير، وجملة “إِلاّ ما شاء الله” قرينة واضحة على هذا الموضوع. ومن هنا يُعلم أنّ استدلال بعض المتعصبين ـ ككاتب تفسير المنار ـ بهذه الآية على نفي جواز التوسل بالنّبي صلى الله عليه وآله وسلم ضعيف جدّاً، لأنّه إِذا كان المقصود من التوسل أن نعتبر النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ذا قدرة ذاتية ومالكاً للنفع والضر، فإِنّ هذا شرك قطعاً، ولا يمكن أن يؤمن بهذا أي مسلم، أمّا إِذا كانت هذه الملكية من الله سبحانه وهي داخلة تحت عنوان: إلاّ ما شاء الله، فما المانع من ذلك؟ وهذا هوعين الإِيمان والتوحيد. إلاّ أنّه نتيجة الغفلة عن هذه النكتة أتلف وقته ووقت قُرّاء تفسيره بالبحوث الطويلة، وهو مع الأسف “رغم كل الإِمتيازات الموجودة في تفسيره) قد ارتكب كثيراً من هذه الأخطاء، والتي يمكن اعتبار التعصب منبعها جميعاً. ثمّ يتطرق القرآن إِلى جواب آخر ويقول: “لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” وبتعبير آخر فإِنّ أي أُمّة إِذا انحرفت عن مسير الحق، فسوف لا تكون مصونة من العذاب الإِلهي الذي هو نتيجة أعمالها، فعندما ينحرف الناس عن قوانين الخلقة والطبيعة فسيبددون طاقاتهم وملكاتهم في فراغ ويسقطوا في النهاية في هاوية الانحطاط ويحتفظ تاريخ العالم في ذاكرته بنماذج كثيرة من ذلك. في الواقع إِنّ القرآن الكريم يحذر المشركين الذين كانوا يتعجلون العذاب الإِلهي بأن لا يعجلوا، فعندما يحل موعدهم فإِنّ هذا العذاب سوف لن يتأخر أويتقدم لحظة. ويجب الإِلتفات إِلى أنّ الساعة قد تعني أحياناً لحظة، وأحياناً المقدار القليل من الزمن، بالرغم من أنّ معناها المعروف اليوم هوالأربع والعشرون ساعة التي تشكل الليل والنهار.