كلمة امة في القرآن الكريم (كلما دخلت أمة لعنت أختها) (ح 67)

الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله سبحانه “قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ” ﴿الأعراف 38﴾ “قال ادخلوا” هذه حكاية قول الله تعالى للكفار، يوم القيامة، وأمره لهم بالدخول، ويجوز أن يكون إخبارا عن جعله إياهم في جملة أولئك من غير أن يكون هناك قول: كما قال: “كونوا قردة خاسئين” والمراد أنه جعلهم كذلك “في أمم قد خلت” أي: في جملة أقوام، وجماعات، قد مضت “من قبلكم من الجن والإنس” على الكفر “في النار” وقيل: إن “في” بمعنى مع أي: ادخلوا مع أمم كافرة “كلما دخلت أمة” من هذه الأمم النار. “لعنت أختها” يعني التي سبقتها إلى النار، وهي أختها في الدين، لا في النسب، يريد أنهم يلعنون من كان قبلهم، عن ابن عباس. وقيل: يلعن الأتباع القادة والرؤساء، إذا حصلوا في العذاب، بعدما كانوا يتوادون في الدنيا، يقولون: أنتم أوردتمونا هذه الموارد فلعنكم الله، عن أبي مسلم “حتى إذا اداركوا” أي تلاحقوا واجتمعوا “فيها” أي: في النار “جميعا” أي: كان هذا حالهم حتى اجتمعوا فيها، فلما اجتمعوا فيها “قالت أخراهم لأولاهم” أي: قالت أخراهم دخولا النار وهم الأتباع، لأولاهم دخولا، وهم القادة والرؤساء “ربنا هؤلاء أضلونا” أي: شرعوا لنا أن نتخذ من دونك إلها، عن ابن عباس. وقيل: معناه دعونا إلى الضلال، وحملونا عليه، ومنعونا عن اتباع الحق، قال الصادق عليه السلام: “يعني أئمة الجور”. “فآتهم عذابا ضعفا من النار” أي: فأعطهم عذابا مضاعفا. قال ابن مسعود: أراد بالضعف هنا الحيات والأفاعي. وقيل: أراد بأحد الضعفين عذابهم على الكفر، وبالآخر عذابهم على الإغواء.

التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله سبحانه “قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ” ﴿الأعراف 38﴾ المراد بالأمم أهل الملل الكافرة، أي ان اللَّه يقول لمن كفر بنبوة محمد صلى الله عليه وآله: ادخلوا النار جزاء على كفركم، كما دخلها من كذّب بالأنبياء من قبلكم. “كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها” يتلاعنون، وقد كانوا اخوة في الدين، وتجمعهم الأنساب والاصهار. وهكذا أهل الأهواء والضلال يتحابون ويتعاطفون حين الدعة وأيام الأمل، ويتباغضون ويتلاعنون حين لا يدرك أمل، ويرجى نوال. “حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً” أي تلاحقوا، وأدرك بعضهم بعضا، وعندها يبدأ الخصام والجدال “قالَتْ أُخْراهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ”. قال بعض المفسرين: المراد بأولاهم الأولى دخولا في النار، وبأخراهم المتأخرة دخولا فيها. وقال آخرون: بل المراد بأولاهم القادة المتبوعون، وبأخراهم الأتباع. وهذا القول أقرب وأنسب لقول أخراهم: هؤلاء أضلونا مشيرين لأولاهم، لأن المضل متبوع والمضلَّل تابع. طلب التابعون من اللَّه سبحانه أن يضاعف العذاب للمتبوعين، لأنهم السبب في ضلالهم “قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ ولكِنْ لا تَعْلَمُونَ” أي ان لكم ولهم عذابا مضاعفا ولكن لا يعلم كل فريق ما للآخر من مقدار العذاب وشدته.

قال الشيخ جلال الدين الصغير: الاهلية إن لم تلتزم بوجوب تمتع الشاهد بمواصفات استثنائية خاصة، تصطدم بإمكانية الشهادة على الجوارح، وتصطدم أيضا بالشهادة على عوالم الجن، وهؤلاء يدخلون في مقتضياتها، لتحقق الطلب الإلهي منهم بالعبادة، مما يستلزم الثواب والعقاب، ومعهما يصبح وجود الشاهد عليهم واجبا، ولكونهم أمم أمثالكم، وكذا الشهادة على عالم الملائكة بما فيهم ملائكة الوحي، فضلا عن الملائكة الكاتبين، لأن الملائكة أمة من الأمم، وهذه تدخل في مفاد قوله تعالى “فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا” (النساء 41) ومن خلال كل ذلك نكون قد تحققنا من ضرورية امتداد دور الشهادة من النبوة إلى الإمامة، ورأينا دور الشهادة إلى الإمام أحد الشواهد على عصمته، وما نحتاج بعد ذلك وجود النص الذي يشخص الدور ويشخص الشاهد.

جاء في معاني القرآن الكريم: أمم الأم بإزاء الأب، وهي الوالدة القريبة التي ولدته، والبعيدة التي ولدت من ولدته. جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن أمة “وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ اسْتَسْقَاهُ” ﴿الأعراف 160﴾، و “وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ۖ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” ﴿الأعراف 168﴾، و “قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ” ﴿هود 48﴾، و “تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” ﴿النحل 63﴾. قوله جل جلاله “وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ” ﴿الأنعام 38﴾، و “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ” ﴿الأنعام 42﴾.

تكملة للحلقة السابقة عن رابطة العلماء السوريين: كلمات في القرآن (أمة) للدكتور عثمان قدري المكانسي: 8- وتأتي ” أمة ” بمعنى الأجل المعدود والأمد المحصور والمدة المضروبة. مثال ذلك قوله تعالى في الآية الثامنة من سورة هود ” ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولُنّ: ما يحبسه ؟ ” فالكفار يستعجلون العذاب ” وإذ قالوا: اللهم، إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ” وفي قوله تعالى يسخر من الكفار: ” يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ” كما أننا نجد معنى الزمن في كلمة ” أمة ” في قوله تعالى في الآية 45 من سورة يوسف: ” وادّكر بعد أمة ” وما تذكر إلا بعد سبع سنوات قضاها يوسف في السجن. 9- وتأتي بمعنى الإمام الذي يُقتدى به. مثاله قوله تعالى يمدح إبراهيم عليه السلام ” إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله، حنيفاً، ولم يك من المشركين ” فَهُوَ الإمام الَّذِي يُقتدى بِهِ وَالْقَانِت هُوَ الْخَاشِع الْمُطِيع وَالْحَنِيف المتجه قَصْدًا عَنْ الشِّرْك إِلَى التوحيد، وهو معلم الخير والجامع له، الذي يعلم الناس دينهم ويدلهم على ربهم. وقد كان إبراهيم وحده مؤمناً والناس كلهم كفار، فكان أمة وحده. 10- وتأتي ” أمة ” بمعنى جماعة من الجماعات، أ- وقد تكون الجماعة صغيرة قليلة، فهذا موسى عليه السلام يصل إلى مدين فيمر على جماعة من الرعاة قد لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين يسقون أنعامهم وشاءَهم ” ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ” ب- وقد تكون الأمة ضخمة كثيرة العدد تعيش الحواضر والبوادي. يُرسل إليها الرسول ليهديهم طريق الرشاد، ونجد ذلك في قوله تعالى: و” َلَقَد بعثنا فِي كُلّ أُمَّة رَسُولا أَن اُعْبُدُوا اللَّه واجتنبوا الطَّاغُوت ” وَقَالَ تَعَالَى ” وَلِكُلِّ أُمَّة رَسُول فَإِذَا جَاءَ رَسُولهمْ قُضِيَ بَيْنهم بِالْقِسْطِ وَهُم لا يُظلَمُونَ ” فالرسول يبعث في جماعة أو جماعات ويدعوهم إلى الله تعالى، ويقيم عليهم الحجة كما قال تعالى في الآية 75 من سورة القصص ” ونزعنا من كل أمة شهيداً ” نبياً يشهد على العباد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وشهيد كل أمة رسولها ” فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيداً “. جـ -وقد تكون الأمة بمعنى الناس جميعاً لقوله صلى الله عليه وسلم ” وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَسْمَع بِي أَحَد مِنْ هَذِهِ الأمة يَهُودِيّ وَلا نَصْرَانِيّ ثُمَّ لا يُؤْمِن بِي إلا دَخَلَ النَّار” وكقوله تعالى ” كنتم خير أمة أخرجت للناس ” بمعنى خير الأمم. 11- وقد تأتي بمعنى الدين والملة لقوله تعالى في الآية 23 من سورة الزخرف ” إنا وجدنا آباءنا على أمة ” أي على طريقة ودين، وهم يريدون أن لا يخالفوهم 12- وقد تأتي كلمة أمة بمعنى التساوي والتشابه في الحياة والعطاء. مثاله قوله تعالى في الاية 33 من سورة الزخرف ” ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سُقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون. ” خوفاً على المؤمنين من الفساد والفتنة حين يرون الكفار يعيشون في الدنيا حياة الرفاهية والرغد، وهم – على الرغم من إيمانهم – أقل منهم مستوى في الراحة والهناء والرفاهية وقد أعطى الله تعالى الكفار في هذه الدنيا الكثير من المتع العظيمة، فهم على كفرهم وسوئهم وضلالهم – كونهم بشراً – يفعلون مع بعضهم الخير ويساعد بعضهم بعضاً فلا بد للعدل الإلهي أن يثيبهم بما فعلوه من خير في دنياهم فقط، فليس لهم في الآخرة نصيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *