في علاقتنا بالزمن خللٌ خفيّ، لا نكاد ننتبه إليه: نحن لا نعيش الزمن كما هو، بل كما نُرويه لأنفسنا. الزمن في حقيقته حركة، لكن وعينا له ذاكرةٌ تنتقي من الحركة ما يوافق رؤيتنا. ولذلك لم يكن الفرق بين الأمم المتقدمة والمتأخرة في كمية ما مرّ عليها من الزمن، بل في كيفية وعيها به.
الأمم التي جعلت الزمن خطًّا صاعدًا صارت تصنع المستقبل، أما التي جعلته دائرةً مغلقة، فقد ظلت تعيد إنتاج نفسها تحت عناوين جديدة. ولهذا التاريخ يعيد نفسه لا لأن الأحداث تتكرر، بل لأن النفوس لم تتغير كما يرى ابن خلدون.
مشكلتنا أننا نتعامل مع الزمن تعامُل المستهلك مع السلعة، لا تعامُل الصانع مع المادة الخام. نستهلك أيامنا في انتظار ما سيأتي، دون أن نعي أن الانتظار شكلٌ آخر من أشكال الغياب.
وما لم نُحوّل وعينا بالزمن من الترقب إلى الفعل، سنظل نعيش في ماضٍ مستترٍ بثياب المستقبل. الزمن لا ينتظر أحدًا، لكنه ينحاز دائمًا لمن يفهم فلسفته.
د. عبدالله يوسف نافع الحسني الهاشمي