تصريحات سافايا..رسالة اميركية ناعمة بلهجة تحذيرية

بقلم : خالد الغريباوي

تكشف تصريحات مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مارك سافايا، في ذكرى النصر على داعش، عن مقاربة جديدة تبدو هادئة في ظاهرها لكنها مشحونة بإنذار مبطّن لما قد يواجهه العراق إذا تراجع عن مسار الدولة، فبعد ثلاثة وعشرين عامًا على سقوط الدكتاتورية يقول الرجل بطريقة لا تخلو من الرمزية إن العراق يقف مجددًا عند ذات المفترق: إمّا دولة كاملة السيادة أو ساحة مفتوحة للصراع والاضطراب.
حديث سافايا عن استحالة نجاح أي أمة بوجود جماعات مسلّحة تنافس الدولة ليس جملة عابرة، بل هو إعلان واضح بأن واشنطن ترى أن التحدي الحقيقي في بغداد ليس سياسيًا فقط بل مؤسسي يتعلق بقدرة الدولة على امتلاك قرارها الأمني ، وهي رسالة تُقرأ كاختبار لنوايا الطبقة الحاكمة: هل تريد دولة واحدة بقرار واحد، أم مراكز قوى تتقاسم السلطة وتبدد الاستقرار؟
وفي المقابل يشير سافايا إلى أن السنوات الثلاث الماضية أثبتت إمكانية بناء استقرار حقيقي عندما تتبنى الحكومة نهجًا واقعيًا ومتوازنًا يجنب العراق الانجرار إلى حروب الآخرين ، هذا الربط يعني أن واشنطن رصدت في بغداد فترة تماسك نسبي، وأن أي انحراف عنها قد يُفهم كعودة إلى دوامة التشرذم التي دفعت البلاد أثمانها سابقًا.
الأخطر في تصريحاته هو قوله إن قرارات القادة السياسيين في المرحلة المقبلة ستحدد مصير العراق: إما التقدم نحو السيادة والقوة، أو السقوط مجددًا في التدهور والانقسام ،هذه المعادلة الثنائية لا تمنح الوسط مساحة آمنة؛ وكأن سافايا يريد القول إن منتصف الطريق لم يعد خيارًا، وإن الوقت الحالي لا يحتمل سياسة الموازنات المائعة أو الحسابات الضيقة.
ويضع سافايا معادلة إضافية لا تقل خطورة: الاختيار الموحد والعقلاني سيرسل إشارة إلى واشنطن والعالم بأن العراق مستعد ليكون ركنًا مستقرًا في الشرق الأوسط الجديد، فيما البديل هو “تدهور اقتصادي، واضطرابات سياسية، وعزلة دولية”، هذا التحذير المباشر رغم صياغته الدبلوماسية يعكس أن الولايات المتحدة لن تمنح العراق شيكًا مفتوحًا إذا اختار طريق الصدام أو ازدواجية القرار.
وفي ختام رسائله، يؤكد سافايا أن الولايات المتحدة في عهد ترامب مستعدة لدعم العراق في هذه اللحظة المصيرية ،لكن هذا الدعم كما يفهم من السياق ليس تلقائيًا؛ بل مشروط بوضوح خيار بغداد: دولة أم لا دولة، مؤسسات أم سلاح خارجها، سياسة متوازنة أم ارتهان لمحاور تجر البلاد إلى العزلة.
بهذه التصريحات، لا يكتفي سافايا بتسجيل موقف؛ بل يضع أمام العراقيين خريطة طريق وخطًا أحمر في آن واحد. إنها رسالة تُقرأ كتحذير أكثر مما تُقرأ كطمأنة، وكأن واشنطن تقول: لقد آن أوان الحسم… والعراق وحده سيقرر إن كان يريد مستقبلًا يليق به أم أن يعود إلى متاهة كان يعتقد أنه خرج منها إلى الأبد.