أمة عربية متصهينة .. ولليهود حاضنة

د. قحطان الظالمي _ صحفي
في روج التحولات التي تعصف بالمجتمعات العربية يبرز تأثير خطير يتسلل بصمت إلى العقول والقلوب تلميع الفكر الصهيوني في أذهان الناس ومحاولة جعله مقبولا أو طبيعيا لدى بعض الفئات خصوصا بين الشباب الذين يعيشون حالة من الاضطراب القيمي والانفصال عن جذورهم وبسبب سوء الأخلاق والانحلال والتفكك الأسري البعيد عن العقيدة السليمة الشيطان النفسي يأخذ دوره في تلميع الفكر الصهيوني في نفوس الناس وخاصة في المناطق العربية التي لا ترتب أوراقها مع ابناءها من بداية العمر لذا ينشأ الأشخاص فارغين خاوين مهمشين ارض خصبة لأي لمعان يستهوي عيونهم وقلوبهم الجائعة.

هذه الظاهرة لا تولد فجأة بل تجد طريقها من خلال ثغرات اجتماعية وأخلاقية عميقة تبدأ من داخل البيوت وتمتد إلى المدارس والشارع والإعلام فحين يفقد الإنسان بوصلته الداخلية يصبح مستعدا لتلقي أي خطاب يلمع في عينيه حتى لو كان هذا الخطاب يعاكس هويته وتاريخه ومصلحته وكما معلوم أن الصهيونية حركة سياسية ظهرت في أوروبا أواخر القرن التاسع عشر تهدف إلى إقامة دولة لليهود على الأراضي الفلسطينية ومنذ نشأتها ارتبطت الصهيونية بالمشروع الاستعماري الاستيطاني في فلسطين مما أدى إلى نزع ملكية الشعب الفلسطيني من أرضه وتهجيرهم قسريا وهنا لم يعد الخطر مقتصراً على تبنّي بعض الأفكار الدخيلة بل تطوّر ليصل إلى ما يمكن تسميته اليوم بـ “التصهين الفكري” أي أن يتحول الإعجاب بالخطاب الصهيوني أو الدفاع عنه أو ترديد رواياته إلى سلوك يومي يمارسه بعض الأفراد عن جهل أو فراغ أو رغبة في الابراز.

محل الشاهد هو مصطلح سياسي وإعلامي يُستخدم لانتقاد بعض التوجّهات العربية التي يُنظر إليها على أنها تنسجم على الطريقة الاستعمارية وتتبنى خطابا إعلاميا مقارب للخطاب الصهيوني أو تهاجم قضايا العرب المركزية هذا المصطلح ليس علما ثابتا ولا مدرسة فكرية بل هو وصف جدلي يستعمل غالبا في سياق الاتهام السياسي.

وتتعمق الأزمة الأخلاقية في المجتمعات العربية يوماً بعد يوم وتفتح الباب أمام خطابات دخيلة تستغل الفراغ القيمي والاضطراب النفسي التي يعيشه بعض الشباب ومع هذا الفراغ يبرز خطر تلميع الفكر الصهيوني في النفوس ليس لأنه فكر قوي أو مقنع بل لأنه وجد في بعض البيئات أرضا رخوة لا تحمل مناعة فكرية أو أخلاقية قادرة على صدّه.

إن ضعف التربية الأخلاقية وتراجع دور الأسرة وغياب التوجيه القيمي منذ الطفولة كلها عوامل تخلق جيلاً هشاً غير متصل بجذوره ولا يحمل ثوابت تحميه من الانجراف خلف أي بريق خارجي ومع غياب العقيدة المستقيمة والتربية الواعية يصبح الإنسان فارغاً من الداخل يبحث عن أي لمعان يملأ عينيه وقلبه الجائعين مهما كانت خطورته أو تناقضه مع هويته.

ويلعب ما يمكن تسميته بـ“الشيطان النفسي” دوراً في تضليل الإنسان فهو ليس قوة خارجة عنه بل تلك الرغبة الداخلية في الانسلاخ عن الواقع والهروب من المسؤولية والبحث عن كل ما يبدو لامعاً و“مختلفاً” وفي هذه اللحظات النفسية الحرجة تتمدد الأفكار الصهيونية أو غيرها من الأفكار المشوهة وتبدو للإنسان المنهك وكأنها طريق جديد للحداثة والانفتاح والتقدم.

وتزداد خطورة الظاهرة في المجتمعات التي لا ترتّب أوراقها منذ البداية مع أبنائها ولا تعلّمهم أساسيات العقيدة والأخلاق والانتماء وحين يكبر الإنسان بلا توجيه ولا هوية يصبح كما لو أنه أرض خصبة لأي فكرة تُلقى أمامه وهذه الأرض إن لم تُزرع بالحق ستنبت فيها البذور الدخيلة سريعة النمو.

وتتطور الظاهرة اليوم إلى ما يشبه “التصهين الفكري” حيث يتحول البعض إلى ترديد الخطاب الصهيوني بدافع حب الظهور أو الرغبة في التمرد أو الإحساس بالنقص وليس من باب القناعة الحقيقية ويصبح الدفاع عن إسرائيل أو السخرية من قضايا الأمة أو تبني روايات الاحتلال سلوكاً يومياً يمارسه البعض فقط ليبدو “مختلفاً” أو “متفتحاً” هذا النوع من التصهين لا يقوم على فكر بل على فراغ ولا ينبع من وعي بل من رغبة في الجلبة وتقمص صورة المثقف الذي تجاوز مجتمعه.

المؤسف أن هذا التصهين ينتشر بسهولة عبر وسائل التواصل حيث يخطف العقول ويقدّم روايات جاهزة تلمّع الاحتلال وتشوه الحق وفي ظل التفكك الاجتماعي وغياب القدوة وضعف المناعة القيمية يتحول هذا الخطاب إلى تيار نفسي وفكري يجد مكانه سريعاً في النفوس الخاوية.

إن مواجهة الظاهرة لا تبدأ من الإعلام ولا من السياسة بل من إعادة بناء الإنسان نفسه إنسان يملك قيماً واضحة وعقلاً ثابتاً وهوية راسخة ونفساً قوية لا تنخدع باللمعان الزائف فالمعركة ليست بين فكرين فحسب بل بين قيمة وفراغ بين ثبات وتشتت وبين وعي وزيف وعندما يستعيد المجتمع جذوره ويعيد ترتيب بيته الداخلي سيتوقف هذا اللمعان الدخيل عن خداع أبنائه وستبقى الحقيقة أقوى من كل تزييف.