نوفمبر 21, 2024
453

اسم الكاتب : مصطفى جمال مراد

عند التجول في العاصمة بغداد يمكن مشاهدة أكثر من أربعين نصباً وتمثالاً صممها نحاتون عراقيون وأجانب في العقود الأخيرة، إلا أن عدداً منها تأثر بفعل الحرب والإهمال وبات بحاجة إلى صيانة وترميم.

العراقي إيهاب أحمد، 59 عاماً، أستاذ محاضر في كلية الفنون الجميلة في بغداد وواحد من النحاتين الذين أسهموا في إغناء الهوية البصرية للفضاء العام خلفاً لأساتذة رواد أبرزهم جواد سليم وخالد الرحال ومحمد غني حكمت ورفعت الجادرجي وبييترو كانونيكا.

يقول أحمد إن أول تمثال وضع في بغداد كان  للجنرال “ستانلي مود” الذي قاد الجيوش البريطانية لاحتلال بغداد خلال الحرب العالمية الأولى وأزيح الستار عنه سنة 1923 وظل يقف قرب السفارة البريطانية في محلة الصالحية إلى أن اقتلعته الجماهير العراقية الغاضبة صبيحة ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 كعلامة على انتهاء النفوذ البريطاني المباشر في العراق.

أما أول تمثال عراقي فكان لرئيس الوزراء العراقي عبد “المحسن السعدون” في عام 1933 للنحات الإيطالي بييترو كانونيكا، في حين أن آخر المنحوتات التي شيدت في بغداد كانت نصبي “أشعار بغداد” و”إنقاذ العراق” سنة 2012  وهي للنحات العراقي محمد غني حكمت قبل وفاته.

ويشير أحمد إلى أن المميز في معظم تماثيل البلاد هو لونها المعتم بسبب الخامات المستخدمة في صنعها موضحاً أن “اختيار الخامات يجب أن يتلائم مع بيئة المكان، لذلك ترى التماثيل العراقية مصنوعة من مواد تتحمل الأجواء القاسية ومعظمها من البرونز الذي تتم أكسدته”.

بحسب أحمد، الكثير من الرسائل تحملها التماثيل المعروضة اليوم في الساحات العامة “كما هو الحال مع تماثيل حضارة وادي الرافدين التي تعرفنا على الحياة الاجتماعية وعلى القوانين المعمول بها آنذاك”.

ويستشهد بتمثال “النهضة” الذي اشتغل عليه أحمد في فترة حرجة من تاريخ العراق على حد وصفه، وهو عمل نحتي يمثل رجلاً ينهض من القبر، “فرغم كل شيء يبقى طموحنا كعراقيين أن ننهض من جديد”.

مصطفى ابراهيم وهو إعلامي ومقدم برامج شاب يؤكد على أهمية الرسائل التي تنقلها التماثيل، فيرى مثلاً أن تمثال “الأم” التي تنظر الى المستقبل مجسداً بالطفل الواقف الى جانبها يرمي إلى نفس الفكرة، فكرة النهوض من جديد، وهو تمثال شهير من صنع النحات خالد الرحال سنة 1961 ويقع في حديقة الأمة في الباب الشرقي.

ويروي إبراهيم قصة سمعها من الفنان سعدون جابر والشاعر كريم العراقي بأنهما مرا من جانب التمثال فدمعت عينا كريم العراقي متذكرا والدته، ويكمل إن “هذا الموقف دفع الشاعر كريم العراقي لكتابة أغنية “أمي يا أم الوفا” التي غناها سعدون جابر”.

وللنحات أحمد العديد من الأعمال النحتية المعروضة في فضاءات المدينة، أبرزها تمثال لعبد كريم قاسم بطول مترين ونصف من مادة البرونز، ومتحف دائم للشهداء داخل نصب الشهيد مكون من 16 عمل نصفي (بورتريه) وعملان فنيان، أحدهما تركيبي نحتي والثاني نحتي متحرك، هما الأولان من نوعهما في العراق فضلا عن عشرات الأعمال النحتية الاخرى، وهو يعمل حالياً على مشروع جديد لتخليد ذكرى شهداء الشرطة الاتحادية.

لكن أكثر ما يخشاه أحمد أن تتعرض الأعمال النحتية للتدمير أو التهالك بسبب الحروب والإهمال، كما يحدث مع العديد من الأعمال البارزة مشيراً إلى أن  التماثيل تحتاج إلى صيانة دائمة مثل تماثيل الرواد جواد سليم وخالد الرحال.

ويضيف: “اكتشفت مؤخراً أن تمثال الأم للفنان خالد الرحال متضرر جداً وقد تمت صيانته سابقا بأصباغ لا تناسب الحجر، وهناك تماثيل أخرى متهالكة ومتعبه وتعاني من الإهمال كما هو الحال مع نصب ساحة التحرير إذ لم يتم الاهتمام به منذ أكثر من ثلاثين عاماً”.

ويعتقد النحات أحمد أن “العراق يفتقد إلى تخصص صيانة التماثيل ويحتاج إلى إرسال بعثات للخارج لخلق كوادر مؤهلة لذلك”.

أما الإعلامي مصطفى إبراهيم فيقول إن العديد من التماثيل تمت إزالتها تماماً بسبب التحولات السياسية التي مرت بها البلاد فلم يعد لها أثر يذكر، من بينها نصب ساحة اللقاء الذي بني في حي المنصور سنة 2003 وتم هدمه بعدها بعام، وكان عبارة عن كفي يد متشابكين، ويمثل وحدة الشعب العراقي.

المصير نفسه تعرض له نصب الجندي المجهول في ساحه الفردوس، “تم بناؤه في الخمسينيات وكان من تصميم رفعت الجادرجي لكنه أزيل سنة 1982 وكان على شكل قوس يمثل أماً منحنية على جثة ابنها الشهيد، وبدلاً عنه تم بناء نصب الجندي المجهول الموجود في المنطقة الخضراء”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *