نوفمبر 22, 2024
SYRIA-CONFLICT-ARCHAEOLOGY

A stone engraved with Islamic texts is seen at the ancient Roman amphitheatre of Bosra al-Sham, which is listed as a UNESCO world heritage site, in the southern Syrian province of Daraa on May 21, 2017. (Photo by Mohamad ABAZEED / AFP)

اسم الكاتب : حسين عبد الحسين

حسب الرواية الإسلامية، أن الخالق أكرم العرب ببعثه خاتم النبيين والرسل منهم، وأن العربية هي لغة أهل الجنة، وأن العبادة لا تجوز بغيرها، وهو السبب الذي يجبر المسلمين من غير العرب، في أصقاع المعمورة، على دراسة ما تيسر من العربية للصلاة والتعبد.

ومنذ وفاة الرسول، لم يخلفه إلا عرب من قريش، وحسب الاعتقاد الشيعي، من نسل ابنته فاطمة وابن عمه علي. وبعد الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين والفاطميين، لم يسبغ الحكام على أنفسهم لقب خليفة، بل اتخذوا ألقابا توحي وكأنهم يحكمون باسم خليفة ما، مثل سيف الدولة، وناصر الدولة، والوالي، والسلطان. ومنذ نهاية الخلافتين العباسية والفاطمية، تلاشى مفهوم الحاكم باسم الله ورسوله، وحلّ محله حاكم باسم الدين والقوة.

قبل اندثارهم، عمد العباسيون إلى تجنيد مقاتلين من القبائل التركية في وسط آسيا، وعاملوهم كعبيد، وهو ما أكسب بعضهم لقب مماليك. لكن المماليك ثاروا على أسيادهم، وحكموهم، وتبنوا لغتهم ودينهم وعاداتهم وتقاليدهم. وتواصلت موجة نزوح القبائل التركية والإيرانية من آسيا الوسطى باتجاه غرب آسيا، وواصل اللاجئون الأتراك والإيرانيون تبني الحضارة العربية التي كانت متقدمة على حضارتهم، فتبنوا الحرف العربي، والدين العربي، أي الإسلام، والتاريخ العربي. مع ذلك، تعذر على الإيرانيين والأتراك ادعاء الخلافة التي تقلبت في أصلاب العرب قبل اندثارها.

هكذا، أطلقت سلالة عثمان على حكامها لقب سلطان، واتخذ إسماعيل مؤسس السلالة الإيرانية الصفوية لقب شاه، أي ملك، وراح الأتراك والإيرانيون يتنافسون على خطب ود المسلمين، وابتكار أساطير تربطهم بالأساطير الإسلامية. لكن الواقع بقي عصيا على التغيير: الإسلام دين عربي.

محاولات الإيرانيين والأتراك التظاهر وكأن حاكمهم هو خليفة المسلمين، بمن فيهم العرب، لم تتوقف، حتى يومنا هذا. الأسبوع الماضي، احتجت “جمهورية إيران الإسلامية” لدى وكالة يونسكو ـ التابعة للأمم المتحدة والمخولة الحفاظ على التراث البشري العالمي ـ أن “جمهورية تركيا” العلمانية سابقا المتأسلمة حديثا، حاولت تسجيل رسم “الخط العثماني” لدى الوكالة على أنه “الخط الإسلامي”. وجاء في الاحتجاج الإيراني أنه إن كان هناك رسما للأحرف يمكن اعتباره خطا إسلاميا، فهو “الخط الفارسي”.

واعتبار أن الخط الإسلامي هو الرسم الفارسي تزوير للتاريخ يوحي وكأن أول تدوين لكتاب المسلمين كان بهذا الخط، وهذا غير صحيح، بل أن الخط الفارسي نفسه منقول من الحروف العربية. أما التاريخ الحقيقي، فهو أن اللغة العربية كانت تكتب بخطوط سابقة للخط الحالي، منها العربي الجنوبي، ومنها الآرامي المعدّل والمعروف بالنبطي المتأخر. أما أولى مخطوطات القرآن والكتابات الإسلامية الأخرى، فكانت بالخط العربي الحجازي، يليه الخط العربي الكوفي المستوحى على الأرجح من الاسطرنجيلي الآرامي، الذي كان مستخدما في الكنيسة المسيحية خارج بيزنطية. هذا يعني أن “الخط الإسلامي” ليس تركيا ولا إيرانيا، بل عربي.

والشعوبية، أو عداء غير العرب من المسلمين للعرب المسلمين، قديمة بقدم الدين الإسلامي نفسه. مثلا، يتظاهر الإيرانيون أن قبر خليفة المسلمين وعزّ العرب في ذروة حضارتهم، العباسي هارون الرشيد، مدفون في قم، ويقومون بدوس القبر لاعتقادهم أن الخليفة العربي اضطهد آل بيت الرسول، وانتزع حقهم في الحكم. طبعا هذه أسطورة إيرانية موجهة ضد الحضارة العربية، فابن الرشيد، الخليفة المأمون، عيّن الإمام الشيعي علي الرضا نائبا له، وفي المذهب الشيعي روايات حول كيف بدأ الرضا رحلته من مدينة مرو، في تركمانستان اليوم، إلى مشهد. هل داس نائب الخليفة قبر والد الخليفة؟ الأرجح لا، لكن السياسة اليوم تملي إعادة كتابة تاريخ أمس.

قبل إيران، حاولت تركيا، التي تسابق الزمن للعودة إلى عثمانية يخال حكام أنقرة أنها كانت تتربع على عرش العالم الإسلامي، التظاهر وكأن للأتراك حصة في الحضارة الإسلامية، وهو أمر غير صحيح، فالحضارة التركية متأخرة جدا بالنسبة للتاريخ الإسلامي، حتى لو حاولت الانتساب له، وتركيا دولة فتية، مثلها مثل الولايات المتحدة، ومحمد الفاتح كان يجتاح الشعوب ويحتلها ويحكم ناسها في نفس الوقت الذي كان كريستوف كولومبوس يجتاح القارة الأميركية ويؤسس لحكم أوروبي فيها.

لكن رئيس تركيا رجب طيب إردوغان يعتقد أن بإمكانه إعادة إحياء إمبراطورية إسلامية يكون هو حاكمها التركي العثماني. في هذا السياق، قام الرئيس التركي بإعادة متحف آيا صوفيا مسجدا، وأثار بذلك ردود فعل سلبية واسعة وإدانات من وكالة يونسكو الأممية كما البابا فرنسيس الثاني. وآيا صوفيا هي كنيسة تم تشييدها قبل الإسلام، وكانت أكبر وأهم موقع أرثوذوكسي مسيحي لألف عام، قبل أن يغزي العثمانيون قسطنطينية، ويحوّلونها إلى اسطنبول، ويحولوا معها الكنيسة جامعا.

هكذا، صارت آيا صوفيا ترمز إلى فتوحات العثمانيين، وانتصار العثمانيين المسلمين على البيزنطيين المسيحيين، لكن الكنيسة نفسها وموقعها، لا أهمية دينية إسلامية لهما أبدا، فالمواقع الإسلامية ذات الأهمية معدودة، منها الحرمين في مكة والمدينة.

على عكس التاريخ الذي يتصوره حكام إيران وتركيا، ويحاولون إعادة إحيائه للتربع على عرش أمة إسلامية لم تكن واحدة ولا متجانسة في تاريخها. الإسلام دين جذوره عربية، الشخصيات في أحداثه الأولى عرب، طقوسه بالعربية، لكن بعد ذلك، صار الإسلام دينا متنوعا، فيه السني والشيعي والإسماعيلي والأباضي والزيدي والأحمدي والصوفي، وفيه العربي والهندي والأندونيسي والإيراني والتركي والأوروبي والأميركي.

أن يتظاهر ولي إيران أن الإسلام ديانة فارسية أورثته زعامة العالم الإسلامي، وأن يتظاهر سلطان تركيا أن الإسلام ديانة عثمانية أورثته زعامة الإمبراطورية الإسلامية، تزوير للتاريخ، وتحويل الإسلام من دين وعبادة إلى حزب وسياسية. أما العرب ممن يصدقون خزعبلات الإيرانيين والأتراك، فهم كمن اشتروا الضلالة بالهدى، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *