مفهوم رؤية الهلال في القرآن الكريم والسنة (ح 4)‎

فاضل حسن شريف

ما أهل لغير اللَّه، والإهلال رفع الصوت، يقال: استهل الصبي إذا صرخ عند الولادة، والمراد به هنا ما ذبح على غير ذكر اللَّه. وقد كان المشركون يذبحون لأصنامهم، ويرفعون أصواتهم باسم اللات والعزى. أنّ الرسولَ الأكرمَ صلّى الله عليه وآله كان إذا رأى هلالَ شعبانَ أمرَ منادياً ينادي في المدينة: (يا أهلَ يثربَ إنّي رسولُ الله إليكم، ألا إن شعبانَ شهري، فرحم الله من أعانني على شهري).

وعن التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: قوله سبحانه “حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ” ﴿يس 39﴾ تصوير بديع لحالة القمر وهو في آخر منازله. والعرجون: هو قنو النخلة ما بين الشماريخ إلى منبته منها، وهو الذي يحمل ثمار النخلة سواء أكانت تلك الثمار مستوية أم غير مستوية. وسمى عرجونا من الانعراج، وهو الانعطاف والتقوس، شبه به القمر في دقته وتقوسه واصفراره. أى: وصيرنا سير القمر في منازل لا يتعداها ولا يتقاصر عنها، فإذا صار في آخر منازله، أصبح في دقته وتقوسه كالعرجون القديم، أى: العتيق اليابس. قال بعض العلماء: والذي يلاحظ القمر ليلة بعد ليلة. يدرك ظل التعبير القرآنى العجيب حَتَّى”عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ” وبخاصة ظل ذلك اللفظ”القديم”. فالقمر في لياليه الأولى هلال. وفي لياليه الأخيرة هلال. ولكنه في لياليه الأولى يبدو وكأن فيه نضارة وقوة. وفي لياليه الأخيرة يطلع وكأنما يغشاه سهوم ووجوم، ويكون فيه شحوب وذبول. ذبول العرجون القديم. فليست مصادفة أن يعبر القرآن عنه هذا التعبير الموحى العجيب. 

تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع براثا عن رؤية الهلال ووحدة المسلمين – القسم العاشر للكاتب محمود الربيعي: ولا وزن للرؤية المجهرية و بالأدوات والوسائل العلمية المكبّرة، وإنّما المقياس إمكان الرؤية بالعين الاعتيادية المجرّدة، وتلك الوسائل العلمية يحسن استخدامها كعامل مساعد على الرؤية المجرّدة وممهّد لتركيزها.( 66 ) وقد تختلف البلاد في رؤية الهلال، فيرى في بلد ولا يُرى في بلد آخر، فما هو الحكم الشرعي ؟والجواب: أنّ هذا الاختلاف يشتمل على حالتين:الاُولى: أن يختلف البَلَدانِ لسبب طارئ، كوجود غيم أو ضباب ونحو ذلك، وفي هذه الحالة لا شكّ في أنّ الرؤية في أحد البلدين تكفي بالنسبة إلى البلد الآخر ; لأنّ المقياس ـ كما تقدم ـ هو إمكان الرؤية، لا الرؤية نفسها، وإمكان الرؤية هكذا ثابت في البلدين معاً ; ولا يضرّ به وجود حاجب في أحد البلدين يمنع عن الرؤية فعلا، كغيم ونحوه، كما تقدم.الثانية: أن يختلف البَلَدانِ اختلافاً أساسياً ; لتغايرهما في خطوط الطول، أو تغايرهما في خطوط العرض على نحو يجعل الرؤية في أحدهما ممكنة، وفي الآخر غير ممكنة بذاتها، وحتى بدون غيم وضباب، وذلك يمكن افتراضه في صورتين:إحداهما: أن يكون هذا التفاوت بسبب اختلاف البلدين في خطوط الطول ; على نحو يكون الغروب في أحد البلدين قبل الغروب في البلد الآخر بمدّة طويلة.وبيان ذلك: أ نّنا عرفنا سابقاً أنّ القمر بعد خروجه من المَحاق ومواجهة جزء من نصفه النَيّر للأرض يظلّ هذا الجزء النيّر يزداد، وكلّما ابتعد عن المحاق اتّسع وازداد.ونُضيف إلى ذلك: أنّ الليلة ـ أيّ ليلة ـ تسير تدريجياً بحكم كروية الأرض من المشرق إلى الغرب، فتغرب الشمس في بلد بعد غروبها في بلد آخر بدقائق أوساعات حسب موقع البلدين في خطوط الطول، والغروب في كلّ خطٍّ يسبق الغروب في الخطّ الواقع في غربه، ويتأخّر عن الغروب في الخطّ الواقع في شرقه، فقد تغرب الشمس في بلد ـ كالعراق مثلا ـ ويكون القمر قد خرج من المحاق، ولكنّ الهلال لا يمكن رؤيته ; لضآلته مثلا، غير أ نّه يصبح بعد ساعات ممكن الرؤية ; لأنّ الجزء النيّر من القمر يزداد كلّما بعد عن المحاق، فحين تغرب الشمسفي بلد يقع في غرب العراق بعد ساعات عديدة يكون بالإمكان رؤية الهلال.والصورة الاُخرى التي يكون الهلال بموجبها ممكن الرؤية في أحد البلدين دون الآخر: أن نفترض البلدين واقعين على خطّ طول واحد، بمعنى أنّ الغروب فيهما يحدث في وقت واحد ولكنّهما مختلفان في خطوط العرض، فأحدهما أبعد عن الآخر عن خطّ الاستواء، ونحن نعلم أنّ طول النهار وقصره يتأ ثّر بخطوط العرض، فالنهار الواحد والليل الواحد يكون في بعض المناطق أطول منه في بعضها تبعاً لما تقع عليه من خطوط العرض، ويختلف بسبب ذلك أيضاً ـ في الغالب ـ طول مكث الهلال في تلك المناطق، إذ يمكث في بعضها أطول ممّايمكث في بعضها الآخر، فإذا افترضنا أنّ مكثه في أحد هذين البلدين كان قصيراً جدّاً على نحو لا يمكن رؤيته، ومكثه في البلد الآخر كان طويلا نسبيّاً نتج عن ذلك اختلاف البلدين في إمكان الرؤية.وقد يتميّز بلد عن بلد آخر في إمكان الرؤية على أساس كلا الاعتبارين السابقين، بأن نفترض أ نّه واقع في خط طول غربيّ بالنسبة إلى البلد الآخر، وواقع أيضاً على خطّ عرض آخر يُتيح للهلال مكثاً أطول.وهكذا نلاحظ أنّ البلاد قد تختلف في إمكان الرؤية وعدم إمكانها.

عن تفسير الميسر: قوله تعالى ” شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (البقرة 185) شهد فعل، مِنكُمُ: مِن حرف جر، كُمُ ضمير، وَلِتُكْمِلُوا: وَ حرف عطف، لِ لام التعليل، تُكْمِلُ فعل، وا ضمير. رمضان الذي ابتدأ الله فيه إنزال القرآن في ليلة القدر؛ هداية للناس إلى الحق، فيه أوضح الدلائل على هدى الله، وعلى الفارق بين الحق والباطل. فمن حضر منكم الشهر وكان صحيحًا مقيمًا فليصم نهاره. ويُرخَّص للمريض والمسافر في الفطر، ثم يقضيان عدد تلك الأيام. يريد الله تعالى بكم اليسر والسهولة في شرائعه، ولا يريد بكم العسر والمشقة، ولتكملوا عدة الصيام شهرًا، ولتختموا الصيام بتكبير الله في عيد الفطر، ولتعظموه على هدايته لكم، ولكي تشكروا له على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق والتيسير.

كلمة شهر وردت في عدد من الآيات المباركة قال الله سبحانه وتعالى “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ” ﴿البقرة 185﴾، و”فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ” ﴿البقرة 185﴾، و”الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ” ﴿البقرة 194﴾، و”الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ” ﴿البقرة 197﴾، و”يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ” ﴿البقرة 217﴾، و”لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ” ﴿البقرة 226﴾، و”يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا” ﴿البقرة 234﴾، و”فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ” ﴿النساء 92﴾، و”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ” ﴿المائدة 2﴾، و”جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ” ﴿المائدة 97﴾، و”فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ” ﴿التوبة 2﴾، و”فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ” ﴿التوبة 5﴾، و”إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ” ﴿التوبة 36﴾، و”إحَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا” ﴿الأحقاف 15﴾، و”فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا” و ﴿المجادلة 4﴾، إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ” و ﴿٤ الطلاق 4﴾، و”وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ” (سبأ 12)، و”لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ” ﴿القدر 3﴾.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *