نوفمبر 22, 2024
411746407_341973191878085_1605044698953963798_n

اسم الكاتب : سليم مطر

ـ ان المثقف الناقص بالتاريخ مثل الذي يعاني من فقر الدم، ثقافته شاحبة وضعيفة.
ـ التاريخ، لا يعني فقط الملوك والدول، بل جميع حقول المعرفة: تاريخ الافكار والاديان والبيئة والمجتمعات والطب والهندسة والسحر والطبخ والازياء ..الخ..
ـ كل اسبوع وشهر، تصدر اكثر من سبعين مجلة تاريخية بالانكليزية، في مختلف ميادين التاريخ. جميعها ورقية ومعظمها ملونة، وفيها الاكاديمية النخبوية، والكثير منها شعبية وعائلية وحتى خاصة بالاطفال!
ـ اما المجلات العربية، فلا تتجاوز عدد الاصابع، وجميعها(مُحكّمة)أي خاصة بـ(الصفوة المختارة)!!، وتصدر باعداد نادرة في العام الواحد، بالاضافة الى ان غالبيتها الكترونية وليست ورقية!
ـ لدينا المئات من المجلات الشعبية: ادبية وسياسية ورياضية وطبية ونسوانية ودينية، الّا التاريخ فهو غائب تماما، ومتروك طبعا للظلاميين والعنصريين!؟
ـ ان الوطن والعالم، مثل الانسان، كلما عرفت ماضيه وتاريخه، كلما تمكنت من التعامل معه بصورة صحيحة.
ـ ان التاريخ اخطر الاسلحة السياسية والدينية، وتجاهله يعني منحه للمتعصبين واعداء الوطن!

نعم، أن معرفة التاريخ اساس جميع المعارف، مهما كان إهتمامي وتخصصي. لو عرفت آلاف الكتب والمعارض والبلدان والمختبرات، فأن ثقافتي تبقى سطحية، مثل شجرة مقتلعة الجذور. ولن تثبت في الارض الا بفضل معرفة التاريخ.
لن أصبح مهندسا او طبيبا او تشكيليا، دون معرفة تاريخ الطب والهندسة والتشكيل. ولن أصبح روائيا او شاعرا دون مطالعة تاريخ واساطير وحكايات شعبي وباقي العالم. ولن أصبح سياسيا او محللا اخباريا، دون معرفة طبيعة الدول والامبراطوريات القديمة وتطوراتها وصراعتها. بل حتى لن أصبح طباخا ماهرا، دون مطالعة تواريخ وميراثات الطبخ في بلادي والعالم.

حقول المعرفة التاريخية
اولا ـ اولا وقبل كل شيء، تاريخ الوطن. ولا اعني التاريخ الرسمي المدرسي المكرر، بل تاريخ الوطن الحقيقي، بأقوامه وأديانه وطوائفه، وبجميع مراحله منذ العصر البدائي وحتى العصر الحالي. فلن تكتمل وطنيتي ولا تتجذر ثقافتي، دون معرفة تاريخ وتراث وعقائد الجماعات التي أعيش انا واهلي وناسي معها ونتتشارك حياتنا في ارض وسماء الوطن. فكيف يحق لي أن أقيم مطالب القومية او الطائفة الفلانية، وانا لم أقرا أي شيء عن تاريخها أوعقيدتها؟ كيف أخرج فلما او أرسم لوحة، أو أحلل وضع الدولة والمجتمعـ أو أكتب شعرا ورواية، دون معرفة جذور وماضي وتاريخ الواقع والشعب الذي أعيش فيه وأتحدث عنه؟
ثانيا ـ معرفة عمومية لتواريخ جميع الاوطان والحضارات المعروفة، منذ اولى الحضارات العالمية: العراقية والمصرية والشامية، ثم ما تلتها من حضارات ايران واليونان والصين والهند وقرطاجة وافريقيا وهنود امريكا، وصولا الى الحضارة الغربية الحديثة. فلن أصبح انسانيا وشموليا دون معرفة تواريخ شعوب الارض وحضاراتها. ولن أتفهم باقي الشعوب وإشكالاتها ومحاسنها وسيئاتها وتأثيراتها على بلادي ومنطقتي، دون معرفة تواريخها.
ثالثا ـ تواريخ الاديان الكبرى: الاسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية والتاوية وكذلك الاديان الشامانية(عبادة الطبيعة). فلن أتفهم بصورة عميقة وحقيقة، دين شعبي أو فلسفتي، ويكتمل ايماني أو قناعتي، دون معرفة تواريخ باقي الاديان والمقارنة بينها. ان الكثير من مثقفينا الحداثيين ينكبون بوله طفولي على دراسة فلسفات اوربا، منذ اليونان حتى الآن، ولكنهم بنفس الوقت يتعففون ويتكبرون من مطالعة جذور هذه الفلسفة الاوربية، اي فلسفات البشرية المؤسسة، والمتمثلة بالأديان الاولى، المنتهية والحيّة، وتواريخها.

الجغرافية جسم التاريخ!
كي أتفهم بصورة كافية ما أطالع من التاريخ، من الضروري معرفة الجغرافية ولو بصورة عمومية. أي حد ادنى من معاينة الخرائط ومعرفة التضاريس والبيئات المختلفة. ان تعليق خارطة الوطن وخارطة العالم في غرفة المثقف امر ضروري، كي يعاينها دائما وتتوضح له العلاقات والتداخلات التاريخية. لكي أفهم حضارة الاندلس علي ان أعرف ولو سطحيا جغرافيا بلدان المغرب واسبانيا، ومواقع المدن والجيوش والسلالات. ولن أفهم حضارة النهرين، دون رؤية خارطة العراق ومواقع الجبال والانهار والبوادي. ولن افهم وضع الاكراد، دون معاينة جبال زاغاروس. ولن أفهم تاريخ البحر المتوسط بشعوبه وحضاراته على ضفتيه الشرقية والغربية، دون رؤية عامة لخرائط العالمين العربي والاوربي، قديما وحديثا. ولن افهم حقيقة المنافسة التاريخية بين اوربا الغربية وروسيا للهيمنة على اوربا الشرقية، دون معاينة خارطة اوربا.

الانترنت والبحث والمقارنة
اخيرا لا بد من التذكير بالحقيقة التالية: ان حقل التاريخ، من بين اكثر حقول المعرفة عرضة للتشويه المقصود، بسبب خطورته السياسية والدينية. لهذا يتوجب التأكيد على معاينة عدة مصادر مختلفة ومتناقضة، لتجنب الوقوع في قناعات مشوهة أو منحازة. من اجل حصولنا على الحد المعقول من المعرفة الحيادية للتاريخ، لنتجنب الاعتماد فقط على مصدر واحد، بل لنطالع المصادر المختلفة والمتناقضة، ثم نخرج بخلاصتنا. ان عالم الانترنت يوفر امكانية المقارنة الى حد كبير، وخصوصا اذا طالعنا عن نفس الموضوع بلغتين او أكثر، كما هو في موسوعة ويكيبيديا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *