اسم الكاتب : سليم مطر
من يحب التفاح، ليس مضطرا ان يحقد على البرتقال!
ـ لكل شيء في الوجود (هوية) تميزه عن باقي الموجودات. (هوية الشيء) تعني بكل بساطة (ما، أو من هو؟) هذا الشيء، أي شخصيته وصفاته الخاصة به. ما الذي يميز(الجامد) عن (الحي)؟ (النبات) عن (الحيوان) عن (الانسان)؟ (الارض) عن (السماء)؟ (المرأة) عن (الرجل)؟ (العامل) عن (الفلاح)؟ (العربي) عن (اللاتيني)؟ (العراقي) عن (السوداني)؟.. الخ..
ـ عدم الخلط بين(الهوية) و(التعصب والانغلاق). من الطبيعي ان تقول (التفاحة)، انا( تفاحة) وعندي(هوية تفاحية) خاصة بي تميزني عن باقي الفواكه والنباتات والموجودات. ولكنها تصبح(متعصبة تفاحية) عندما ترفض الانتماء الى(الهوية الفاكهية والنباتية) الاكبر، وتقول (انا افضل المخلوقات) واعلن حقدي وحربي ضد جميع الفواكه والنباتات المختلفة!!
تعدد الهويات
في داخل كل (هوية جماعية كبيرة) هنالك (هويات جماعية داخلية). مثلا في (النباتات)،هنالك هويات مختلفة: الاشجار والاعشاب. الفواكه والخضر. الموسمية والدائمة.. الخ. وفي داخل (هوية التمر)، هنالك العشرات من (انواع التمور) التي تتميز عن بعضها بالحجم والطعم والصلابة الخ..
في داخل (الهوية البشرية) التي تميز البشر عن الحيوانات عن النباتات، هنالك هويات داخلية مختلفة كثيرة: دينية وقومية ووطنية وقارية ومهنية وجنسية وسياسية.. الخ. كل فريق كرة او جمعية او حزب او شركة، هويته أي خصوصياته ومصالحه واساليبه وعلاقاته المختلفة.
هنالك مثلا (هوية نسوية) تجمع نساء العالم، رغم اختلاف هوياتهن الوطنية والعقائدية، مقارنة بـ(الهوية الرجالية)! هنالك هويات دينية وعقائدية: اسلامية، مسيحية، بوذية، هندوسية، الحادية، ليبرالية، شيوعية.. الخ تميز المنتمين لكل جماعة عن باقي الجماعات.
هنالك هويات قارية او اقليمية متمايزة. مثلا، (هوية سكان افريقيا السوداء) تجمعهم بصفات بدنية ولونية وتاريخية وثقافية وجغرافية ومناخية ومصالحية وحتى بالرائحة والصوت، تميزههم عن هويات (العالم العربي) و(جنوب آسيا) و(أوربا) و(امريكا االاتينية).. الخ
لو نظرنا أيضا الى شعوب(العالم العربي)، فهنالك (هوية اقليمية) اتجمعهم بصفات جغرافية بيئية تاريخية ثقافية لغوية دينية، الخ ، تميزهم عن هويات (العالم الاوربي) او (افريقيا السوداء) او(جنوب آسيا) و(امريكا اللأتينية).
اهم واثبت الهويات، هي: (الهوية الوطنية) و(الهوية الفردية)!
ـ الهوية الوطنية: هي من اثبت الهويات واكثر واقعية، لانها مدعومة بعوامل مادية مشتركة وثابتة: الدولة والارض والبيئة الجغرافية والثقافة والذكريات والتزاوجات، والموقع المحيط، والتاريخ والمصالح المشتركة… الخ..
فلو اخذنا مثلا (الهوية الجماعية) لـ (أمم العالم العربي)، رغم مشتركاتها الجامعة، من تاريخ وجغرافيا ومصالح وذكريات ولغة عربية جامعة وتداخلات سكانية، الخ. لكنها غير مدعومة بكيان مادي مثل الدولة. كل واحدة من هذه البلدان، تشكل (أمّة) متميزة بـ(هويتها الوطنية) الخاصة بها: لأنها مرتكزة على (الدولة) التي هي كيان مادي مؤسساتي كبير وفعال. كذلك لها ومصالحها وبيئتها وتاريخها ولهجاتها وقومياتها الداخلية غير الناطقة بالعربي، وجماعاتها الدينية المختلفة، ومصالحها وعلاقاتها المختلفة.. الخ.
ان الاعتراف والاهتمام والتثقيف بـ(الهوية الوطنية) امر طبيعي وضروري جدا لحياة (الوطن) وسلامة (الأمّة) ودوام (الدولة). لكن هذه (الهوية الوطنية) تصبح متعصبة عندما تقمع وتلغي (هوياتها الداخلة الفرعية) الدينية واللغوية والعقائدية. وكذلك تنغلق على نفسها وتلغي انسانيتها بتبرير الحقد على الامم والجماعات الاخرى.
ـ الهوية الفردية: وهي ايضا من اثبت الهويات واكثرها واقعية، لانها مدعومة بـ(كيان مادي) ثابت الا وهو(البدن) الخاص بكل انسان، ويميزه فعليا وعمليا عن اقرب الناس اليه. ومضطر ان يحميه ويغذيه ويجلب له المحبة والاحترام. حتى الاخوة في العائلة الواحدة لكل منهم(هوية فردية) أي شخصية أي صفات بدنية ومعنوية، تميزه عن اخوته. حتى الاخوة التوأم لكل منهما بصمة وشخصية مختلفة عن اخيه او اخته. واصعب مهمة على الانسان، ان يكتشف (هويته الفردية) و(بصمته) الخاصة به. فاصعب عائق امام المبدع، ان يتحرر من هيمنة الكبار، ويغني بصوته، ويرسم باسلوبه، ويكتب بحسّه.