اسم الكاتب : خالد قنديل
لعلنا نتذكر هذه الوصية التي بعث بها الرئيس السيسي لشعب العراق الشقيق أثناء زيارته لبغداد في السابع والعشرين من يونيو العام الماضي كأول زيارة لرئيس مصري منذ ثلاثين عامًا، حين قال: “حديثى إليكم اليوم وندائى حافظوا على بلدكم، ابنوا وعمروا وتعاونوا، وشاركوا، ابنوا مستقبلكم ومستقبل أبنائكم، عمروا مدنكم ومزارعكم ومصانعكم، وتعاونوا من أجل المستقبل”.
ومن هذه الفحوى وهذه الدعوة المخلصة إلى التعاضد والوقوف صفًا واحدًا من أجل أن يتبوأ العراق مكانته المستحقة دوليًا، تاريخيًا وحضاريًا ووفق قدراته وإمكاناته وموقعه الحيوي من العالم، لا تزال الجهود المصرية مستمرة تنسيقًا وتخطيطًا للدفع قدما باتجاه تحقيق الاستقرار التام للعراق، لما يمثله هذا البلد الحضاري العريق من ثقل في منطقة الشرق والأوسط والعالم أجمع، ولعل هذه المساعي المستمرة وهذا الإصرار من القيادة السياسية إنما يعبر عن هذه الأهمية التي توليها مصر للعراق بلدًا شقيقًا في التاريخ والعروبة ورباط الدم والجوار العربي والاشتراك في المصير على امتداد التاريخ.
من هنا جاءت زيارتي للعراق الحبيبة ضمن الوفد الإعلامي المصري؛ حيث كان في استقبالنا معالي رئيس مجلس الوزراء العراقي السيد محمد شياع السوداني، وهذه الزيارة تأتي بعد مؤتمر بغداد الثاني للتعاون والشراكة بشأن دعم العراق وتطوير مشاريع التعاون، وقد شهد اللقاء حوارًا جادًا ومكملًا لكل الجهود المبذولة في هذا الاتجاه، خصوصًا وقد أشار السوداني إلى أن هناك قواسم مشتركة عديدة لمصر والعراق خصوصًا فيما يتعلق بالإسهامات المتنوعة للبلدين، اللذين يعدان من مرتكزات الأمة العربية، كما أن مصر من أكبر الدول الداعمة للعراق، ويلمس العراقيون هذه الدرجة العالية من الحب والود من قبل الرئيس السيسي لهم، حيث إنه يدعو دائما للعراق والعراقيين من قلبه، وقد أشار السوداني إلى أن اقتصاد العراق كان بالأساس نفطيًا، ولم يكن هناك استثمار فى الزراعة والصناعة كما ينبغى، وأن هناك الآن توجهًا لمعالجة هذا الخلل، واستغلال الموارد المختلفة للعراق، لذا نوقشت جميع الأطروحات في هذا الصدد.
ولفت انتباهي أثناء دراستي وتعمقي في الملف العراقي إلى أن التعاون الأكبر أو نصيب الأسد في مجالات الاستثمار والصناعة مع تركيا وإيران اللذين لهما الأولوية في هذه الملفات، مما يشكل عواقب في حرية السيادة وخيارات الشعوب ومحاولات مستمرة للسيطرة على المقدرات العراقية واستخدامها كورقة لتحقيق مصالح الغير، ذلك على الرغم من الفرص المصرية المقدمة على مدار السنوات الماضية، وحتى الآن في مجالات الصناعة والاستثمار والتبادل التجاري والأيدي العاملة، فمن الغريب ألا يزيد حجم التبادل التجارى بين مصر والعراق على مليار دولار، إذن فهناك ضرورة قصوى لتفعيل الملفات الاقتصادية العالقة، مثل اتفاق التعاون لإقامة مدن اقتصادية وصناعية، تشمل صناعات النسيج والجلود والدباغة والأدوية البيطرية والمبيدات الزراعية، وغيرها من الصناعات وتحقيق سبل تطوير التبادل التجاري بين البلدين بما يعزز الأداء الصناعي، تأكيدًا لمخرجات ومقررات قمة بغداد الثلاثية بين قادة مصر والعراق والأردن، وبحث تفعيل اتفاقيات الشراكة التي بلغت خمس عشرة اتفاقية وقعها رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي للعراق مع نظيره العراقي نهاية أكتوبر 2020، لتعظيم الاستفادة المتبادلة من خبرات وإمكانات الدولتين، اللتين تمتلكان إمكانات إنتاجية وتصديرية كبيرة، ويجب مضاعفة استثمارها لزيادة حجم وقيمة التجارة البينية، والعمل معًا لإزالة كل العوائق أمام انسياب البضائع بين البلدين، والإسهام في تكامل الخبرات والإمكانات والموارد البشرية والطبيعية لما فيه مصلحة الجميع، حيث يمتاز العراق بثرواته النفطية والغازية.
وتمتاز مصر بتجاربها المتقدمة في مجالات الصناعة والتعدين والاستثمار في الطاقة على اختلاف مجالاتها، وصناعاتها التحويلية والبتروكيماوية، ومن ثم تتحقق منافع اقتصادية وتنموية جمة، كذلك بحث ملف العمالة المصرية سواء على مستوى المستحقات الخاصة بالمصريين العاملين بالعراق أو تحديد الاحتياجات من العمالة المصرية، إذ إن سوق العمل العراقية كانت تستوعب عددًا كبيرًا من العمالة المصرية، التي رأينا ضرورة مضاعفتها في ظل هذا التوجه والحماس والانتعاشة نحو البناء والتنمية وحرص مصر على تصدير عمالة مؤهلة وذات خبرة كبيرة في جميع المجالات، وغيرها من الإمكانيات والملفات؛ بل والتحديات التي من المؤكد أن تكون ضمن أولويات معالي رئيس الوزراء العراقي.
ولا تزال الدولة المصرية التي ساندت العراق في محنتها ومناهضتها للإرهاب، حريصة كل الحرص على الوقوف داعمةً لجهود الحكومة العراقية، نحو إرساء قواعد وأسباب قوة الدولة الوطنية ومؤسساتها بما يمكن العراق من تحقيق أمنه واستقراره وحماية مقدرات شعبه ووحدة أراضيه، كما أكدت مصر في العديد من المحافل الدولية الكبرى والمهمة رفضها لأي تدخلات خارجية فى الشأن العراقي، داعيةً مختلف القوى الإقليمية، إلى احترام سيادة العراق واحترام خيارات شعبه، لأنه بدا مهما وواضحًا أن من مصلحة جميع الدول العربية والإقليمية أن يقوم العراق بالدور المنوط به عربيًا وإقليميًا، إيمانا بأحقية هذا الشعب في حياة آمنة مستقرة ومستقبل زاهر يليق بحضارة بلاده وإمكاناته التاريخية والجغرافية.