اسم الكاتب : مؤيد الحسيني العابد
يعتبر مصطلح الجّندر من التعبيرات المعقّدة التي لعبت دورًا خطيرًا ومازالت تلعب هذا الدور بصورة أشدّ، بل وربّما أصبح أخطر من أيّ وقت مضى. لأسباب عديدة منها مثلًا: التعقيدات التي تنتاب الأبحاث العلميّة المهمّة والمعقّدة في مجالات عديدة، منها البحث الأحيائيّ والنفسيّ والتأريخيّ والإنثروبولوجيّ وحتى في المجالات التفسيريّة فيما يخصّ النصوص الدينيّة التي فُسّرت سابقًا بأساليب تعبيريّة مختلفة، كانت منسجمة مع أزمان ومفاهيم سابقة. واليوم هناك من يضعها في أطر جديدة مستحدثة، أراها منسجمة الى درجة كبيرة مع الواقع الحاليّ ولم تخرج عن الغرض الأساس منها. وقد أطّلعت على العديد من الدراسات والكتب في هذا الجانب، وأصبح لديّ الفضول في الولوج الى هذا العالم قدر ما أستطيع. هذه الإستطاعة المحدودة بسبب إنشغالات الحياة العلميّة والعمليّة في إختصاص بعيد الى درجة كبيرة عمّا أطرق بابه حاليًا. ربّما يُلام الإنسان فيما يكتب في غير إختصاصه إلّا من ذلك الذي يمسّ المجتمع والأخلاق والدين وكذلك الجانب الإنسانيّ المنظّم والمنسجم مع الفطرة الإنسانيّة. فالأمر خطير يحتاج الى تدخّل الكثير من الإختصاصات. إنّ من الأسباب المهمّة التي يسعى الإنسان من خلالها لفهم وإفهام ما يجري هو الشعور الواضح بتقصير الكثير من هؤلاء الذين يجمعون ما بين النهضة العلميّة والبعد الدينيّ الأخلاقيّ، فقد تخلّى الكثير عن هذا الدور. ولا ينبغي لنا أن نترك الحبل على غاربه. فيجب علينا أن ندلي بدلونا فيما ينفع، لا لغرض الشهرة أو الإنتشار بلا معرفة ولا إستقصاء ورأي بنّاء. ولقد كُتِب ويُكتَب العديد من الكتب والأطاريح البحثيّة لنيل العديد من مستويات الشهادة، أو من معلومات إحصائيّة ناقصة التشخيص التفصيليّ عن سبب ومسبّبات هذا النوع من المشكلات المجتمعيّة والإجتماعيّة، وحتّى ما يتعلّق بالتشريعات لهذا النوع من البشر (أقصد هذا النوع المسمّى بالجّندريّ). وقد وصل الموضوع في خطورته عندما تمّ توريط أحد السياسيين المتديّنين (!) بطرح كلمة الجّندر على الملأ وأمام جمع من المؤتمرين، من أصناف فكرية وإنتماءات متعدّدة، وفي النقل المباشر على الفضاء وقد تحوّل التهكّم في هذا الوضع الى خطورة مسّت الدين والعقيدة والأخلاق عندما يتبنى مسؤول أحد التيّارات السياسية هذا التوجّه أو توهّم به.
للإنصاف لم أرَ ولم أقرأ دراسة مثلما رأيت وسمعت و تابعت تلك الدروس التي كان ينشرها السيد كمال الحيدري، حيث كانت دراساته ونشرياته تبتدئ بالآراء المختلفة من آراء تأريخيّة وعلميّة ونفسيّة وأخلاقيّة، بل ويبحث عن التطبيق المناسب لرأي ينسجم مع الواقع ولا يخالف النصّ الدينيّ الوارد في الأحكام المتعلّقة الواردة في القرآن الكريم.
لقد ذكرت في الحلقة السّابقة الى أنّ من الضروري إبداء وجهة نظر معقولة لتغطية مشكلة معقّدة لم يصل فيها حتى بعض المتخصّصين في هذا المجال الى حلّ معقول في المفهوم أو في المضمون أو في التطبيق. تلك المشكلة فيما يتعلّق بتفكيك مصطلح الجّندر وإرتباطاته ومنشأ هذا الجّندر وعلاقاته بما يتّصل به إعتقادًا أم أساسًا وفيما يتعلّق بتطبيقه واقعًا حرًّا أم قسرًا. خاصّة إذا كان في التطبيق ما يدخل فيه من مشاكل تتعلّق بالعوامل الأخرى، الى الدرجة التي تجعل البعض يتململ من هذا الحديث الحسّاس الذي ينطلق فيه المرء من مشكلة الى أخرى. وقد أشرنا الى تأريخيّة بعض الحالات التي تتعلّق بهذا النوع من التكوين الإنسانيّ والذي لا ينتمي بكلّيته الى الذكورة ولا بكلّيته ينتمي الى الأنوثة. فقد نقل أرباب التأريخ بعض الحالات التي شابها الحكم في الكيفيّة التي يقرّرها المجتمع أو العقيدة الدينيّة عليهم من أحكام. أي إنّ هذا النوع، في الحقيقة لا ينتمي الى أحكام الذكورة لأسبابه ولا الى الأنوثة لأسبابها. بإستثناء التعامل مع الحالات واقعيًّا، كلّ حسب وضعه ومكانه وقضيّته، لا حكم فيه في العموم على أساس كونه حالة عامة في المجتمع كبقيّة الحالات المتوقّع حدوثها. لذلك ترى تلك الحالات كانت محدودة، تعمل من وراء ستار في بيوتات النساء، إن كان يحوي نسبة ذكورة أدنى من الأنوثة أو في أوضاع الغلمان في حالة وجود الذكورة أعلى من الأنوثة، كي يستخدمه بعضهم في مضافات و في خدمة الذكور في مجتمع الذكورة أو لأسباب أخرى تتعلّق بكونه يمارس معه ما يمارس مع الأنثى! أي في حالة الإتّصال ما بين الفاعل والمفعول به! وقد ورد في التأريخ مثلًا أنّ خليفة أبيه، الأمين إبن هارون العباسيّ كان شاذّا في إتّصاله مع أبناء جنسه، وقد كان يحمل من الذّكورة شيئًا ومن الأنوثة شيئًا آخر! لذلك يطلق عليه أحدّ المؤرّخين بأنّه كان من أشهر (المثليّين!) ويقصد به أحد الشاذّين عن الطريقة الطبيعيّة البشريّة. حيث ينقل عن قول هذا الأمين (!) البيت الشهير: كوثر دينيّ ودنياي وسقمي وطبيبي.. أعجزُ الناس الذي يُلحي محبًا في حبيب. والمشار إليه بكوثر كان عشيقًا له، ينفرد به. حيث كان الأمين يرفض إتيان النساء (حتى يُروى أن والدته حاولت ثنيه عن ذلك، وأتت له بفتيات يتشبّهن بالغلمان لكنّ مأربها لم تفلح، وظل الأمين على عهده(1). ويذكر الكاتب محمد العتر في مصدره الى أنّ (الخليفة الأموي الوليد بن يزيد بن عبد الملك، الذي قال عنه الذهبيّ في كتاب “تأريخ الإسلام”، إنه “اشتهر بالخمر والتلوّط”. ويُروى كذلك أن أخاه سليمان بن يزيد أخبر بأن الوليد راوده عن نفسه. ويعدّ الوليد بن عبدالملك، وأخوه سليمان، من أشهر المثليّين (!) في التأريخ الإسلامي). ومثل ذلك العديد من الحكّام والفاسدين حتى في الوقت الحالي، كما يشاع من خلال عدد من السلوكيّات المنحرفة التي راجت مع إنتشار وسائل التواصل الإجتماعيّ وباتت مصادرها متعدّدة لا يمكن إنكارها.
وقد وردت في هذا السلوك أحكام واضحة في الشريعة الإسلاميّة، كما هو واضح من بعض الآيات القرآنيّة.
هنا ينبغي أن نشير الى العجز الواضح في التّعامل مع هذه الحالة المعقّدة، أي حالة اللاذكورة واللاأنوثة بغض النظر عن العامل أو العوامل الأساسيّة في نشوء الحالة الشاذّة. وهذا العجز المشار اليه كان في الأساليب التي تتلاءم مع العديد من الشّروط، ومنها الشّروط الأخلاقيّة والبيئيّة المجتمعيّة علاوة على ما شرّع في الدين من أحكام وفقما وصل إلينا. وهي عبارة عن روايات وردت في عدد من الكتب تعتمد في التّعامل معها على الموثوقيّة في النقل والناقل كما هو معروف. يشير السيد كمال الحيدريّ في محاضراته القيّمة عن الجّندر وتأريخه في التعامل في العالم العربيّ: يقول أن لا توجد أيّ دراسة إلّا قبل ثلاثين أو أربعين سنة، وقبل ذلك لا يوجد أساسًا، أي أثر لهذه الأبحاث، ويشير الى كتاب (الإختلاف في الثقافة العربيّة الإسلاميّة، دراسة جندريّة) للكاتبة آمال قرامي. في الصفحة 19 والصفحة 20: حين يقارن الباحث في موضوع الإختلاف بين الجنسين بين الجهود التي ما إنفك الدارسون الأميركيّون والبريطانيّون، وفي درجة أقلّ الفرنسيّون، يقومون بها الى اليوم والمحاولات المحتشمة والقليلة في العالم العربيّ، ينتهي الى الإقرار بأنّ الإهتمام بدراسة الجّندر لم يتبلور بعد، وهو في خطواته الأولى. فلا غرو أن يتّسم بالإضطراب إن كان ذلك على مستوى المصطلحات أوالمناهج وربّما كان إهمال الإستفادة من المناهج الحديثة في هذا الضّرب. وتشير الأستاذة قرامي الى سنة 1980، سنة وجود دراسة جندريّة في هذا الخصوص. من خلال هذا نلاحظ العجز الواضح تأريخيًّا في الإشارة الى أبحاث مهمّة في هذا المجال الحسّاس الذي يشمل المجتمع والأخلاق والدين وحتى الإقتصاد والتعليم في الإشارة الى الخطورة التي بدأت بوادرها في المناهج الدراسيّة العراقيّة مثلًا، التي تخضع بالتأكيد الى الإشراف الأمريكيّ المحتلّ الذي يحتلّ بثقافته وسياساته العقل العراقيّ والعربيّ بدون شكّ. لذلك نلاحظ ظواهر عديدة وخطيرة تكون بمستوى هذا الخطر. منها مثلا الترويج الى الشذوذ بغياب حكوميّ واضح من قبل وزارة التربية أو من قبل وزارة التعليم والتعليم العالي من خلال جموع المستشارين التربويّين(!!) حيث تحتوي بعض المناهج التي إنتشرت في وسائل التواصل الإجتماعيّ صورها والعهدة على من نشرها لأنّني لست بالقرب من هذا الوضع وليس بيدي أي كتاب من هذه الكتب المدرسيّة ولا نعلم من الذي ألّف ومن الذي نشر وطبع (أقصد الجهة المتخفية). كما وينبغي أن أشير الى أنّ الامر لا يتعلّق بكليته بالجّندر كتفسير أو تعامل معه، بل يسحب هذا المفهوم الى المرأة كونها أنثى والكيفيّة التي يُتعامَل بها معها. ويسحب الى الرجل بإعتباره ذكرًا والكيفيّة التي يتعامل بها معه. بل والكيفيّة التي يتمّ الإجمال في سنّ القانون الإنسانيّ المناسب الذي يشمل حلًّا لمشكلة، كي لا تحصل في المستقبل، إن كان التأثير الفعليّ هو تأثير بيئيّ. كذلك الكيفيّة التي تسنّ فيها القوانين المناسبة للتعامل مع الحالات الموجودة دون التعارض مع الإنسانيّة ولا التعارض مع الفطرة الإنسانيّة أو التعارض مع النصّ الدينيّ المناسب كما يطرحه السيد الحيدري من إنسجام واضح وفق ما ذكرت أعلاه.
لقد وجدت عدد من الظواهر في المجتمع ومنها ما يدفع الى إبقاء الشّذوذ يضرب أطنابه ويستفحل الى أجيال أخرى قادمة. ويكون من أسباب ظهور مثل هذا الشّذوذ العديد من التأسيسات التي إنتشرت وعمّمت من قبل السلطات السياسيّة الحاكمة أو تلك غير الحاكمة. لكن لها سطوة في المجتمع السياسيّ، في عدد من البلدان الذي إنتشرت فيه العديد من الظواهر البعيدة عن المراقبة فساعدت من ضمن العوامل الى الإنحراف عن الجادّة (كعامل بيئيّ يساهم في الشّذوذ حسب إعتقادي) وكذلك وجود عدّة ظواهر أخرى ساعدت على اليأس والإبتعاد عن الأخلاق والعلاقات الإجتماعيّة الصّحيحة، منها إنتشار التقديس لأشخاص وإضافة القداسة الى مجاميع لا علاقة لها بالدّين أو الأخلاق، وبالذات بعض النّساء. وتبنّي المشروع الإحتلاليّ أو المشروع المسيطر على الدول من خلال الإقتصاد أو الأمن أو من خلال القرارات التي تحاصر تلك الدّول. ذلك التوجّه الذي يشجّع على نشر الفوضى الأخلاقيّة ودقّ أساسات مشروع هدم أخلاقيّ في المجتمع، يكون منها التّشكيك بقدرة التّشريع الدينيّ على معالجة المشاكل ومنها مشكلة التّعامل مع الجّندر. وهناك ما نراقبه في المجتمع من ظواهر خطيرة تبعد الإنسان عن المقدس الحقّ الذي يمتلك القرار الوجوديّ والتّنظيم الكونيّ ومن أرسل الى هذا الوجود. فإنتشار الأضرحة المزيّفة والقبور الغريبة لأشخاص لا علاقة لهم بالتأريخ الناصع للإسلام ولشخصيّاته الفكريّة والأخلاقيّة والتقديسيّة. أو لشخصيّات مبهمة غير معروفة لا تحقيق فيها، أو لم يثبت وجودها في التأريخ. وهناك أيضًا التركيز على السطحيّة في التّعامل الدينيّ أو الطقسيّ يجعل من الظّواهر الشاذّة أن تنتشر بين النّاس وخاصّة بين المراهقين مع وجود وسائل التّواصل مع العالم بلا تمحيص أو بلا تدقيق(فلترة) من قبل العائلة أو المجتمع، ممّا يساعد على نشر الرذيلة التي تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر على الإبتعاد عن الطّريق السّوي في كلّ شيء يمسّ الإنسان. ناهيك عن توجّه غريب يؤدّي الى جندرة في مجالات عديدة منها الإقتصاد والسّياسة وحتّى في الإعتقاد الدينيّ كما يوصفها أحد الأشخاص بمصطلح جندرة الاله الإبراهيميّ.
من التساؤلات المهمة كذلك التي تثار بين المثقّفين المتدينيّن أو حتّى بين العلمانيّين: هل مصطلح الجّندرة ظهر قبل الإسلام أم بعد الإسلام؟ ولعمري يريد أن يقول هل للدّين (هنا الإسلام) يلعب دورًا في دفع المصطلح للإستخدام، إن كان في التّشريع للمستقبل أم كان بالفعل موجودًا وشرّع له القاعدة المناسبة. وربّما يراد من الإثارة هذه أن يدخل الدّين كعامل حاسم في الدّفع لمعالجة مثل هذه الظواهر غير الطبيعيّة. ولا أعتقد أن دينًا شرّع للمؤمنين، أن يكون عاجزًا عن معالجة أيّ مشكلة إجتماعيّة أو غيرها، لكن بالأسلوب الذي يحقّق الحفاظ على النصّ مع إجتهاد مقبل يتوافق مع العصر ومع الفطرة الإنسانيّة كما أعتقد.
تنتشر حالات الشّذوذ كتعبير باطن عن حالات الإحتجاج ضدّ وضع أخلاقيّ غير طبيعيّ. أو ما يسمّى بالجّنس الثّالث. إن كان الحديث عن جنس ثالث فليس بالضّرورة أن يكون هناك حكم فيه لسبب وجيه هو عدم وجود أيّ دليل على ذلك الذي جعل من هذا جنسًا ثالثًا. أي بمعنى أن لا يصحّ أن يكون التأثير البيئيّ مثلًا على وجود جنس ثالث ثمّ نحمّل النصّ القرآنيّ أو المتخصّص في هذا المجال على عدم وجود تشريع يخصّ شيئًا إسمه جنس ثالث. وبالتالي يجب أن نضع وضعًا جديدًا يعالج مشكلة البيئة المؤثّرة على وضع تكوين ذكر ما أو أنثى ما، كي يكون هناك جنس ثالث ناتج من هذا الوضع. وإن كان هناك تأثير بيولوجيّ فبالتّأكيد سيكون هناك تشريع واضح من خلال ذلك. فقد ورد في القرآن الكريم الجنسان لا ثالث معهما. وإن قلت لي وإن كنتَ لا تؤمن بما أقول من خلال عدم إيمانك بالنصّ القرآني، فأجيبك من طريق آخر: وجب علينا معالجة أيّ بيئة غير طبيعيّة تبتعد عن الطبيعة البشريّة الفطريّة التي تكون المساهمة الوحيدة لإستمرار التناسل ما بين الذكر والأنثى لتستمرّ الحياة. وكلّ الإشكالات المطروحة هي إشكالات طبيعيّة أخلاقيّة إنسانيّة إن إبتعدت كثيرًا عن النصوص المقدّسة التي أعتقدها. وسنناقش ببعض التفاصيل في المستقبل عددًا من المحاججات ما بين الأطراف المتناكفة أو المتصارعة.
تشير إحدى الباحثات في مجال الجّندر (الباحثة آمال قرامي) الى أن (ظهرت فرضيّات ونتائج جديدة إتّخذ – بعضها – مسارين: الأوّل: إعتبر أنّ الأبويّة الدينيّة في اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام أقصت المرأة عن تأريخ المقدّس وجعلتها في الهامش، بعد أن كانت في المركز والمتن قبل التّوحيد؛ والثاني: إنّ تأويل النصّ الدينيّ إستنادًا إلى المناهج الحديثة، بإمكانه تحقيق المساواة بين الجّنسين التي عطلتها الغلبة البطريركيّة أو القراءة الذكوريّة) كما أشارت بالنصّ الذي كتبتُه. وللتعليق على ذلك أقول: قبل التّوحيد كانت المرأة في وضع يختلف بعض الشيء عمّا ذكرته الكاتبة لأنّ الإستناد على العقيدة الدينيّة لتسليط الضوءعلى وضع المرأة بإعتباره تأريخًا لوضع شأن المرأة موضع الشرح والتنقيب ليس موفّقًا بإعتبار ما نقل عن هذا من خلال التدوين الذكريّ، وكذلك لم يكن في تأريخ ما قبل التّوحيد أيّ رأي يقول بتدوين أنثويّ، أي من قبل الأنثى لذلك نرى أنّ من الضروريّ الإشارة الى تدوين من قبل المرأة كونها قبل ذلك التأريخ ما أشارت إليه الكاتبة على أنّ وضع المرأة أو النّظرة إليها كان أفضل ما قبل التّوحيد، أي على الهامش. أين كانت في تأريخ المقدّس أكثر من بعض القصص والمرويّات أو الآثاريّات التي أشارت الى أنّها كائن يمتلك سلطة ما بإعتبار السلطة آنذاك قدسيّة، فيكون التّقديس لها، هذا الكلام غير دقيق. كذلك كما كانت بعض التقديسات للمرأة فهناك التّقديس لها مع الإسلام عندما تنقل الأحاديث العديدة لمكانة بنت النبي الأكرم فاطمة الزّهراء ع وأمّه مثلًا. بل وصل التّقديس من خلال المرويّات التأريخيّة. ناهيك عمّا يؤمن به بعض الطوائف الإسلاميّة من إنّ بنت النبيّ معصومة من أيّ زلل. بل كان النبيّ الأكرم يقبّل يديها، وله من الأحاديث ما تشير الى قدسيّة عالية لها عند النبي وعند بعض المسلمين كما هو معروف. بل ويمتدح النصّ ما قامت به بنت النبيّ فاطمة الزهراء ع من الوقوف في خطّ قيادة المعارضة، وخطبت ضدّ سلطة الخليفة الأوّل في محضر الكثير من الأنصار والمهاجرين في المسجد. لذلك إعتبرها بعض المسلمين أنّها ذات قدسيّة عالية لا تدانيها قدسيّة حتى من زوجات النبيّ ونساء المسلمين. أو بعض الإيمان بأنّ مكانتها أعلى من مكانة الأنبياء دون أبيها الأكرم. فقد انجبت للأمة ولدين سمّاهما جدّهما بسيدي شباب أهل الجنّة. ومن قبلها كانت السيدة مريم عليها السلام والتي ذكرتها كل الروايات والنصوص على أنّ قدسيّتها فضّلت على عديد نساء التأريخ من بعد الزّهراء. بمعنى أنّ للمرأة مكانة مقدّسة في الدياناتين الإبراهيميّة التوحيديّة من المسيحيّة والإسلام.
تقول الكاتبة المذكورة كذلك: (من المهم الإشارة إلى أنّ الإبراهيميّات الثلاث: اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام، تختلف رؤيتها الدينيّة تجاه النساء، فالنصّ التوراتيّ ينبني على بنى نصيّة/ أبويّة صارمة، وتصارع النسويّة اليهوديّة من أجل الحدّ من الطابع النصيّ البطريركيّ في مجالات مختلفة، وفي المسيحيّة فإنّ الأبويّة الدينيّة أكثر رسوخاً في مواقف بولس الرسول من المرأة، على النقيض التامّ من إعلاء السيد المسيح للنساء، أمّا في الإسلام فتكشف الكثير من الآيات عن المساواة (وهذا دقيق وصحيح من الأستاذة الكاتبة) وترى المشتغلات في النسويّة الإسلاميّة أنّ القرآن لا يقيم تمييزًا أنطولوجيًّا بين الرجل والمرأة، فهو يمكن أن يُحيل على وظائف لكنّه لا يؤسّس لتراتبيّة ماهويّة بين الجنسين. نرى أن اليهوديّة لا سيّما على مستوى الشّريعة أثّرت في آباء الكنيسة والشريعة الإسلاميّة، وتبعًا لذلك نميّز بين النصّ وتفسيره، مع إدراكنا أنّه من الصعب -أحيانًا كثيرة- تحريره من طابعه المعادي للنساء، إذا كانت الطبقات الأبويّة أصيلة فيه) إذا القصد من ذلك التفسير فلا غرابة لكنّ إن كان المقصود في النصّ ففيه الغرابة كبيرة (2). وهنا يمكن أن نقول أنّ لها تراتبيّة فعليّة ما بين الجنسين، بالفعل فقد ورد النصّ القرآنيّ واضحًا في الحساب ما بين الجنسين إلّا من بعض التفسيرات حول الإقتطاعات أو الميراث كما يفسّرها بعض المفسّرين بإعتبار المرأة تأخذ نصف ما يأخذ الذكر. والصحيح أنّ التفسير الذي يذكر فيه الميراث إنّما كان للضّرورة الزمنيّة كما يذكرها السيد كمال الحيدريّ. إقرأ قوله:
(ولذا ذكر بعض الفقهاء ولذا ضمن شروط خاصّة قال إذا لم ينفق عليها كما ينبغي كما تقتضي العادة والعرف والعقلاء إذا لم ينفق تسقط ولايته (يقصد السيد الحيدريّ ولاية الميراث الضعف له على حساب الأنثى) يعني ولاية الزوجيّة والطلاق تسقط منه تنتقل للحاكم الشرعيّ لماذا؟ لأنّه أساسًا إنّما أعطيت هذه الولاية للزوج بشرط وشروطها ومن شروطها النفقة أنا فرضت فرضًا آخر قلت لو فرضنا جئنا الآن مجتمعات موجودة سواء قليلة أو كثيرة ونظامها الأسريّ في النفقة المالية لم يكن كذلك كان بشكل آخر كانوا من الهندوس كانوا من البوذيين من الكونفشيونوسيين من أي ملّة ونحلة أخرى ثم اسلموا وحياتهم الأسرية بقيت على تلك الطريقة لان الحياة الاجتماعية كانت كذلك لا انه هو شاذ لا يستطيع أن يقول أنا أريد أبدل كل شيء لا حياته الاجتماعية والقوانين الحاكمة كلها كذلك هذا أيضاً لابد أن يعطى للذكر مثل حظ الأنثيين الجواب كلا لماذا؟ لان الموضوع غير متحقق لأنه فرضنا أن الحكم تابع لموضوعه، وهنا موضوعه متحقق أو غير متحقق؟ إذن ينتفي الحكم وهذا لا ينافي الروايات التي مفصلاً وقفنا عندها حلاله حلال إلى يوم القيامة لان حلاله حلال إلى يوم القيامة مطلقاً أم مع توفر الموضوع؟)(3). والموضوع أو النصّ منقول حرفيًّا من المصدر. سنسهب في هذا الموضوع مستقبلًا، إن شاء الله تعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع العنوان: المثلية عند قدماء المسلمين.. مدحها شعراء ومارسها خلفاء. محمد العتر.
(2) https://www.monliban.org/monliban/ui/topic.php?id=7645
تشير في ذلك الباحثة اللبنانية في علم الاجتماع، كما عرّفت نفسها: ريتا فرج
(3) https://alhaydari.com/ar/2017/10/61424/